تشكل الاستراتيجية التى أعلنها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تحولا مهما فى السياسة الأمريكية تجاه إيران والاتفاق حول برنامجها النووى الذى أبرم فى عام 2015, بعد رفض ترامب التصديق على التزام طهران بتنفيذ بنوده وإلقاء الكرة فى ملعب الكونجرس ليقرر خلال ستين يوما الخيارات المتاحة, وهى إما استمرار رفع العقوبات الأمريكية أو إعادة العقوبات السابقة أو إضافة عقوبات جديدة بما يضع الاتفاق النووى على المحك. ارتكزت سياسة أوباما على أن إبرام الاتفاق يمثل نجاحا لعقيدته السياسية فى الحوار والدبلوماسية وتعزيز دور الإصلاحيين الإيرانيين وعلى رأسهم الرئيس حسن روحانى فى مواجهة قبضة المتشددين, وكذلك دمج إيران فى المنظومة الدولية, مع التغاضى عن أنشطتها الأخرى فى تطوير برامجها الصاروخية ودعم الإرهاب, كما اعتبرت الدول الأوروبية الشركاء فى اتفاق الخمسة زائد واحد أن الاتفاق سوف يوقف الانتشار النووى ويدعم السلم والأمن الدوليين, إضافة إلى استفادتها الاقتصادية الكبيرة من رفع العقوبات على إيران من خلال تدفق استثماراتها خاصة فى قطاع النفط والسوق الإيرانية الواسعة. لكن بعد عامين من إبرام الاتفاق سقطت تلك الفرضيات حيث أدى الاتفاق إلى زيادة حالة عدم الاستقرار فى المنطقة وتهديد السلم الدولى مع تصاعد خطر الإرهاب نتيجة لسعى النظام الإيرانى لتوظيف الأموال الضخمة والتى تصل لمائة مليار دولار بعد رفع العقوبات وفقا للاتفاق لتعظيم دور ونفوذ إيران الإقليمى وزعزعة استقرار المنطقة والتدخل فى شئون دولها ودعم التنظيمات الإرهابية من الفواعل من غير الدول الموالية لولاية الفقيه مثل حزب الله اللبنانى وميليشيا الحوثى باليمن والميلشيات الشيعية العراقية وغيرها, حيث زودتها بالمال والدعم اللوجستى والتدريبى وتغذية الطائفية والحروب الأهلية وهو ما فاقم من مشكلات وأزمات تلك الدول خاصة سورياوالعراق واليمن ولبنان. كما أن النظام بدلا من توظيف عوائد النفط والأرصدة المفرج عنها لتعزيز التنمية فى الداخل وانتهاج سلوك رشيد يرتكز على حسن الجوار وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول, سعى لتطوير برنامجه الصاروخى الباليستى بما يشكل تهديدا واضحا للأمن القومى العربى والخليجى. ولذلك فإن استراتيجية ترامب الجديدة ترتكز على معالجة ثغرات وعيوب الاتفاق النووى والتعامل معه بمنظور شامل يرتكز على أولا ضمان التزام إيران الدقيق بتنفيذ التزاماتها فى الاتفاق النووى وفتح جميع مواقعها العسكرية المشتبه فيها أمام مفتشى الوكالة الدولية وذلك لضمان عدم حيازتها للسلاح النووى, وثانيا حصار وتحييد الدور الإيرانى فى دعم الأنشطة الإرهابية وتهديد الاستقرار الإقليمى والعالمى, وثالثا تحجيم القدرات الصاروخية الباليستية الإيرانية المحورة وفقا لقرار مجلس الأمن 2231 الذى أقر الاتفاق النووى. وإذا كان ترامب لم يعلن رسميا الانسحاب من الاتفاق, كما أنه من الصعب أن يقوم الكونجرس الأمريكى بإلغاء الاتفاق نظرا لوجود بعض الاختلافات فى الرؤى بين أعضائه وداخل إدارة ترامب, والمعارضة الأوروبية والروسية لتوجه ترامب بإلغاء الاتفاق أو الانسحاب منه, إضافة لقرار مجلس الأمن, إلا أن الاتفاق أصبح هشا ويفتقد مقومات الاستمرارية فى ظل تراجع الطرف الأساسى فيه, فهو اتفاق ثنائى بين أمريكاوإيران برعاية وضمانة خماسية من روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا, كما أن العقوبات الأمريكية هى الأكثر تأثيرا على إيران, ولذلك فى حالة فرض الكونجرس والإدارة الأمريكية عقوبات جديدة منفردة على إيران وأذرعها العسكرية خاصة الحرس الثورى وفيلق القدس, فإن الاتفاق قد يٌفرغ من مضمونه, إضافة إلى إستراتيجية ترامب قطعت الطريق على سياسة أوباما فى أى تقارب أو تطبيع محتمل فى العلاقات بين الولاياتالمتحدةوإيران رغم التعاون والتنسيق على أرض الواقع, والأهم أن مصير الاتفاق واستمراريته أصبح مرهونا ليس فقط بتنفيذ إيران بنود الاتفاق فى وقف تخصيب اليورانيوم وتقليل أعداد أجهزة الطرد المركزى وعدم بناء مفاعلات نووية جديدة للمياه الثقيلة وفتح مواقعها النووية والعسكرية لوكالة الطاقة الذرية, وإنما الأهم أنه أصبح مرهونا بوقف طهران لبرامجها الصاروخية الباليستية وأنشطتها فى دعم الإرهاب ودورها السلبى فى المنطقة والكف عن التدخل فى شئونها الداخلية, وهو أمر يصعب ضبطه والتحقق منه فى ظل التغلغل والتدخل الإيرانى فى العديد من الدول العربية ودعم الميليشيات والمنظمات الموالية له وإصرار النظام الإيرانى على تعظيم دوره الإقليمى بكافة الوسائل مستغلا حالة السيولة التى يعيشها العالم العربى بعد التغيرات السياسية التى شهدها عام 2011. ورغم أن الموقف الأوروبى والروسى المدافع عن الاتفاق, لاعتبارات اقتصادية, والتشابك الأمريكى العسكرى فى المنطقة خاصة فى العراق, قد يبطئ من الانسحاب الأمريكى من الاتفاق إلا أن استراتيجية ترامب الجديدة وربط الاتفاق بالقضايا الأخرى الخاصة بالبرنامج الصاروخى الإيرانى وأنشطتها فى دعم الإرهاب, سوف يدفع فى الاتجاه البحث عن خيارات جديدة أبرزها إعادة مراجعة بعض بنود الاتفاق أو إضافة ملحق جديد يتعلق بقضيتى الإرهاب والقدرات الصاروخية وهو ما لن تقبله طهران, مما يدفع إدارة ترامب لفرض مزيد من العقوبات على إيران, ويؤدى فى النهاية المطاف إلى أن يصبح الاتفاق النووى فى مهب الريح. لمزيد من مقالات د.أحمد سيد أحمد