الجزيرة هى قطعة أرض محاطة بالمياه من كل جانب، منفصلة عن الأرض الأم؛ لها شخصية خاصة بها وسكانها فخورون بتلك الشخصية، واليوم يسعى البعض لإقامة جزره المنفصلة عن سائر المناطق، فيعمل على تشييد الأسوار حول منطقته التى أختارها، أو الحيَ الذى يعيش داخله خاصة إن كان بالفعل جزيرة مثل حيً الزمالك، أو شراء جزر مهجورة لإقامة مجتمع منفصل عليها، أو الانفصال عن الدولة الأم والحصول على الاستقلال كما حدث فى الكردستان العراق وكاتالونيا فى اسبانيا، أو حتى الجزر البريطانية التى طالبت مؤخرا الانفصال عن القارة الأم. فى كل هذه الأحوال يشير هذا التوجه الى أن هناك ما يمكن أن نطلق عليه «عقلية الجزر»؛ وهى العقلية التى تؤكد أن سكانها يحملون رغبة دفينة فى تأكيد استقلالهم وسيطرتهم على مملكتهم الصغيرة. وفى نفس الوقت تشير هذه العقلية الى إفتقاد هؤلاء السكان الى الآمان فى المحيط الأكبر، فيبحثون عن مكان مغلق عليهم يشعرهم بالأمن والملكية والسيطرة، ويعطيهم الإحساس بالحرية والتخلص من أعباء بيروقراطية الدولة الكبري. هؤلاء يسعون داخل جزرهم المنعزلة الى خلق ما يتصورونه بأنه «المدينة الفاضلة»؛ فيحاولون حل مشاكلهم بعيدا عن بيروقراطية الأرض الأم، وإيجاد سبل لحل خلافاتهم الداخلية من داخلهم. كما يشعر البعض بالرغبة فى الانتماء الى مجتمعات صغيرة، لها أنشطتها الخاصة وإهتماماتها الشخصية والمختلفة. ولكن فى نفس الوقت على سكان الجزر مواجهة مخاوفهم وحدهم، فهم يشعرون دوما أنهم مهددون من الخارج؛ وان الخارج يسعى الى تقويض شخصيتهم وهويتهم ودمجهم فى الكيان الأكبر، وذلك بالنسبة لهم أكبر المخاطر التى تهددهم. على الجانب الأخر، خارج الجزر، هناك الكثيرون الذين يرون فى الجزر المنعزلة فرصة لتحقيق طموحاتهم فى الهيمنة على المجتمعات الصغيرة، فيسعون الى استيطان الجزر المنعزلة، مثلما حدث مع جزيرة الوراق أو جزيرة الدهب فى مصر، أو الجزر اليونانية فى البحر المتوسط او الكاريبى فى المحيط الاطلنطي؛ وصف كاتب بريطانى الجزر الصغيرة قائلا إنها »مثل المشاهير، فهى تبدو أكبر من حقيقتها وتجذب الزوار والمعجبين لزيارتها وربما السكن فيها«. هناك دوما صراع بين أهل الجزر وهؤلاء خارجها؛ فالجزيرة تنمى فى الانسان هذا الشعور ب «نحن وهم». وفى الحقيقة هناك مشاعر الريبة والشك وتخوف متبادل ما بين سكان الجزر ومن هم خارج الجزر، الى حد أن البعض يتحدث عن «صدمة الثقافات» بين الجانبين. يرى اللامنتمون الى الجزيرة ان سكان الجزر يتعالون عليهم ويشعرون بالطبقية ضدهم، بينما يرى سكان الجزر أن هؤلاء من الخارج يحسدونهم على جزيرتهم ويسعون الى الاستيلاء عليها والسيطرة عليهم. ولكن فى النهاية، كما تحتاج الجزر الى الأرض الأم التى تؤكد واقعا غير قابل للمنافشة بأن هناك بشرا آخرين يجب التعامل معهم بنفس الإحترام والتقدير، وفتح مداركهم لإستقبال مواطنين من خارج الجزيرة لبث روح جديدة فيها، وحتى لا تموت الجزر وتدفن فى حلقتها المغلقة؛ فإن الأرض الأم فى حاجة أيضا الى الجزر التى قد تكون مصدرا للإلهام والإبداع، حيث نتعلم كيف يهتم المرء بموطنه وينتمى الى مكانه ويصبح مستعدا للدفاع عنه الى أخر نفس فيه. لذلك مع أى مشكلة بين الدولة الام والجزر يجب التعامل معها بالحوار وتفادى الصدام، حتى لا يتطور الوضع الى قطيعة نهائية يصعب بعدها أى حوار، كما حدث فى منطقة كاتالونيا باسبانيا حيث الحوار بات اليوم مستحيلا. لمزيد من مقالات ليلى حافظ