ما يحدث من تحولات فى عالم التعليم ما قبل الجامعى يستحق من المصريين وقفة جادة، حتى تتحول إلى مشاركة ودعم. صحيح أن وزير التعليم الحالى د.طارق شوقى طرح رؤية جديدة، وفى حالة تمكينه من تنفيذها ستشكل نقطة ضوء مبهرة، وتحولا كبيرا فى مسار العملية التعليمية التى بدأتها مصر بطموح يفوق إمكاناتها فى السنوات الماضية. ولكننا لا نغفل، رغم الشكوى من التعليم، أن لدينا أجيالا متعاقبة، كانت قادرة، ولسنوات عديدة، على أن تكون أكبر ممول لخزينة الدولة من العملات الأجنبية من خلال مدخرات المصريين العاملين بالخارج. ولكن التعليم بوضعه الراهن، أصبح يحتاج، فى عصر العولمة، وتوفير السلع، والخدمات فائقة الجودة، وفى عصر القدرات التنافسية المتغيرة كل ساعة، أقول يحتاج إلى تغيير شامل، فلسنا فى حاجة إلى خريجين نمطيين، يجيدون القراءة والكتابة، أو إلى موظفين، بقدر حاجتنا إلى منتجين، ومبدعين، وعقول قادرة على استيعاب ثورة التكنولوجيا، وانقلاباتها المذهلة، كما أننا يجب ألا نتغنى بمستويات التعليم المصرى منذ الستينيات حتى الآن، فلم يكن لدينا النموذج الأفضل، وإلا كنا الدولة الأفضل، خاصة فى مجالى التميز فى الإنتاج السلعى والخدمى والتكنولوجي!! لكن الخوف من التغيير أحد أمراض المجتمع المصرى المزمنة والعميقة، فهو مجتمع يتمسك بما يعرفه، وهذا الجمود والخوف من التغيير من أكثر الأخطار على مستقبل الوطن، وقواه الحية المتعلمة. وما دفعنى إلى كتابة هذا المقال هو تشجيع وزير التعليم على المضى فى تغيير أنماط التعليم ما قبل الجامعي، وعليه ألا يخشى أصحاب الأيديولوجيات الذين لا يتغيرون، ولا يعرفون أن لكل منتج عناصر تكلفة، يجب أن تدفع، سواء من الدولة أو من أصحابها! وعلى الوزير أن يدرك أنه دخل، بإرادته ووعيه، أكبر عش دبابير، إضافة إلى مخاوف الأسر المصرية، فليس هناك بيت بلا طلاب يبحثون عن التعليم، حتى المجتمع نفسه يبحث عن التربية والتعليم. وهو الوزير المسئول عن توفير أكبر خدمة تساعد البلاد على التطور والنمو، وإذا كنا نطلب من وزارته أن تكون مدارسها مصانع للأجيال المقبلة، فإن عليها أن تتخلص من عدم القدرة على استمرار وتراكم التعليم،ونطالبها بأن تكون قادرة على الالتحام مع صعوبات الحياة، ونحن نريد من الوزير أيضا خريجين وطلابا ينتمون للوطن، وقادرين على هزيمة الأفكار المتطرفة. فقد أصبحنا لا نتحمل يوما واحدا دون هذا التغيير، على أن نفتح مدارسنا لكل التيارات الفكرية والتعليمية، حتى تكون منارات للتنافس، بحثا عن التفوق، وإبراز إمكاناتها التعليمية، من خلال التنافس مع المدارس المختلفة فى الإقليم، إن لم يكن فى العالم. وهنا يجب أن تعود الشخصية المتميزة لكل مدرسة، كما كنا نعرف فى الماضي، ونتذكر أن مدارس الخديو إسماعيل والخديوية والسنية والإبراهيمية والأقباط الكبرى كانت هى الأفضل. ونريد الآن أن تكون فى كل مدينة وقرية، مدارس تتميز بالعلم والرياضة والفن، ولا نريد المدارس النمطية المتشابهة. على أن تتنافس هذه المدارس فى اختيار مدرسيها الأكفاء والقادرين على إكسابها السمعة والمهارة، وعلى أن تكون لكل مدرسة ميزانية يشترك فى تمويلها أولياء الأمور، وتساعد على تقديم خدمة تعليمية مختلفة، حسب رغبات الطلاب وأولياء الأمور. نعود من الأحلام إلى الواقع. ونقدم تحية لوزير التعليم الذيت يعمل على قهر المخاوف من نظام الثانوية العامة، فهو نظام عقيم أدى إلى ظهور الدروس الخصوصية، وتركيز الطلاب على تحصيل الدرجات بدلا من تحصيل العلوم. وعندما يمول المصريون دروسا خصوصية بأكثر من 20 إلى 30 مليار جنيه، فهذا لا يعنى أنهم يخطئون، لكنهم يبحثون عن التعليم والتفوق لأبنائهم، وهذا حقهم، وإنما الخطأ هنا هو السياسة التعليمية، وعدم توفير الخدمة المناسبة لهم عبر المدرسة والمدرس. والنظام الجديد، أو شهادة مصر، كما سماها الوزير محاولة جادة لتكون لنا شهادة معبرة عن قدرة الطالب على الفهم والتحصيل، وليس على كيفية حل الامتحانات للحصول على أعلى الدرجات. ويجب هنا أن تعود قيمة المدرسة، وتعود مكانة المعلم، بالتأهيل والتدريب المستمر، على أن تمكنه الوزارة من الحصول على حقوقه قبل محاسبته أو اتهامه!! كما أننى لا أعرف هل كان إلغاء امتحان الشهادة الابتدائية صحيحا تربويا وتعليميا أم لا؟ وهذا سؤال مهم قبل التغيير!. قرأت برنامج الوزير بدقة، وأدعوه إلى أن يسير فى التغيير، وفك المركزية المقيتة، وعليه ألا يركز السلطات والأنماط فى التعليم بالقاهرة، فما تحتاجه محافظة نائية، لا تحتاجه كل المحافظات، فالأنماط والسلوك متغيرة، والطلاب مختلفون فى الاحتياجات ومستوى المعيشة. ورغم أن التعليم سياسة مجتمع، يعمل على تحقيق الأهداف، والتوحيد بين الناس، فإنه فى نفس الوقت خدمة ذات طبيعة خاصة، تختلف أنماطها من منطقة إلى أخري. صحيح أن نهاية عصر الكتاب الورقى بتكلفته العالية حتمية، وصحيح أن الدخول إلى عصر المعلوماتية والإنترنت، والتابلت لكل تلميذ عملية تعليمية ضرورية، ولكنها تختلف من محافظة إلى أخري، ولذلك فإن تحقيقها يحتاج إلى خريطة طريق وبرنامج متدرج، وليس قرارا مركزيا للجميع فى وقت واحد، فتقع الوزارة فى الارتباك، وتفشل فى التغيير الذى نريد له النجاح. وحتى ينجح التغيير على الوزارة تأهيل المدرسين والإدارة التعليمية، ثم تترك لهم حرية الحركة، وتطوير العملية التعليمية، لأن الاختلافات والاجتهادات والابتكارات للمديرين والمدرسين، وإعادة الاعتبار للمكانة والمنافسة بين المدارس المصرية (52ألف مدرسة) ستخلق نهضة تعليمية. وننوه إلى ضرورة التعاون بين وزارتى التعليم ما قبل الجامعى والجامعي، على أن تضع الجامعات المختلفة مواصفات علمية للطلاب الملتحقين بها، وياحبذا لو بدأت الجامعات المصرية بتصميم امتحانات للقبول حتى تنتهى فكرة مكتب التنسيق وتوزيع الطلاب طبقا للدرجات. وذلك حتى ننجح فى خلق نمط تعليم مصرى متميز يتناسب مع العصر، يقدم لنا الخريج القادر على المنافسة فى عالم مختلف، فالتعليم لم يعد نهاية مطاف، ولكنه بداية مسار وأسلوب حياة وطريقة تفكير، وإذا وضعنا أيدينا على هذه الأساليب، فستكون فكرة وزير التعليم طارق شوقى قد نجحت، وأحدثت علامة فى مسار التعليم، وبناء الدولة على أسس لا تهتز، وأنقذنا الأجيال المقبلة، ووضعنا لبنة قوية فى استقرار الوطن وطريقة نموه ومستقبله. وفى الختام أقدم تهنئتى لأبنائنا الطلاب وأسرهم، والمدرسين، وأهل التعليم بحلول العام الدراسى الجديد،، متمنيا لهم روحا جديدة ومستقبلا مختلفا .. كل سنة وأنتم طيبون، وعام دراسى مزدهر بإذن الله. لمزيد من مقالات أسامه سرايا;