قرار انسحاب الولاياتالمتحدة من منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)،جاء ليؤكد تصميم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على تنفيذ خططه نحو تحقيق رسالة «أمريكا أولا»التى رددها عندما فاز بالرئاسة, وإن كانت هذه الخطوة متوقعة منذ قيام الولاياتالمتحدة فى 2011 بإلغاء مساهمتها المالية التى كانت تخصصها لليونسكو وعدم مشاركتها فى التصويت احتجاجا على قرار منح الفلسطينيين عضوية كاملة بالمنظمة ،إلا انها أكدت موقف ترامب المتشدد نحو المنظمات والاتفاقات الدولية بشكل عام. وأثارت موجة جديدة من الجدل الذى لايزال قائما فى المجتمع الأمريكى منذ قرار الانسحاب من اتفاقية باريس،وهذه المواقف من الاتفاقيات الدولية والمعاهدات التجارية عززت تنفيذ «أميريكسيت» التى تتبنى فكرة «أمريكا الصغيرة العظمى»،وتأتى المبررات ان الاتفاقات تقوض الاقتصاد الأمريكى وترهقه بأعباء مالية تقدر بتريليونات الدولارات. ولكن تأتى الطبيعة لتصب جم غضبها على من يتعدى على بيئتهاوتمنى الولاياتالمتحدة بخسائر اقتصادية كبيرة ،وتؤكد ان هناك بالفعل تغيرا فى المناخ يجب ألا يتم تجاهله وان الإحتباس الحرارى لكوكب الأرض ينذربآثار سلبية بعيدة المدى خلال القرن الحالى وما بعده ،وان قرار الانسحاب يعد نكسة للبيئة والكف عن دفع الاموال لصندوق المناخ الأخضر الذى تدفع له الدول الغنية 100 مليار دولار لمساعدة الدول النامية للتعامل مع الفيضانات والجفاف وغيرهما من الكوارث الطبيعية يؤثر بالفعل على الحفاظ على الكوكب الام وحماية الإنسان. ويرى علماء كبار فى مجال المناخ ان الغازات المسببة للاحتباس الحرارى الناتج عن احتراق الوقود الأحفورى تحبس الحرارة فى الغلاف الجوى وتسبب ارتفاعا فى حرارة الأرض وزيادة منسوب البحار والجفاف بشكل أكثر ويؤدى إلى عواصف شديدة ،وكان العام الماضى الأكثر حرارة منذ بدء التسجيل فى القرن 19،ويؤكد العلماء ان انسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاق قد يسرع آثار تغير المناخ العالمى ويجعله أكثر سوءا ،لأنها تعهدت بخفض انبعاثاتها بين 26 و28 %عن مستويات 2005وذلك بحلول سنة 2025، وتعد أمريكا مسئولة عن أكثر من 15% من إجمالى انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى حول العالم وتأتى فى المرتبة الثانية بعد الصين . بينما رأى الرئيس ترامب ان اتفاقية باريس تهدف إلى إلحاق الضرر بالولاياتالمتحدة وإعاقتها وفقرها لانها تكلف الاقتصاد الأمريكى 3تريليونا دولارمن الناتج العام وتقضى على 6ملايين وظيفة صناعية ،إلا ان الانتقادات الاعلامية اللاذعة التى واجهته خاصة فى «نيويورك تايمز» نشرت ان الحجج التى تقف وراء قرار ترامب مبنية على معلومات وأرقام كاذبة من مصادر ذات مصالح فى صناعات الفحم الأحفورى،وكتب «بيل ماكبين» فى الصحيفة نفسها»انه يقضى على اثنين من القوى المتحضرة على كوكبنا الدبلوماسية والعلم». وجاءت الخسائر التقديرية للكوارث الطبيعية سواء حرائق كاليفورنيا أو الاعاصير التى اجتاحت ولايات تكساس ولويزيانا وفلوريدا،لتوضح فداحة ما سوف تتحمله أمريكا من أثار قد تفوق التوقعات ،خاصة مع تأكيد المسئولين انهم ما زالوا بعيدين جدا عن الانتهاء من هذه الكوارث وآثارها، فعلى سبيل المثال ولاية كاليفورنيا تعانى أسوأ كارثة حريق فى تاريخ الولاياتالمتحدة،أودت بحياة 40 شخصا وتم تدمير احياء كاملة فى مدينة سانتا روزا ،واندلعت الحرائق فى نحو 190 فدانا اى ما يقرب من مساحة مدينة نيويورك ،وتم عمل اجلاء جماعى فى منطقتى نابا وسونوما وتم تدمير 3500 منزل وهناك آلاف الاشخاص المشردين وأكثر من 400 فرد مفقود، و11حريقا يكافحها نحو10 آلاف اطفائى، وللاسف لاتشير توقعات الارصاد إلى تحسن الظروف المناخية. وبمقارنة بين احصائيات التقارير التى تم رصدها فى الفترة الأخيرة اتضح ان تقلبات المناخ الحادة وتلوث الهواء الناتج عن الوقود الأحفورى كلف أمريكا 240 مليار دولار سنويا فى السنوات العشر الأخيرة اى ما يعادل 1.2%من اجمالى الناتج المحلى الامريكى، بينما قدرت قيمة الأضرار الناجمة عن الأعصارين رفى وارما وماريا وسلسلة حرائق الغابات فى الولاياتالغربية فى الشهرين الماضيين بنحو 300 مليار دولار،وتكلفة أثر الهواء الملوث على صحة الانسان 188مليار دولار سنويا على مدى السنوات العشر الماضية فى حين بلغت تكلفة الاضرار الناتجة عن التقلبات المناخية 52 مليار دولار،وقدرت شركة «أكيوويذر» الخاصة للارصاد الجوية تكلفة الاعصارين بنحو 1,5%من اجمالى الناتج الداخلى للولايات المتحدة مما يلغى النمو الاقتصادى المتوقع بين منتصف أغسطس إلى نهاية السنة. واذا كانت لغة الارقام توضح حجم الخسائر المادية، فإن المآسى الإنسانية والاجتماعية أبلغ بكثير ولاتقدر بثمن،فهناك الوضع الحرج الذى تواجهه السلطات الفيدرالية فى جزيرة بورتوريكو والتى تتعامل مع الكارثة التى ألمت بمواطنيها ببطء أثار غضب المجتمع الامريكى بجميع طوائفه.. وفى المقابل كان هناك تحرك من عشرات المدن والولايات فور الانسحاب من الاتفاق الدولى للمناخ لتنظيم مقاومة فى اتجاه الاقتصاد الأخضر،وتخطت المبادرات معاقل الديمقراطيين التقليدية (نيويوركوواشنطن وكاليفورنيا) والتى تمثل خمس سكان أمريكا،لتمتد إلى ولايات جمهورية مثل (اوهايو وتكساس وأيوا) ،كما تعهدت منظمة رؤساء بلديات من أجل المناخ والتى تضم 61 رئيس بلدية وتمثل حوالى 36 مليون أمريكى بتبنى الالتزامات حيال أهداف أتفاق باريس وتنفيذها. ويبقى انه من المفترض ان تقييم المناخ القومى يصدر كل 4 أعوام اى ان الاصدار المقبل المفترض صدوره فى 2018 وانه تتم حاليا مراجعة التقرير العلمى الذى يعد مفتاح الوثيقة النهائية والذى يحلل المناخ فى الولاياتالمتحدة المعروفة باسم «التقرير الخاص للمناخ العلمى»،بالرغم من قرار إدارة الرئيس ترامب بحل لجنة استشارية فيدرالية حول تقييم المناخ القومى مهمتها مساعدة صانعى السياسة ومسئولى القطاع الخاص على دمج الحكومة للمناخ فى خطط طويلة الأمد، ولكن هذا التحرك لايؤثر على انهاء التقييم الرابع للمناخ القومى الذى يظل له أولوية قصوى،كما تنص اتفاقية باريس على ضرورة انتظار واشنطن رسميا حتى نوفمبر 2020 قبل الانسحاب من الاتفاقية. فما الذى ينتظر إدارة الرئيس ترامب إزاء إصراره على موقفه تجاه تغير المناخ ومع استمرار غضب الطبيعة وكوارثها التى لم تشهد الولاياتالمتحدة مثلها منذ أكثر من 84 عاما؟