أن موضوع الحراك الاجتماعى، والخريطة الطبقية فى مصر عام 2017، من أهم الموضوعات التى تحتاج إلى دراسة علمية موضوعية ومحترمة، وتحتاج إلى عمل جماعى يضم أساتذة السياسة والاقتصاد والاجتماع وعلم النفس.، فريق يناقش الموضوع من كافة ابعاده 0 ففى هذه اللحظة الزمنية - وبعد مرور سبع سنوات على أحداث يناير 2011 - توالت الأحداث السياسية والاقتصادية بشكل متسارع، إلى جانب تصاعد المخاطر الاجتماعية ، وحدوث متغيرات مجتمعية وقيمية عميقة ، ودون إغفال الارتفاعات المتوالية فى أسعار كل السلع والخدمات منذ نوفمبر 2016. كل ذلك وغيره قد ارتبط بارتفاع نسبة التضخم بشكل غير مسبوق ، وتزايد نسبة الفقراء ، الى جانب ما هو متعارف عليه عن سقوط فئات دنيا من الطبقة المتوسطة إلى مساحة الفقر ً وبهذا الخصوص ثار النقاش - وأحيانا دون ضوابط علمية - للتدليل على انكماش الطبقة المتوسطة واتساع مساحة الفقر ، وما يحمله ذلك من انعكاسات سياسية واقتصادية واجتماعية ، تؤثر سلبيا على الاستقرار المجتمعي، وثار أيضا النقاش عن تضخم الثروات لدى الفئات العليا، وملامح جديدة اكتسبها هؤلاء، من امتلاك الثروة والنفوذ والتحكم الكامل فى شبكات سياسية واجتماعية. الأهم فى هذا الحراك للفئة العليا ، كان صعوبة تحديد وتتبع مصادر ثرواتهم (مشروعة أو غير مشروعة) ومن ثم صعوبة التحقق من توافر أركان الحراك الاجتماعى 000 إن الحراك الاجتماعى ببساطة شديدة، هو عملية انتقال الأفراد والأسر( وجماعات اجتماعية اخرى ) من طبقة اجتماعية إلى أخرى، وذلك استنادا على عدة مكونات أبرزها - وأسهلها - المكون الاقتصادى، وطبيعة المهنة وتيسيرها للحراك ، وكذلك التعليم والدخل0000 إذن نحن أمام أبعاد مادية واُخرى اجتماعية ، إلى جانب ابعاد رمزية ونفسية شديدة الأهمية فى الحالة المصرية ، وعلى وجه الخصوص حين نطرح الزحف السكانى فى اتجاه الغرب فى الساحل الشمالى والذى يثير إلى حد كبير النزوع غير الراشد، لامتلاك رموز طبقية، قد تعبر عن الاستعلاء والتفاخر الطبقى0 فئات كثيرة، تنتقل من مكان إلى آخر كل بضع سنوات ، وتدفع ملايين (من الجنيهات أو الدولارات الأمريكية) بكل سهولة لاقتناء فيلا أو شاليه - تستمتع بها أياما او شهرا او اثنين - لتبتعد عن سكنها السابق فى الساحل الشمالى أيضا - لأنها أصبحت شعبية، وهذا ما ذكره البعض عن مارينا مثلا 0 تبدو موجات النزوح هذه، أو ما أسميه هجرات الساحل الشمالى ، متكررة جدا ، وكأنها موجات من الموضة، أو البحث عن مزيد من التميز، او الافتخار بإضافة رمز طبقى جديد0 قد يكون استثمارا فى عقارات او قد يكون غسيل أموال ، او قد يكون متعة لإشباع غريزة الرغبة فى الإنفاق . تفسيرات كثيرة ومتنوعة، وليس سببا واحدا، لكنه يعكس حالة ثراء فاحش ، ولهث وراء القرى السياحية والمنتجعات الجديدة إلى مرسى مطروح ، وما بعدها، خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار أمرين. أولهما ان الغالبية لا تبيع ممتلكاتهم السابقة فى الساحل الشمالى والدليل أن نسبة الاشغال لا تزيد فى أغلب القرى السياحية على 30./. من الملاك. ثانيهما أن عملية تسويق الفيلات والشاليهات فى القرى الجديدة بالساحل الشمالى، تستهدف نفس الفئات أو تتوسع قليلا وأنا أنقل هنا حديثا دار بينى وبين أحد أقربائى مسئول عن التسويق فى شركة عربية للعقارات، ولا يجد صعوبات او معوقات.. وهو يقول نحن نفهم جيدا الفئة المستهدفة، ونقدم لها كل ما هو اضافة وجديد. إن استثمار المليارات على طول الساحل الشمالي، والتمتع بالمكان على مدى شهرين او ثلاثة على الأكثر، فى حاجة إلى حالة إعمار شامل للمنطقة وبنية أساسية متكاملة ، ومشروعات اخرى ، تضاعف الجدوى الاقتصادية وتدفع لحالة تنموية ، كما هو الحال فى تونس وفى المغرب مثلا, وعلى اى الأحوال فان كنّا نناقش بشكل رئيسى الحراك الاجتماعى والطبقى فى مصر ، فإن الهجرات او النزوح من مكان الى آخر فى الساحل الشمالي، يؤكد أهمية الدراسة المتعمقة للموضوع ، فقد يذهب البعض و أنا منهم ، الى القول بأن توافر ركن واحد فقط من أركان الحراك - وهو المال او الثروة - قد لا يعنى أننا ازاء حراك اجتماعى ، وذلك حين يغيب ركن التعليم والثقافة وركن النشاط الاقتصادى ، المنتج والمعلوم مصادره. نحن إزاء حالة من تراكم الثروة، أى رُكن واحد لسمات الحراك الاجتماعى، ومن ثم فإن وزن التعليم كأحد أركان الحراك الاجتماعى، قد اختفى الى درجة كبيرة ، ومعه الموقع الوظيفى ، أو التدرج المهنى ، وهؤلاء على الأكثر هم فى الطبقة الوسطى ( المطحونة ). وقد يختلف الأمر بالنسبة لهم إذا كنّا نتحدث مثلا عن الانتقال من منطقة لأخرى ، داخل القاهرة . من ذلك ظاهرة الانتقال الى التجمع الخامس، وبالرغم مما أثير حولها- خاصة ما يعرف بالكومبوند - بأنها الجيتو الجديد ذو الأسوار العالية ، لسكن الأغنياء الجدد وانعزالهم عن مجتمع الفقراء ، فإن هذا القول غير صحيح على إطلاقه ، فهناك كثير من فئات الطبقة المتوسطة ، لم ينشدوا التميز الطبقى، وإنما بحثوا عن الأمان والهدوء والنظام والمساحة الخضراء، فرحلوا الى أحد هذه ًالكومبوندات. بعبارة أخرى نوعية حياة أفضل ، حتى وإن كلفتهم معظم مدخراتهم ، وأنا ضمن هذه الفئات، ولم يكن الرمز الطبقى او الصيت أو تراكم الثروة ، له اى اعتبار فى تحقيق هذه النقلة ، وأعتقد ان الغالبية من جيرانى - سكان هذا الكومبوند - من اصحاب المهن المتميزة فى الطب والهندسة واساتذة الجامعات ، وفى البنوك ، والقلة من رجال الاعمال. إذن ما يجمع بيننا يتمثل فى احترام خصوصية كل منا واحترام القواعد القانونية المتفق حولها ، خاصة أعمال الصيانة وملكية جراج للسيارة ( بدلا من المشكلات والاختلافات بين سكان العمارة الواحدة ) والحفاظ على نظافة وجمال الحديقة 0 صحيح هناك آخرون شيدوا الفيلات والقصور، ويمتلكون أسطول سيارات ، وفريقا من الحراس، لكن الصحيح أيضا أن المنطقة - أى التجمع الخامس - تضم شرائح متميزة من الطبقة المتوسطة ، وهو حراك اجتماعى أركانه واضحة : التعليم والمهنة والدخل. إن الحراك السكنى من منطقة لأخرى داخل القاهرة ، يمكن أن نصل لتفسيره ، حتى وإن كان جزءا من حراك اجتماعى مشروع ، وحتى إن كان بعض أصحاب الثروات يمتلكون ما يصعب تصوره من قصور ، ولا نعلم من هم او مصادر ثرواتهم او انتماءاتهم الاجتماعية والاقتصادية ، أما ما يحتاج الى دراسة وتفسير فهو هجرات الساحل الشمالى فى اتجاه الغرب ، والانجذاب الى كل ماهو جديد ويرتفع سعره . شركات عقارية تتنافس وتنفق مليارات ، تسترجعها أضعافا ، وتضمن التسويق ، وتبيع لنفس الفئات أو أوسع قليلا . ترى كيف نفسر هذه الظاهرة ؟ وهل تعبر عن حراك اجتماعى طبقى؟ لمزيد من مقالات د. امانى قنديل;