وستبقى الغربة أينما ووقتما كانت، رحلة طويلة تتسم بالقسوة، ولكن على قدر قسوتها، هى تجربة إنسانية تتيح لصاحبها إكتشاف العالم بسبل مختلفة ، ولكنها ورغم مكاسبها فإن خسائرها فى النهاية ربما تكون فادحة ، ووقتها لم يعد أمام من بدأها إلا أن يقول لقد " طال الطريق" ! بهذه البداية المليئة بالمشاعر الانسانية، رسم الإعلامى أحمد الحديدى فى كتابه الجديد " طال الطريق" لوحة ثرية من حياة إعلامى مغترب، ترك وطنه مضطراً مثل الكثيرين فى محاولة للتطلع الى عائد مادى ومهنى أكبر، فيكتشف أن الغربة أشد قسوة،ورُبما أكثرمرارة مما تخيل لكنها فى النهاية وبين صفحات أيامها تعكس واقعاً لاهروب منه نجد أنفسنا فيه تلك النماذج البشرية التى قد تتغير الى النقيض . ففى الغربة هؤلاء هم المتحولون الذين يتبدلون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبينهم هذا المتأمرك الذى كان ملتزماً دينياً ، ومع أول زيارة للولايات المتحدة لم يجد فيها إلا مظاهر الخروج عن هذا الإلتزام، أما عاشق المنصب فهو يمتلك أدوات هذا حتى لو على حساب زملائه ! ووسط هذه العتمة والقيم السلبية تأتى "طاقة نور" لهذا المبدع الذى يقدم القيم الجادة، والثقافة الواعية التى تسعى للعمل داخل العقول قبل البطون، وهو من رفض أن يستمع إلى كلمات زوجته، بالبحث عن الدراهم قبل الهدف و"المصارى" قبل الوعى ، لكنه يجد من يتبنى هذا العقل، وسط هذاالزحام ويوليه إدارة قناة تحقق ماأراد . وفى كتابه " طال الطريق" يطرح أحمد الحديدى قضية إغتراب الأطفال عن وطنهم، حتى وهم بين أفراد أسرتهم فتتحول لغتهم الى الإنجليزية، ورُبما تضيع العربية مع تربية الخادمات الأجنبيات لهم وهى قضية خطيرة يطرحها الكتاب بقوة . وتبقى العلاقات داخل الأسرة الواحدة التى تفرزها رحلة الغربة التى ربما تتباين فيها حتى المشاعر من بداية الرحلة حتى نهايتها، لكنه لم يغفل عن هذه النماذج الايجابية التى تحقق لأبناء الأسرة الواحدة كيف يكون هناك عملاً جماعياً يوحدهم على الهدف ! وبلغة سهلة وقريبة يتحدث الحديدى عن تلك النماذج التى كانت تملك الأموال، وفى أيام قليلة باتت بدون هذا المال، رغم الشهرة، وكثرة حاملى بواخر النفاق حولهم ، مؤكداً على أن الحقيقة الدامغة التى شهد عليها كاتب " طال الطريق" فى تجربته أن الكثير ممن حمل لواء الأموال لم يجن من وراءها إلا الحسرة والندم! ويتنهى الحديدى فى كتابه الى تعريف قاس ومثير للجدل والنقاش للمغتربين بأنهم مجموعة من الاشخاص الذين تركوا اوطانهم هربا من شظف العيش وقسوة الحياة يعملون ليل نهاركالآلات المبرمجة من أجل حفنة دولارات يرسلونها الى أهلهم نهاية الشهر او تجميع مبلغ مالى لبناء منزل او شراء سيارة أو زواج الأولاد وبعد فترة يكتشفون أنهم مجموعة من "العبيد" التى لاتستطيع الخلاص من "السادة" إلا بضريبة غالية هى الصحة والعمر، وبعد أن يعودوا الى أوطانهم يكتشفون أنهم مجموعة من الغرباء فى أوطانهم،ولايعرفهم أحد! هذا هو الوصف الموجع كما يراه كتاب "طال الطريق" لأبناء الغربة .. فهل هو على حق أم أنها كلمات لغريب مازال يبعد عن وطنه مُضطراً من أجل شظف العيش ! لمزيد من مقالات حسين الزناتى;