[ما أروع عطاء علماء الإسلام الربانيين ،فمِداد كلماتهم لوبُسط لَغطي وجهَ الأرض،وما أروع كلماتهم،فكثيرٌ منها يُوزن بالذهب].وفي مقدمة هؤلاء العالمُ القَيِمُ ابن قيم الجوزية،فقد فتش كثيراً في أعماق القلوب وتغلغل في معرفة طواياها ودفائنها،ثم أخرج ثمار جهده في كلمات وكتب قيمة. ومن دُرر كلماته ما صَاغه - مُستنبطا ًمن كلام ربنا وسنة نبينا صلي الله عليه وسلم -عن كيفية الوصول إلي سكينة النفس وطمأنينة القلب والتعامل مع الخَلق خاصة المسييء منهم، وعن الهدف الأسمي الذي يستحق التركيز ولفت الأنظار علي مدار الليل والنهار،أي ما يمكن وصفه بورشتة أووصفة للسعادة في الدور الثلاث (الدنيا-البرزخ-الآخرة). يبدأالورشتة قائلا:[لاتُعطي الأحداث فوق ما تستحق](فما مضي لا تحزن عليه ،فقط خذ منه العبرة والعظة ولا تكرر الخطأ،ولا تفرح بما يأتي في قادم الأيام تحقيقا لقول ربنا:(مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(22)لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلي مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ)"الحديد23) [ولا تبحث عن قيمتك في أعين الناس،ابحث عنها في ضميرك فإذا إرتاح الضمير إرتفع المقام ] (فمستحيل أن تحصل علي التقدير من الناس خاصة إن كنت مُصلِحا لنفسك ولغيرك -ليس صالحا في نفسك فقط-ولو أمكن ذلك لناله خير البشرمن الرسل والأنبياء. وصور عدم التقدير تتعدد وتتنوع بتعدد وتنوع الأشخاص والأماكن والأزمان . فقد تُرمي بأقبح الأوصاف والإتهامات أو يُسلط عليك أو يكرهك البعض من أجل أشخاص لا يساوون غرزةً في نعلك ،وقد يُقَّدم عليك ويُحترم أشخاص من أجل أموال يستخدمونها في معصية الله والتفريق بين الشركاء وإيقاع العداوة بينهم ،وقد يأتيك النكران والكراهية والعداوة والكفر بالرسالة من أقرب الناس مثل الزوجة كما في حالتي سيدنا نوح ولوط عليهما السلام ، كفرتا بهما وعاداتهما زوجتيهما مع أن الواحد منهما أفضل من ملأ الأرض من زوجته. وقد يأتيك العقوق والنكران والجحود من الإبن كما في حالة سيدنا نوح .وقد يأتي من الإخوة كما حدث من عزم إخوة يوسف عليه السلام علي قتله ثم الإكتفاء بإلقائه في البئر لكي لا يموت عطشا ويباع في سوق الرقيق ويُتهم بالتحرش بزوجة العزيز ويسجن 9 سنين ،وكل مشكلته مع إخوته أنهم حسدوه علي حب أبيه له دون ذنب ولا خطأ منه. وقد يكون عدم التقدير في وظيفة أوفي بلد بأكملها لا يعطيك أحدٌ حقك ولا يُعيرك إهتماما كما حدث مع سيدنا موسي والخضر عليهما السلام دخلا القرية كما ورد في سورة الكهف فلما جاعا وعطشا لم يجدا شخصا واحدا يعطيهما كسرة خبز ولا شربة ماء وهما أفضل اثنين علي وجه الأرض آنذاك. وقد تُقتل بلا جريرة - سوي أنك كما كل الأنبياء والرسل والصالحين تريد الأخذ بيد الناس إلي الجنة،ولا تريد منصبا ولا مالا ولا نساء ولا شيئا من متاع الدنيا- كما حدث مع زكريا عليه السلام فنشره أعدائه بالمنشار وهو يختبيء منهم في جذع شجرة . وكما حدث مع يحيي عليه السلام قُطعت رأسه من أجل زانية تحرشت به فرفضها فحقدت عليه فراودت الملك عن نفسه وطلبت منه مهرا كان رأس يحيي. وكما حدث مع إبراهيم خليل الرحمن أُلقِّي في النار وكانت الطير تتساقط إذا مرت فوقها ،وكما حدث مع موسي إتُهم من فرعون بالفساد وأنه ساحر. وكما حدث مع آسية إمرأة فرعون عذبها وهي خير من ملأ الأرض من مثله ،وماشطة فرعون قتلها فرعون لتدخل الجنة ويدخل النار.وكما حدث مع خير البشر بل خير الخلق محمد صلي الله عليه وسلم أُلقي فوق ظهره سَلا الجزور "أحشاء الجمل " وطُرد من بلده مكة وهاجر في ظلام الليل مُطَاردا من المشركين وتعرض له الصبية في الطائف وألقوا الحجارة عليه ،ولاقي من صنوف البلاء والإيذاء طوال 23 عاما ما لم ولن يلقه بشر قبله ولا بعده.وهناك من الأنبياء ما لم يلق تقديرا ولا إعترافا ولو من شخص واحد كما أخبرنا النبي صلي الله عليه وسلم .ونوح دعا قومه 950 سنة فلم يلق تقديرا إلا من 100شخص أي واحد كل عشر سنين ،أو ألف شخص - في رواية أخري - أي شخص واحد كل عام ). [وإذا عرفت نفسك فلا يضرك ما قيل فيك ] فمحمد صلي الله عليه وسلم قيل عنه ساحر وشاعر ومجنون وكاهن وإتُهم في شرفه وهو من هو وكذلك قيل في كل الرسل والأنبياء والصالحين فلم يهتموا لعلمهم أن التقدير والإنصاف من البشر مُحال يكفيك علاقتك مع خالق البشر . [لا تحمل هم الدنيا فإنها لله]"إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ (الأعراف 128) والأرض التي هي ملك خالص لله لا تساوي عنده سبحانه ليس البعوضة الحقيرة فقط، لكن جناحها ،فما بال من هو ضيف علي ظهرها ولا يملك منها مهما كان غناها إلا نقطة في بحر، فكيف نعطيها هذا الحجم وصاحبها ومالكها لا تساوي عنده جناح بعوضة ولو كانت تساوي ما سقي منها كافر شربة ماء .[ولا تحمل همَّ الرزق فإنه من الله]"وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (الذاريات 22) فلا تلُومن أحدا ولا تحقدن علي أحد ظننت أنه منع عنك عملا أومالا أوربحا أوغيره "[ولا تحمل هم المستقبل فإنه بيد الله]" وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ "آل عمران 109"وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ " 123 هود " . [فقط احمل همًا واحدًا كيف ترضي الله ،لأنك لو أرضيت الله رضي عنك وأرضاك وكفاك وأغناك . لا تيأس من حياة أبكت قلبك ،وقل يا الله عوضني خيرًا في الدنيا والآخرة ة،فالحزنُ يرحلُ بسجدة ،والفَرح يأتي بدعوة، لن ينسَ الله خيراً قدمته، ولاهمًا فرّجته،ولاعينًا كادت أن تبكي فأسعدتها.عِش حياتك على مبدأ:كن مُحسنًا حتى وإنْ لم تلقْ إحسانًا، ليس لأجلهم بل لأن الله يحب المُحسن ،أرخ يدك بالصدقة تُرخى حِبال المصائب من على عاتقك ،واعلم أن حاجتك إلى الصدقة أشدُ من حاجة من تتصدق عليه] [email protected] لمزيد من مقالات عبدالفتاح البطة;