أربعة وأربعون عامًا.. مرت على حرب أكتوبر 1973م، ولم أتوان قط عن كتابة مقال عن هذه الحرب سواء فى مجلات الحائط التى كنا نحررها ونعبر فيها عن آرائنا ونعلق اللوحات فى الميادين وفى مجلات ورقية بسيطة، الغرض منها الوصول إلى جماهير شعبنا الطيب والودود. وقد استضافنى التليفزيون المصرى خلال الأيام الماضية للحديث عن أكتوبر والحوار مع عدد من الشباب بالجامعات المصرية فى نطاق القاهرة الكبري. وكان حوارًا راقيًا سعيت من خلاله إلى تأصيل عبقرية الإنجاز، والإصرار على استلهام الدروس. وقد أظهرت لهم، أن حرب أكتوبر اندلعت فى يوم السبت، فى اليوم السادس من أكتوبر، 1973، فى تمام الساعة الثانية وخمس دقائق، وهو يوم وتاريخ وساعة، محدد وفق دراسة علمية ومجتمعية، وفى شهر رمضان. كما أشرت أننى ومجموعة من الشباب وكنا، قد انتهينا من الثانوية العامة وفى انتظار دخول الجامعة بشغف، قمنا بتكوين مجموعة سميناها «اللجنة الشعبية»، للوقوف على مشارف مدينة شبرا الخيمة بمنطقة بهتيم ومسطرد المحاطة بشركات البترول والغزل والنسيج، وغيرها، وتطوعنا فى مساء اليوم للسهر والوقوف للتأكد من الداخلين للمنطقة وحفظ أمنها. لنبدأ فى الصباح الباكر التدريبات على الدفاع المدنى بمعسكر المدينة السكنية لشركة أسكو التى تحولت الآن إلى خرابة!! ويجرى تقسيم أراضيها بالمخالفة للقانون ولهذا حديث آخر قادم، ولم يهدأ لنا بال إلا بعد أن توقفت النيران والحرب بعد أن حقق الجيش المصرى بغطاء عربى وبالتنسيق مع الجيش السورى فى الشمال، أكبر معجزة عسكرية فى التاريخ. ولكننى لم أتوقف عند المشاركة الشكلية فى فترة الحرب، بل قمت بإعداد رسالتى الماجستير والدكتوراه. فقد أعددت رسالة الماجستير فى موضوع: السياسة الخارجية لمصر بين قرارى إنهاء مهمة الخبراء السوفيت 1972، وزيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977م، وخلصت الرسالة إلى أن السادات كان يعد العدة للتوجه غربًا، وهو ما أوصلنا إلى كامب ديفيد، وكان بين القرارين حرب أكتوبر وإنجازها العبقرى الذى لم يتم توظيفها سياسيًا بالشكل الذى يتفق مع حجم هذا الإنجاز. وهو ما عبر عنه أ. هيكل فيما بعد بالإدارة السياسية الخاطئة لحرب أكتوبر العسكرية. أما رسالة الدكتوراة، فكانت فى موضوع قياس قوة الدولة مع التطبيق على حربى يونيو 1967، أكتوبر 1973م. وكان منطلق هذه الدراسة ضرورة الإجابة عن سؤال جوهرى وهو: هل اتسقت نتائج كل حرب منهما مع القوة الشاملة للدولة؟ وقد تم التطبيق على (7) دول فى إطار الصراع العربى الصهيونى وهى دول المواجهة الشاملة (مصر والأردن وسوريا ولبنان)، ودول المواجهة غير الشاملة (العراق السعودية) فى مواجهة مقارنة مع إسرائيل. وقد كان الصدام المصرى السوفيتى عام 1972م، له آثار سلبية على الأداء العسكرى بعد العبور وتحطيم خط بارليف، لولا التدخل الجزائرى والليبي، بتمويل صفقة سلاح مع الاتحاد السوفيتى وإسالة الجليد بين مصر والسوفيت. كما أن هذا الصدام كان خطوة على طريق التوجه الساداتى نحو أمريكا والغرب حتى وصل الأمر بعد الحرب إلى طريق كامب ديفيد وأكاد أجزم من واقع الدراسة العلمية التى قمت بها حول هذه الفترة، أن حرب أكتوبر كان لها ثلاثة إنجازات لا تنسى وستظل محفورة فى الوجدان المصرى والعربى وهي: عبور أكبر مانع مائى فى التاريخ (قناة السويس) وتدمير أقوى خط دفاع عسكرى فى التاريخ بعد «خط ماجينو» الذى لم يكن يمثل 25% من قوة خط بارليف الصهيوني، كما أن نظرية المفاجئة الاستراتيجية والخداع الاستراتيجي، المصرية، لم تكن مسبوقة، وكانت محبكة تمامًا. حتى أن قرار الحرب لم يعلم به سوى الرئيس السادات والرئيس حافظ الأسد، وفى بعض الأقوال شبه المؤكدة كان الثالث هو: الزعيم ياسر عرفات. ولو عُرف ما كان مقدرًا لاستشهادهم فى عبور قناة السويس، بعد فتح صنابير النابالم المجهزة لذلك داخل خط بارليف، هو عشرة آلاف جندى مصري، بينما الواقع قد شهد قدرة القوات الخاصة المصرية على غلق هذه الصنابير قبل بدء العبور، وراح ضحية العبور (238) شهيدًا فقط، أليس هذا من عبقريات الإنجاز. الآن إذا كان لحرب أكتوبر، هذا الإنجاز العبقرى بأيدى المصريين وأشقائنا السوريين والغطاء العربي، وأكدت أننا عبرنا الانهيار الحادث فى يونيو 1967م، إلى الانتصار فى أكتوبر 1973م، ألسنا قادرين على قبول التحدى وتجسيد إرادة النصر، لدحر التخلف وتحقيق التقدم، وعلينا أن نقلل من الاحتفال ونكثر من العمل لمصلحة مصر القوية. لمزيد من مقالات د. جمال زهران