إنهم يدعون أن الفتوى أدت إلى مشكلة ونحن نقول: الفتوى الصحيحة جزء من الدين؛ لأنها إفادة عن الأمور الدينية، والدين كما نعرفه جزء من الحل وليس جزءًا من الصراع، وفى النهاية فالدين سعى لسعادة الإنسان فى الدنيا والآخرة، فالدين حياة وسعادة وإحياء، ومن ثم جاء شعار مؤتمرنا: «الفتوي: استقرار ة بناء عمران». وماذا يعنى غياب الفتوى الرشيدة التى تسير بطريق علمى إلا أن سائلًا يسأل سؤالًا فلا يجد له عندنا إجابة، وما بعد ذلك مسلسل غير مجهول، ولأن إجابة السؤال احتياج عقلى ونفسى واجتماعى سيسعى المسلم لمن يروى هذا الأمر، وعند غياب الرشد لن يكون إلا الضلال. وهل من الصواب أن يذهب إلى من يسوِّد له الدنيا فى وجهه، لأن الفساد مستشرٍ فى كل نواحيها ولأن الناس كفار لا يستحقون أن نشاركهم فى حياة، ثم تأتى الفكرة التالية: فيمليه أن حياتنا التى نعيش ليست دارًا للاستقرار وأن الموعد فى حياة أخرى لن تكون السعادة إلا فيها، وأن تعجيل الذهاب إليها هو عين العقل، فيزين له الانتحار باسم الاستشهاد، ويجره ووطنه وأسرته وأمته وجنسه للموت والخراب والدمار. أم يا ترى يكون الصواب فى الذهاب لآخَرَ يزعم أن الدين هو المشكلة أصلًا وأن ما يدور فى ذهنك من الأسئلة ليس إلا ضربًا من التخلف، وأنه يجب أن تلتفت إلى حياتك التى تعيشها بطولها وعرضها من دون نظر إلى وطن أو أسرة أو قيم، أو يوكله إلى نفسه ليجيب عن أسئلتها التى لم تكفل له تجربته فى الحياة خبرة كافية للإجابة عنها، فيجرح وقد تضخم فى نفسه وظن أنه يعيش وحده أو أنه «سوبر مان» زمانه، فلا يحتاج إلى مختص يجيبه عما فى نفسه لأن الدين فى النهاية ليس علمًا والفتوى ليست تخصصًا ولا تحتاج إلى أكثر من عواطف ووجدان، والنتيجة فى المعهود استيراد قيم وعادات وأفكار وشهوات، وفى كلتا الحالتين لا يكون إلا الشقاء. الرسالة التى نؤصل لها من وراء مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم والذى يحمل عنوان: «دور الفتوى فى استقرار المجتمعات» هو أن الدين سعادة فى الدارين الدنيا والآخرة، وأن سعادة الإنسان فى الدنيا والآخرة جزء من التدين الرشيد، وأن الفتوى هى إحدى الأدوات الأساسية التى يجب أن تسهم فى إسعاد الناس أجمعين، وبدلًا من أن تتوجه طاقات الشباب إلى الانتحار والموت يجب أن تتوجه إلى الحياة والإحياء، وإن هذا لهو الجهاد الحق والموت فى سبيله والحفاظ عليه هو الشهادة التى وعد أصحابها بالبقاء أحياءً عند ربهم يرزقون، فإذا كان شعار المتطرفين: الموت فى سبيل الله أعلى أمانينا، فإننا نأمل الحياة فى سبيل الله تزكية وعبادة وتعميرًا وذلك أعلى أمانينا، معتقدين أن التنمية والمشاركة الإنسانية جهاد، ليس كما يعتقد المتطرفون أن الجهاد قتال فقط، وأن الإفادة من التجارب الإسلامية والإنسانية فريضة وليس كما يعتقدون أن تبادل المعارف والتجارب بدع تؤدى بالإنسان إلى الضلالة. لقد عملنا جاهدين -آملين العونَ من الله تعالي- لنغطى فى مؤتمرنا جميع جوانب مشاركة الفتوى -كصناعة- فى الإسعاد والتنمية والسلام والاستقرار. ويكون من بين ما نسعى إلى تأصيله ووضع استراتيجية لتفعيله كيف يكون الافتاء أداة لتحقيق السلم المجتمعي، وكيف يسهم الإفتاء فى الاستقرار النفسى للفرد والمجتمع بالأخص عند الإجابة عن الأسئلة القلقة والمحيرة التى تسهم أسئلة الإلحاد بنصيب وافر فيها، كما يكون من بين الأسئلة الرئيسية: كيف أسهمت الفتاوى الشاذة سلبيا على الاسقرار النفسى والاجتماعى والاقتصادي، وكيف يسهم الإفتاء فى حفظ هوية الدول والأمم من الذوبان والانصهار؟ كيف تكون فتاوى الأسرة والمجتمع مدخلًا لسعادة الأسرة والمجتمع. ثم تتوسع البحوث لتغطية جانبه أوسع من إسعاد الناس، ونبدأ فى طرح سؤال العمران والتنمية، حيث تبدأ سلسلة أسئلة من نوعية: هل دعم التنمية والتعمير مقصد للمفتين وضابط لعملية الإفتاء، هل نستطيع نحن المعنيين بهذه الصناعة وضع استراتيجية للتنمية بالفتوى إن صح التعبير؟ وما الضوابط والقيم التى تنطلق منها هذه الاستراتيجية؟ الفتاوى الاقتصادية وضوابط التنمية، ثم تتوسع الأسئلة الأساسية لتتناول كيف تكون الفتوى داعمة ومساندة للقضايا الإنسانية المشتركة؟ وإذا كان التخريب والفوضى هما أكبر أسرار الشقاء فلا بد أن نغطى جانب الفتوى ودورها فى مواجهة الإفساد والتخريب ويكون من الأسئلة المتعلقة به: هل أسهمت فتاوى المتطرفين فى نشر الفوضي؟ كيف تكون المقاصد الشرعية سياجًا حافظًا من الفوضى والشقاء؟ وهل رعاية المقاصد الشرعية كفيل بمواجهة الفوضي؟ كيف تنتقل الفوضى والعنف من الإرهابيين إلى دعاة الإسلاموفوبيا والعكس؟ هذه الأسئلة وغيرها نطرحها لنناقشها راجين آملين أن نخرج بنتيجة تسهم فى الحياة والإحياء والسعادة والإسعاد: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل: 97]. لمزيد من مقالات د. ابراهيم نجم;