تعاظمت ثقتى فيما أكتب، بعد أن تواردت خواطرى مع ما كتبه الكاتب الكبير والشاعر المتألق فاروق جويدة، بجريدة أهرام الجمعة الماضى عن «التاريخ بين غياب الوثائق وطوفان المذكرات» وما أثاره من تساؤلات مهمة تستدعى حتمية الإجابة العاجلة، وكنت قد استشعرت أهمية كتابة تاريخ الوطن، بمناسبة ما دار من حوارات ومناقشات لمذكرات شخصية لمسئولين كبار، عاصروا الأحداث، وأثارت الخلافات والجدل وابتسرت التاريخ، على أهميته برغم أن حلقات التاريخ متصلة لا تنفصل، فهى لا تبدأ منذ عهد الملك فاروق عام 1937 فحسب أو من ثورة يوليو 1952 وما بعدها لأن تاريخ الوطن ممتد وقبل هذا بكثير ومع ذلك فإنه مع حداثة تاريخ انتصارات أكتوبر 1973 فإن ما يزيد على 60 مليون مواطن حسب تعداد سبتمبر 2017 أعمارهم ما بين 15 - 60 لم يعاصروا تلك الأحداث ولم يشهدوها. ولسوف تظل كتابة تاريخ الوطن وحماية ذاكرته قضية وطنية كبرى تشغل بال الكثير من أبناء هذا الوطن حماية له وللتاريخ، بعيدا عن المواقف أو الإسقاط لأنها تظل أمانة ومهمة علماء التاريخ ومراكز البحوث المتخصصة وهو للأجيال فى ذات الوقت وإذا كان التاريخ يحدثنا عن الماضى البعيد أو القريب، فإنه يكشف لنا أسرار الحاضر وينير لنا طريق المستقبل، نأخذ منه الدروس والعبر، فكتابة التاريخ عن انتصارات أكتوبر 1973 مثلا لا تنفصل عن هزيمة 1967 لأنها تسجل عظمة الانتصار عند الوقوف على ما جرى فى يونيو 1967، وقبلها فى عدوان 1956، وكذلك فإن وقائع التاريخ منذ عهد الملك فاروق منذ توليه السلطة فى 29 يوليو 1937 وقبل قيام الثورة ثم حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 ثم بيان مجلس قيادة الثورة فى 23 يوليو 1952 ثم إصدار الملك فاروق مرسوما بتعيين محمد نجيب قائدا للقوات المسلحة بتاريخ 25 يوليو 1952، ثم الإنذار الموجه إلى الملك فاروق بالتنازل عن العرش لولى عهده أحمد فؤاد بتاريخ 26 يوليو 1952 وصدور الأمر الملكى 65/1952 بالتنازل عن العرش فى ذات التاريخ ثم إفتاء السنهورى ومجلس الدولة بشرعية هيئة الوصاية المؤقتة لتولى سلطة الملك بعد حلف اليمين فى أول أغسطس 1952.. ثم صدور الأمر الملكى رقم 10/1952 فى 7 سبتمبر 1952 بإسناد أمانة الحكم إلى محمد نجيب، وقبوله المهمة فى ذات التاريخ، وتعيين أول وزارة للثورة من خمسة عشر وزيرا فى 7 سبتمبر 1952 برئاسة محمد نجيب، ومحتفظا لنفسه بوزارة الحربية، ثم الإعلان الدستورى بسقوط دستور 1923 وإصدار القائد الأعلى رئيس حركة الجيش إعلانا دستوريا فى 10 ديسمبر 1952 ، وبعدها حل الأحزاب السياسية فى 16 يناير 1953 وصدور إعلان دستورى فى 10 فبراير 1953، ثم إعلان الجمهورية فى 18 يونيو 1953 ثم بعدها بداية حكم عبدالناصر فى 25 فبراير 1954 حتى عام 1970 ثم بداية حكم السادات حتى عام 1980 وبعدها ولاية مبارك حتى قيام الثورة الشعبية فى 25 يناير 2011 وإسناد السلطة إلى المجلس الأْعلى للقوات المسلحة ثم استيلاء الإخوان على السلطة بالتهديد والترويع وإعلان النتيجة بالتزوير فى يونيو 2012 وأخيرا قيام الثورة الشعبية فى 30 يونيو 2013 بعد سنة واحدة واستعادة الشعب مصر من الاختطاف ثم الفترة الانتقالية للمجلس العسكرى ثم الرئيس المؤقت عدلى منصور بعدها إعداد الدستور الجديد فى ظروف غير عادية وانتخاب الرئيس السيسى رئيسا للجمهورية. هذه الأحداث الجسام والمتعاقبة وغيرها الكثير فى تاريخ الوطن وقد مضى عليها قرابة ثمانين عاما، يتطلع أبناء الوطن إلى كتابة التاريخ بالأصول العلمية وبالوثائق والمستندات بعيدا عن الحكايات والقصص والروايات أو المواقف الشخصية لأن أبناء مصر الذين تجاوز تعدادهم المائة مليون يبحثون عن تاريخ وطنهم. ولا يكفى لمعرفة التاريخ إقامة الاحتفالات لأيام أو منح اجازة ليوم أو أيام لان ذلك لا يكفى وحده لمعرفة حقيقة التاريخ أو نشر ثقافته التى يتوارثها الأجيال حتى يمكن فهم الحاضر وطريق المستقبل، كما لا يكفى أن نطلق بعض الشعارات أو عرض بعض الانجازات لاستعادة الروح أو نحكى الحكايات والمعجزات أو ننشر الكتب الشخصية أو الوقائع المثيرة لأن ذلك كله لا يكشف حقيقة التاريخ وفقا لأصوله العلمية بالوثائق والمستندات وهى مسئولية الدولة بأن تدعو علماء التاريخ وتمكنهم من تسجيله بالأمانة والموضوعية والأصول والقواعد العلمية من أمثال يونان لبيب وزملائه، وان تقدم لهم الوثائق والمستندات ليسجلوا حقائق التاريخ بعد أن مضى عليها قرابة الثمانين عاما، ليكتبوا لنا التاريخ قبل ضياع ذاكرته. لمزيد من مقالات د. شوقى السيد