نحو 300 يوم من الإثارة والترقب والاختلاف هى عمر إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى أثبت قدرته الفائقة على إثارة الجدل وجذب الأنظار. فقد نجح خلال هذه الفترة القصيرة فى تحويل موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعى إلى ساحة معارك على جبهات مختلفة، فتارة يشعل الصراع مع كوريا الشماليةوإيران، وتارة أخرى يثير النزعات العنصرية، وأخيرا يثيرغضب وتمرد غير مسبوق فى الأوساط الرياضية ضد سياساته وتوجهاته المناهضة للمهاجرين. ولكنه فى المقابل يواجه تحديات صعبة أبرزها سلسلة الأعاصير التى ضربت الأراضى الأمريكية خلال الأسابيع الماضية، حيث واجه أسوأ اختبار فى بورتريكو خلال تصديها ل «كابوس» الإعصار ماريا. وهناك تحدى الكونجرس الذى فشل مرارا وتكرارا فى إلغاء برنامج «أوباما كير» للرعاية الصحية، والآن يواجه التحدى الأكبر للانسحاب من الاتفاق التاريخى الذى روض إيران النووية على مدى أعوام. أما التحدى الحقيقى أمام ترامب فهو الاقتصاد ومدى قدرته على تمرير برنامج إصلاح ضريبى ينعكس إيجابيا على النمو الاقتصادى الأمريكي. فى إطار معركته الشرسة مع وسائل الإعلام الأمريكية، نجح ترامب فى إضفاء أهمية جديدة لتويتر وحوله إلى منصة رسمية للحصول على أخباره وبث آرائه والتفاعل مع المواطنين، ولكن يبدو أن هذه المنصة تحولت إلى سلاح ذى حدين، خاصة خلال الحرب الكلامية التى نشبت بينه وبين الزعيم الكورى كيم جونج أون خلال الفترة الماضية. فقد كسر القائمون على تويتر كل القواعد ورفضوا حذف أى تجاوزات أطلقها الرئيس الأمريكى فى تغريداته الفتاكة المتلاحقة. وعندما انتقد البعض الموقع واتهموه بالإسهام فى تأجيج الصراعات مع بيونج يانج، جاء الرد سريعا وهو أن تغريدات ترامب لا تخضع للرقابة التقليدية ولا يمكن المساس بها، حيث يعتبرها البعض بمثابة وثائق للتاريخ. ولكن هذا لم يمنع ترامب نفسه من حذف بعض تغريداته بنفسه. ويبدو أن ترامب لم ينجح فقط فى ترويض تويتر ولكنه أسكت «فيسبوك» وأصبح قاب قوسين أو أدنى من إخضاعه، حيث ظهر مارك زوكيربرج رئيس مجلس إدارة شركة فيسبوك فى فيديو استثنائى أكد فيه أنه سيسلم كل ما يتعلق بالحملة الدعائية التى مولتها روسيا خلال فترة الانتخابات الرئاسية إلى السلطات الأمريكية، متعهدا بالتعاون الكامل مع المحققين لمعرفة حقيقة التدخل الروسى فى العملية الانتخابية. وذلك فى محاولة عملية للرد على الشبهات الضمنية التى يواجهها فيسبوك بشأن التعاون مع روسيا. وفى الوقت ذاته، أكد ترامب فى تغريدة له أن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بعثت له بخطاب اعتذار عن سوء تغطيتها لأخباره. ولكن هذه التغريدات الرئاسية أسهمت فى إشعال الكثير من الصراعات، فتأخر ترامب فى التعليق على المسيرات العنصرية فى تشارلوتسفيل، ثم التعليقات الأولية التى بدرت منه وبدا منها تعاطفه مع أنصار اليمين المتطرف لم تكن فى صالحه. وجعلته فى مواجهة اتهامات صريحة بأنه يميل لليمين المتطرف على حساب التيار المعتدل، بل إن الكثيرين اتهموه بالاستعانة بمستشارين متطرفين وهو ما دفعه لاقالة مستشاره الاستراتيجى المقرب ستيف بانون. وعاد ترامب ليثير الجدل مجددا عبر تويتر، من خلال اتهامه للاعبى فرق اتحاد كرة القدم الأمريكية بعدم احترام النشيد الوطني، نظرا لأن بعضهم يجلس خلال عزف النشيد – وهو موقف اتخذه اللاعبون قبل نحو العام احتجاجا على مقتل رجل أسود برصاص شرطى أبيض وتفشى العنصرية فى أمريكا- ولكن جاءت هذه الانتقادات بنتائج عكسية. وقرر أغلب اللاعبين الجلوس خلال عزف النشيد ولكن هذه المرة احتجاجا على ترامب نفسه وسياساته المناهضة للمهاجرين، خاصة وأن أغلبهم من السود الذين تقدر قيمتهم بملايين الدولارات. وعاش ترامب أيضا سلسلة من الإخفاقات المحرجة أمام الكونجرس الأمريكى خلال الأشهر الماضية، ففشل فى إلغاء برنامج «أوباما كير» الصحى وبالتالى لم يتمكن من تمرير الإصلاحات التى دعا لها خلال برنامجه الانتخابي. أما الإحراج الأكبر الذى واجهه خلال الأيام الماضية فهو هزيمة روى موور المرشح الذى اختار ترامب مساندته فى الانتخابات الأولية للحزب الجمهورى فى ولاية آلاباما، وهو ما دفع الرئيس لإزالة كل تغريدات التأييد لمور ليعبر عن دعمه وتأييده للمرشح المنتصر ويؤكد أنه سيدعمه حتى النصر فى الانتخابات الجزئية للكونجرس نهاية العام الحالي. ويبدو أن مواقف الرئيس المتهورة قد أثارت حربا خفية بين التيارين المحافظ المعتدل والمتشدد بين أروقة الكونجرس، وهو الصراع الذى سيدفع الجمهوريين ثمنه غاليا فى انتخابات التجديد النصفى العام المقبل. أما على الصعيد الدولي، فإن كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة كرست العداء الأمريكى لإيرانوكوريا الشمالية، إلى جانب المشاعر العدائية التى تحملها تغريداته. ولكن طهران بدت الطرف الأكثر تعقلا فى معادلة الاتفاق النووى حيث أكد الرئيس حسن روحانى تمسكه باستمرار العمل بالاتفاق على الرغم من رفضه الكامل لنبرة التحدى والاستهانة الأمريكية. وهو ما دفع المؤسسات الدولية وقيادات البنتاجون والمسئولين الأمريكيين أنفسهم لمساندته وتأكيد احترام طهران لاتفاقها مع الدول الكبرى. ولكن يبدو أن الموقف الإيرانى لن يصمد طويلا أمام استفزاز ترامب الذى أعلن رفضه الكامل للاتفاق النووى وأصبح الأمر الآن فى يد الكونجرس لحسم الموقف الأمريكى النهائى منه. ولم تسلم أوروبا هى الأخرى من سياط تغريدات ترامب، التى تعمل على تفتيت الكتلة الأوروبية وخلقت حالة من العداء الضمنى بين الولاياتالمتحدة وألمانيا بسبب سياسات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المؤيدة للمهاجرين. ولكن فى ظل هذه الحروب المتوالية، يأتى الاقتصاد ليكون النقطة المضيئة إلى حد كبير فى سجل ترامب ، خاصة وأنه بالرغم من المخاوف التى تساور المواطنين بشأن بيئة الانقسام السياسى وانعكاسها على الوضع الاقتصادي، إلا أن معدلات البطالة سجلت انخفاضا ملحوظا مع تزايد فرص العمل وتحسن الأداء الاقتصادى للبلاد، وها هو ترامب فى انتظار اختبار قانون الإصلاح الضريبى الذى سيحسب له فى حالة نجاحه. بغض النظر عن أى مآخذ على شخصية ترامب، إلا أنه لم ينجح فقط فى شغل الرأى العام المحلى إلا أنه أيضا جذب انتباه شعوب العالم بعفوية تغريداته التى تبدو فى كثير من الأحيان كما لو كانت تتحدث بلسان رجل الشارع العادي. ولكن هل ستصمد هذه العفوية غير محسوبة العواقب أمام الاختبارات السياسية المتلاحقة؟