تستطيع الحكومة أن تسيطر بسهولة على أسعار الخضر والفاكهة التى وصلت إلى أرقام فلكية بسبب جشع التجار الذين تصوروا أن حرية السوق تعنى افتراس المستهلك، وتكمن المشكلة أيضا فى أن الفلاح يتحمل نتيجة هذا الجشع بالسلب فى غياب مذهل للجهات المسئولة، حيث يضطر فى أحيان كثيرة إلى بيع محاصيله بأسعار غير مجزية لا تتناسب مع تكاليف الإنتاج المتزايدة باطراد، فى حين أن الحكومة مطالبة بوضع حد أدنى للمحاصيل التى تباع بالجملة لتجار التجزئة، حتى لا يخسر المزارعون بعد جهد ومشقة شهورا عديدة وتكاليف باهظة وإيجارات مرتفعة، مما يؤدى بالفعل إلى هجرة الفلاح الأرض الزراعية بحثا عن أعمال اخرى أقل جهدا وأكثر أمانا وأكبر دخلا، وهى إشكالية خطيرة تهدد مستقبل الإنتاج الزراعى فى مصر، فضلا عن مشكلات وعوامل أخرى تتعلق بمستلزمات الإنتاج وأساليب الرى والعمالة. وينبغى إذن أن تدخل الحكومة كمنافس فى السوق، فتشترى المزروعات من المنتج «المزارع» بسعر مناسب وتبيعها للمستهلك بسعر أقل مما يبيع به تجار التجزئة. وأعرض تجربة شخصية توضح وتؤكد أهمية اقتراحي.. ففى سنة 1988 كنت وزملائى فى مشروع الخريجين بمنطقة مريوط نورد محصول الكمثرى لسوق روض الفرج بالقاهرة والحضرة بالإسكندرية بسعر يتراوح بين 40 و50 قرشا للكيلو جرام لتجار التجزئة، مع توريق القفص بقصاصة الورق، وتغليف ثمار «وش القفص» بمناديل ورقية مصونة وكانت الكمثرى يومئذ تباع لدى الباعة بمتوسط جنيه ونصف الجنيه للكيلو جرام (أى ثلاثة أضعاف سعر الجملة) ثم عرفنا طريقنا إلى أكشاك وزارة الزراعة ومديرية الزراعة بالجيزة، حيث كنا نورد الكمثرى بسعر يتراوح بين 70 و90 قرشا للكيلو جرام حسب حجم الثمار ومدى جودتها، وكانت الوزارة والمديرية تبيعان الكمثرى للمستهلكين بأسعار تتراوح بين 90 قرشا و110 قروش بدون توريق أو مناديل ملونة، وبهذه السياسة التسويقية العادلة، كسب وربح كل من المنتج والمزارع. فلماذا لم تتكرر هذه السياسة منذ ذلك الحين؟! ولماذ لا تأخذ بها الحكومة اليوم كآلية ناجحة وعملية لخفض أسعار الخضروالفاكهة؟ ولماذا لا يتم تعميم هذه السياسة فى كل مدن الجمهورية بإنشاء محال أو أكشاك يتم توريد المحاصيل إليها مباشرة من المزارعين دون أى وساطة بأسعار عادلة تعود بالفائدة والمكسب على كل من المزارع والمواطن؟! إن ثمرة الكرنبة الواحدة التى تصل إلى المستهلك فى موسم زراعته فى حدود 5 جنيهات يبيعها الفلاح إلى تاجر الكلالة (من الأرض) بسعر يتراوح بين 75 قرشا وجنيه، ويخيل إلى المرء فى كثير من الأحيان أن المسئولين فى مصر يدورون فى حلقة مفرغة فى مواجهة المشكلات والأزمات الحياتية للمواطنين، دون أن ينتبهوا وسط مشاغلهم وأعباء مناصبهم إلى حلول بسيطة خارج صناديق الحلول التقليدية. إن خفض أسعار المنتجات الزراعية للمستهلك فى يد الحكومة إذا توافرات الإرادة والحرص الحقيقى الصادق على مصلحة كل من المنتج والمستهلك، وإذا توافرت القدرة على تحويل وتفعيل الأفكار العملية وغير التقليدية إلى واقع يلمس المواطنون آثاره ونتائجه الإيجابية، ويرون بحق أن هناك تغييرا حقيقيا نجحت الحكومة فى تحقيقه. محمد سعيد عز