خالد أبو بكر: «الدولار في النازل» والعجلة بدأت تدور    جهود «التضامن» في سيناء.. أكثر من 3 مليارات جنيه مساعدات للأسر الأولى بالرعاية    ارتفاع أسعار النفط 1% بعد قراءة بيانات نمو الاقتصاد الأمريكي    البنتاجون: الولايات المتحدة بدأت بناء رصيف بحري في غزة    عودة الشحات وإمام عاشور.. قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    حمادة أنور ل«المصري اليوم»: «الزمالك قادر على تحقيق نتيجة إيجابية أمام دريمز»    تعرف على موعد سقوط الأمطار والسيول هذا الأسبوع.. هل يعود الشتاء؟    وصول سيد رجب ورانيا يوسف لحفل افتتاح مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    «السبكي»: جاهزون للمرحلة الثانية من التأمين الصحي.. وقدمنا 40 مليون خدمة بجودة عالمية    التنمية المحلية تزف بشرى سارة لأصحاب طلبات التصالح على مخالفات البناء    الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    «ترشيدًا للكهرباء».. خطاب من وزارة الشباب ل اتحاد الكرة بشأن مباريات الدوري الممتاز    موقف ثلاثي بايرن ميونخ من مواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    «القاهرة الإخبارية»: دخول 38 مصابا من غزة إلى معبر رفح لتلقي العلاج    رغم ضغوط الاتحاد الأوروبي.. اليونان لن ترسل أنظمة دفاع جوي إلى أوكرانيا    جمال شقرة: سيناء مستهدفة منذ 7 آلاف سنة وبوابة كل الغزوات عبر التاريخ    أحمد عبد الوهاب يستعرض كواليس دوره في مسلسل الحشاشين مع منى الشاذلى غداً    محمد الباز: لا أقبل بتوجيه الشتائم للصحفيين أثناء جنازات المشاهير    عبد العزيز مخيون عن صلاح السعدني بعد رحيله : «أخلاقه كانت نادرة الوجود»    دعاء قبل صلاة الفجر يوم الجمعة.. اغتنم ساعاته من بداية الليل    بيان مهم للقوات المسلحة المغربية بشأن مركب هجرة غير شرعية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    لماذا حذرت المديريات التعليمية والمدارس من حيازة المحمول أثناء الامتحانات؟    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    انخفضت 126 ألف جنيه.. سعر أرخص سيارة تقدمها رينو في مصر    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على مواقيت الصلاة غدًا في محافظات الجمهورية    هل الشمام يهيج القولون؟    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    العثور على جثة مسن طافية على مياه النيل في المنصورة    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    عامل يتهم 3 أطفال باستدراج نجله والاعتداء عليه جنسيا في الدقهلية    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    مدرب يد الزمالك يوجه رسائل تحفيزية للاعبين قبل مواجهة أمل سكيكدة الجزائري    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    وزير الرياضة يشهد انطلاق مهرجان أنسومينا للألعاب الإلكترونية    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    الرئيس السيسي: خضنا حربا شرسة ضد الإرهاب وكفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. إيقاف قيد الزمالك وبقاء تشافي مع برشلونة وحلم ليفربول يتبخر    الهلال الأحمر يوضح خطوات استقبال طائرات المساعدات لغزة - فيديو    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا فرَّط المصريون فى دورهم الثقافى ؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 09 - 2017

هناك حقيقة نتحدث عنها كثيرا, ولكننا لا نعترف بها وهى أن الثقافة غابت من حياة المصريين, والثقافة هنا لا تعنى الكتاب او الإعلام وما نشاهد فيه او البرامج التافهة التى تسطحت معها عقول أجيال كاملة ولكن الثقافة بمفهومها الأشمل تبدأ بالسلوك وتنتهى بلغة الحوار وما يبدعه المبدعون من اعمال ترتقى بالإنسان وترفع من شأنه .. لاشك أن الثقافة فى مصر تراجعت أمام أهتمامات كثيرة تحظى بها مجالات أخرى وأكبر دليل على ذلك ان الدور الثقافى المصرى خارج حدودها لم يعد على نفس الدرجة من الحضور والبريق لقد خبأ كثيرا فى السنوات الماضية والجميع يتساءل كيف حدث هذا للقاهرة صاحبة الدور والمسئولية ..
إننى ألاحظ فى السنوات الأخيرة أن الثقافة لم تعد من الموضوعات المطروحة بيننا وبين العالم الخارجى لقد غابت الوفود الثقافية وغابت المشاركة المصرية فى كثير من الأنشطة الثقافية حتى أن المثقفين أنفسهم أخذوا جانبا بعيدا عن الأحداث والمواقف أمام إحساس ثقيل بأنهم لم يعد مرغوبا فى ظهورهم أو تواجدهم .
إن جميع الوفود المصرية المسافرة أو الوفود الأجنبية الحاضرة لم يعد للثقافة مكان بينها حتى أن دولا كثيرة كانت تربطنا بها علاقات ثقافية بعيدة قد إختفت من خريطة الثقافة المصرية مثل ايطاليا واليونان وفرنسا واسبانيا وانجلترا وهذا الغياب يطرح تساؤلات كثيرة عن اسباب ذلك ..
إننا نقدر أن الظروف الاقتصادية فى مصر ومحاولات الخروج بها من عنق الزجاجة تضع الإقتصاد فى أولويات الدولة بكل مؤسساتها ولكن الثقافة المصرية كانت تتمتع برصيد كبير فى الأسواق العالمية ابتداء بفنون تفوقنا فيها مثل السينما والغناء والفن التشكيلى .. ان غياب مصر ترك فراغا كبيرا فى المنطقة العربية فمازالت تبحث وتسأل اين دور مصر الثقافى؟ ..
إن الدولة الآن تضع اولويات لمشروعات الخدمات كالطرق والمساكن والمجارى والغذاء, وهذه المجالات تستهلك معظم الموارد فى الميزانية ولكن هذا لايعنى أبدا إهمال الاستثمار الثقافى فى بناء العقول وترويج الفن الجميل وتوفير مناخ إبداعى يشجع على العمل والإنتاج والتنمية .
لابد أن تكون لدينا الشجاعة أن نعترف أن مصر الدولة أهملت ثقافتها سنوات طويلة وان المصريين الشعب قد أهملوا اهم جوانب تميزهم وتفردهم بين الشعوب وهى الثقافة بكل جوانب الإبداع فيها .. فى يوم من الأيام كان التواجد الثقافى المصرى يشع فى كل مكان يظهر فيه, ولهذا اكتسبت الثقافة المصرية دورها ومسئوليتها ولكننا الآن لا نجد اصداء لما تشهده مصر خارج حدودها من الأنشطة الثقافية وهى فقيرة ومحدودة القيمة والأثر.
إننا لا نختلف على أهمية الجوانب الاقتصادية والاستثمار الإقتصادى ومشروعات الخدمات لأنها أشياء ضرورية ولكن اهمال الثقافة يعنى إهمال العقل وفى النهاية فإن العقل هو الثروة الحقيقية للشعوب مهما تعددت مواردها .
إن الميزانية التى تضعها الحكومة كل عام للثقافة بكل فروعها لا تتجاوز بضع ملايين من الجنيهات وقد أدى ذلك الى توقف أنشطة ثقافية كثيرة فى قصور الثقافة والهيئات الثقافية المختلفة حتى أن الدولة لا تستطيع انتاج اكثر من فيلم أو مسرحية واحدة على المستوى الفنى والإبداعى الذى يليق بالثقافة المصرية .. إن رواتب الموظفين وهم بالالاف فى قطاعات الثقافة تستهلك كل الأموال المخصصة للثقافة المصرية فى مؤسسات الدولة وإذا ظهرت أعمال فنية فهى متواضعة فى كل شئ شكلا ومضمونا..
على الجانب الآخر فقد غابت الأنشطة الثقافية فى الخارج ولا توجد إلا بعض المشاركات لعروض فنية فى بعض العواصم العربية وهنا لابد أن نطالب بإنتاج سينمائى ومسرحى وغنائى يعيد للثقافة المصرية حضورها القديم.
قلت إن الثقافة المصرية تراجعت فى الداخل والخارج أمام العجز المالى والفقر الشديد فى المواهب وغياب الدولة فى زحمة إهتماماتها بمجالات أخرى اهملت فيها الثقافة والمثقفين .
إذا لم يكن الكتاب وحده هو الثقافة فإن ثقافة الإنسان تتعدد مصادرها وتظهر فى سلوكيات الناس وحياتهم ومشاكلهم ..
إن الثقافة تظهر فى لغة الحوار ولغة الشارع وحين ينحدر مستوى الحوار بين أبناء الشعب الواحد وتخترق كلمات هابطة ما يجرى بينهم فإن هذا يمثل تراجعا ثقافيا, وعلينا أن ننظر الى لغة الحوار فى السينما المصرية ومايدور الآن من حوارات هابطة بين الممثلين .. إن تراجع لغة الحوار سواء فى الحوارات العادية أو فى الأعمال الفنية, يؤكد أن ثقافة مصر لم تعد كما كانت, وأن لغتها التى كانت جميلة قد سقطت فى مستنقع الركاكة والابتزال.
إن تراجع مستوى الأخلاق فى معاملات الشارع المصرى يؤكد وجود خلل ثقافى وما نشهده الآن من واقع الأخلاق فى حياة المصريين والذى يبدأ بالكلام وينتهى بالجرائم يعكس غيابا حقيقيا للثقافة فى حياة الناس .. إن ما تنشره الصحف ووسائل الإعلام من فضائح أخلاقية وتجاوزات سلوكية يجعلنا نتساءل وأين اخلاق المصريين واين ترفعهم وثقافتهم التى عاشوا عليها مئات السنين؟ .. إن تراجع مستوى الأخلاق يعنى هبوط المستوى الثقافى والفكرى للبشر ومصر لم تكن يوما بهذه الحالة من الانفلات الأخلاقى والسلوكى ولو رجعنا للثقافة فهى تعنى ذلك كله .. نحن أمام فوضى فى السلوك وأمام فوضى فى لغة الحوار وأمام فوضى فى الفتاوى وامام تراجع رهيب فى منظومة القيم .. لم يعد هناك كبير يحسم الخلافات بين الآراء المتصارعة, ولم يعد هناك ضمير عادل يضع الأشياء فى نصابها, ومنذ سيطرت الفوضى على سلوكيات الشارع المصرى غاب صوت الثقافة والحكمة والموضوعية.
لاشك أن ذلك كله إنعكس على منظومة العلاقات بين أبناء الوطن الواحد إبتداء بالأسرة وانتهاء بالفرق المتناحرة .. إن هذه الانقسامات كانت وراء فساد لغة الحوار ولغة الشارع وما يتلقاه المواطن فى المسلسلات والأفلام والأغانى, ومع فضائح اليوتيوب والفيس بوك والنت خرج علينا مستنقع كبير من التخلف والجهل وكان التطرف هو الثمار المرة التى جنيناها من سطحية الفكر وإنحطاط اللغة وغياب قيمة العقل فى حياتنا
نحن أمام ثقافة تراجع دورها وتخلت عن مسئوليتها وقد ترتبت على ذلك آثار ضارة فى كل شئ وليس أمامنا غير أن نعود بهذه الثقافة إلى جذورها حتى تتخلص من كل ما لحق بها من العلل والأمراض .
سوف تبقى الأسرة المصرية حصنا امينا من حصون الأخلاق والترفع ومنذ فرط الأب فى دوره وفرطت الأم فى تربيتها للأبناء فقدت الأخلاق المصرية ركنا من أركانها.
سوف تبقى المدرسة التى أهملناها زمنا طويلا حين نسيت تحية العلم والنشيد الوطنى ومعنى الانتماء الحقيقى وتحولت الى ساحات للعبث فى كل شئ فلا هى علمت الأطفال ولا هى كانت امينة على اخلاق اجيال متعددة غرقت فى الفوضى وغياب المسئولية ..
سوف يبقى دور المسجد والكنيسة لأن الأديان جميعها كانت دعوة أخلاقية من أجل إنسان أكثر ترفعا, ولهذا يجب أن يكون حب المصريين لدينهم سبيلا لبناء عقل افضل وضمير اكثر نقاء .
فى عصرنا الحديث لا يعلو صوت على صوت الإعلام بكل وسائله هو الآن صاحب القرار الأعلى وهو الذى يحكم سلوكيات الناس فى الشارع, وهو إن أراد تحول الى وسائل بناء لا تجارى وإذا رغب فهو أكثر الوسائل هدما ودمارا فى الحوار الهابط ولغة الإسفاف والإبتزال .. انه منجم ثقافى إذا أخلص, والغام فوضى إذا أراد وحين يدرك إعلامنا مسئوليته الثقافية الحقيقية فسوف يغير من اساليبه الفجة ومعالجاته المدمرة.
أقول .. إذا كانت العهود السابقة قد فرطت فى دور مصر الثقافى وتركت لنا قلاع الإرهاب والتخلف والفوضى, فإن الحل بأيدينا أن يعود للثقافة ضميرها, وأن يرجع المثقفون إلى مسئولياتهم بين ابناء الشعب, وأن نحيى منظومة القيم التى عشنا عليها زمنا طويلا لأن الثقافة اخلاق وترفع وضمائر.
حين تراجعت الثقافة فى حياتنا كان التطرف هو البديل وحين فسدت لغة الحوار كان العنف هو الحل, وفى كل الحالات حين أهملنا عقل الشعب كان الإرهاب هو نهاية المطاف .
حين غابت الثقافة غاب الدور وإنطفأ الإشعاع وتراجعت الريادة
حين غابت الثقافة إنتشرت السطحية وساءت لغة الشعب فى حواراته وفضائياته ورموزه وفكره.
حين غابت الثقافة إنسحب الكبار أو رحلوا وبقى فى الحديقة أسوأ انواع المتسلقات والحشائش.
حين غابت الثقافة إنطفأت اضواء الفكر والإبداع والقيمة ..
حين غابت الثقافة حاصرتنا حشود الإرهاب بالقتل والموت والدمار لأن الظلام لا يترك خلفه إلا الخفافيش.
حين غابت الثقافة خبا صوت العصافير وغنى المصريون للحمير
حين غابت الثقافة تغير لون ماء النيل واصبح شاحبا وحزينا.
أعيدوا لمصر ثقافتها وبريقها ورموزها ودورها لأن الثقافة هى روح الأوطان واقدار الشعوب والأمم .
منذ فرطنا فى ثقافتنا دورا وابداعا وسلوكا وقيما سقطت اجمل الأشياء فينا, وأصبحنا وطنا عاديا مثل كل الأوطان لأن الثقافة كانت وستبقى تاج مصر الحقيقى .. اعيدوا لمصر ثقافتها .
..ويبقى الشعر
مَاذا أخذتَ مِنَ السَّفَرْ..
كُلُّ البلادِ تَشَابَهَتْ فى القهْر..
فى الحِرْمان ِ .. فى قَتْل البَشَرْ..
كُلُّ العيُون تشَابَهتْ فى الزَّيفِ.
فى الأحزان ِ.. فىَ رَجْم القَمَرْ
كل الوُجوهِ تَشابَهتْ فى الخوْفِ
فى الترحَال .. فى دَفْن الزَّهَرْ
صَوْتُ الجَمَاجِم فى سُجُون اللَّيل
والجَلادُ يَعْصِفُ كالقَدَر ..
دَمُ الضَّحَايَا فَوقَ أرْصِفَةِ الشَّوارع
فى البُيوتِ .. وفى تجاعيدِ الصَّورْ ..
مَاذا أخَذتَ منَ السَّفَر ؟
مَازلتَ تَحلُمُ باللُّيالى البيض
والدِّفْء المعَطّر والسَّهَرْ
تَشْتَاقُ أيامَ الصَّبابَةِ
ضَاعَ عَهْدُ العِشْق وانْتَحَر الوَتَرْ
مَازلتَ عُصفُورًا كسِير القَلْبِ
يشدُو فَوْقَ أشْلاءِ الشَّجَرْ
جَفَّ الرَّبيعُ ..
خَزائِنُ الأنَهار خَاصَمَها المَطَرْ
والفَارسُ المِقْدامُ فى صَمت
تراجَعَ .. وانتحَرْ ..
مَاذا أخَذْتَ مِنَ السّفَر ؟
كُلُّ القصَائِدِ فى العُيُون السُّودِ
آخرُهَا السَّفَر ..
كلُّ الحَكايَا بَعْدَ مَوْتِ الفَجْر
آخرُها السَّفَر ..
أطْلالُ حُلمِكَ تَحْتَ أقدام السِّنِين..
وَفى شُقُوق ِ العُمْر.
آخُرها السَّفَر ..
هَذِى الدُّمُوعُ وإنْ غَدَت
فى الأفق ِ أمطَارًا وزَهْرًا
كانَ آخَرُهَا السَّفَر
كُلُّ الأجِنَّةِ فى ضَمِير الحُلْم
ماتَتْ قَبْلَ أن تَأتِى
وَكُلُّ رُفَاتِ أحْلامِى سَفَر ..
بالرَّغْم مِنْ هَذا تَحنُّ إلى السَّفَر؟!
مَاذا أخذْتَ مِنَ السَّفَر؟
حَاولتَ يومًا أن تَشُقَّ النَّهْر
خَانَتْكَ الإرَادَهْ
حَاوَلتَ أنْ تَبنِى قُصورَ الحُلْم
فى زَمن ِ البَلادَهْ
النبضُ فى الأعْمَاق يَسقُط ُ كالشُّموس الغَاربهْ
والعُمْر فى بَحْر الضَّياع الآنَ ألقَى رأسَه
فَوقَ الأمَانِى الشَّاحِبهْ ..
شَاهَدْتَ أدْوارَ البَراءةِ والنذالةِ والكَذِبْ
قَامْرتَ بالأيام فى «سِيْركٍ» رَخيص ٍ للَّعِبْ .
والآنَ جئْتَ تُقيمُ وَسْط َ الحَانَةِ السَّودَاءِ..كَعْبَهْ
هَذا زَمانٌ تُخْلَعُ الأثوابُ فِيهِ..
وكلُّ أقدار الشُّعوبِ عَلى الَموائِدِ بَعض لُعْبهْ .
هَذا زَمانٌ كالحِذاء ..
تَراهُ فى قَدَم المقَامِر والمزَيِّفِ والسَّفِيهْ ..
هَذا زَمَانٌ يُدْفَنُ الإنسَانُ فِى أشْلائِه حيّا
ويُقْتلُ .. لَيْسَ يَعرفُ قَاتِليهْ..
هَذا زَمانٌ يَخْنُقُ الأقمَارَ ..
يَغْتَالُ الشُّمُوسَ
يَغُوصُ .. فى دَمِّ الضَّحَايَا ..
هَذا زَمَانٌ يَقْطَعُ الأشْجَارَ
يَمْتَهنُ البرَاءَة َ
يَسْتَبيحُ الفَجْرَ .. يَسْتَرضى البَغَايَا
هَذا زَمَانٌ يَصلُبُ الطُّهْر الَبرىءَ ..
يُقيمُ عِيدًا .. للْخَطَايَا ..
هَذا زَمَانُ الموْتِ ..
كَيْفَ تُقِيمُ فوقَ القَبْر
عُرسًا للصَّبايَا ؟!
عُلبُ القمَامَة زينُوهَا
رُبَّمَا تبْدو أمَامَ النَّاس .. بُسْتَانًا نَديّا
بَينَ القمَامَة لنْ ترَى .. ثوْبًا نَقِيّا
فالأرْضُ حَوْلكَ .. ضَاجَعَتْ كلَّ الخطايَا
كيْفَ تحْلم أنْ تَرى فيهَا .. نَبيّا
كُلُّ الحَكايَا .. كانَ آخرُهَا السَّفَر
وَأنا .. تَعِبْت مِنَ السَّفَر ..

قصيدة ماذا أخذت من السفر سنة 1989
[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها: فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.