يبحث كثيرون عن طرق بسيطة، وأعمال سهلة، توصلهم إلى الجنة، ولا تكلفهم كثيرا من الجهد أو الوقت أو المال. وقد حقق الإسلام رغبة هؤلاء، وأتى بعدد من الأعمال اليسيرة، التي تترتب عليها أجور عظيمة؛ أهمها دخول الجنة، حيث النعيم المقيم، الذي لا يحول، ولا يزول، وحيث لا همّ، ولا غمّ، ولا مرض، بل لا مشكلة. تدل هذه الأعمال على مدى حب الله تعالى لعباده؛ إذ يضاعفَ لهم الأجر عن أعمال بسيطة يؤدونها؛ كالطهارة، والصلاة، والصيام، والذكر، وقراءة القرآن، وكفالة المحتاج، وغير ذلك من الأعمال، القليلة الجهد من البشر، الجليلة القدر عند الله. قال الحافظ ابن حجر: "ينبغي للمرءِ ألا يزهَدَ في قليلٍ من الخيرِ أن يأتيَه، ولا في قليلٍ من الشرِّ أن يجتنِبَه؛ فإنه لا يعلَم الحسنةَ التي يرحمُه الله بها، ولا السيئةَ التي سَخِطُ عليه بها". إن الإسلام يدعو إلى الاجتهاد في الأعمال الصالحة، مهما كانت ضآلتها، وقد يثيب عليها ثوابا عظيما. قال تعالى: "فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ". (القارعة:7،8). وقال سبحانه: "فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". (المؤمنون:102). وفي "فتح الباري" قال ابن حجر ، لدى شرحه حديث وقوف المؤمنين على القنطرة بعد مرورهم على الصراط، قبل دخولهم الجنة: "فيمر الناس عليه أي: الصراط، بحسب أعمالهم, فمنهم الناجي, وهو من زادت حسناته على سيئاته, أو استويا, أو تجاوز الله عنه". وقد حبَّبب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس، في فعل الخير، مهما كان بسيطا. فعَنْ جَرِيرٍ، رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي صَدْرِ النَّهَارِ. قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ. فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلالاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمِ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ"، إِلَى آخِرِ الآيَةِ: "إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"، وَالآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: "اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ". وأضاف النبي، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ: "وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ. قَالَ جَرِير، رضي الله عنه: "ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ". (رواه مسلم، وأورده الألباني في "صحيح الجامع"). وفي شرحه على الحديث، قال الداعية محمد راتب النابلسي: "يقصد بذلك في شؤون الدنيا، أما في شؤون العقيدة فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". ويضيف: "الابتداع في العقيدة والعبادة ممنوع، والمسموح أن تُحسِّن شروط المعيشة للمسلمين.. تُطَور، تستخرج الثروات، تحفر الآبار، تنشئ المزارع، تقوم بتهيئة فرص عمل. إن التجديد في الدين أن تنزع عنه ما علق به مما ليس منه، أما من سنَّ سُنَّة حسنة في أمور الدنيا فهذا ما ينطبق عليه حديث الرسول، صلى الله عليه وسلم". والأمر هكذا، كشف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن رجلا دخل الجنة، بعمل يسير، هو تنحية غصن شجرة من الطريق، كان يؤذي الناس، أو المسلمين. ففي حديث معاوية بن قرة، قال: "كنت مع معقل المزني فأماط أذى عن طريق، فرأيت شيئاً فبادرته، فقال: ما حملك على ما صنعت يا ابن أخي؟ قال: رأيتك تصنع شيئاً فصنعته، فقال: أحسنت يا ابن أخي، سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: "من أماط أذى عن طريق مسلمين كُتب له حسنة، ومن تقبلت له حسنة دخل الجنة". (رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وحسنه الألباني في "صحيح الأدب المفرد"). وفي رواية في "صحيح مسلم" قال، صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيتُ رجلاً يتقلَّبُ في الجنةِ في شجرةٍ قطَعَها من ظهر الطريقِ كانت تُؤذِي الناسَ".)رواه مسلم). بل من أحسَنَ إلى البهائمِ فإن اللهَ، تعالى، يشكُرُه، ويغفر له، ويدخله الجنة. ففي الحديث النبوي قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "رأى رجلا كلبا يأكل الثرى من العطش فأخذ خُفه فجعل يغرف له حتى أرواه، فشكر الله له، فأدخله الجنة". (رواه البخاري). والأمر هكذا، نخصص المقالات القليلة المقبلة لرصد أعمال يسيرة، لكنها تقود صاحبها إلى الجنة. وهي، كما سنرى، بلا عدّ، ولا حدّ، شرط أن تكون صحيحة، وموثقة، بالقرآن، والسنة. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;