طوال أكثر من قرن من الزمان، لا تمثل المهرجانات السينمائية الكبري ساحة عرض فقط لأهم إبداعات فن الفيلم في العالم، لكنها أصبحت دائما مرآة ضخمة تعكس استراتيجيات الغرب في القضايا المراد طرحها ووجهات النظر التي تريد تأكيدها. مهرجان تورنتو بكندا ربما أصبح منذ نحو عشر سنوات أهم مهرجان سينمائي بأمريكا الشمالية متفوقا علي مهرجانات امريكية كبري مثل صاندانص وترايبيكا، بل ومن أهم خمسة مهرجانات بالكون مع الثلاثي كان وفينيسيا وبرلين. و قد كان لي الحظ أن حضرت المهرجان منذ عامين واكتشف مدي عظمته وأهميته كملتق سينمائي فريد يعرض اكثر من 300 فيلم ربعها علي الأقل أفلام مهمة وجديرة بالمشاهدة. يكفي أن نتذكر أن دورة العام الماضي من تورونتو خطيت بالعرض العالمي الاول لأفلام مثل مون لايت ولالالاند و «الوصول» وكلهم حصلوا علي جوائز الأوسكار في فروعها المختلفة. هذا العام حفل بالعديد من الجواهر التي اجمع علي تفردها أهم نقاد العالم، علي رأسها «تونيا» وهو من نوعية موك- دوك اي فيلم تسجيلي كاذب هدفه السخرية من وضع او احداث ما. وهو عن قصة صعود ونجاح البطلة الاوليمبية تونيا هاردينج بطلة التزحلق علي الجليد الامريكية. وهي قصة غير معروفة للكثيرين مملوءةة بالاسرار و بالدموع لكن ايضا بالسخرية وبروح الدعابة عكفت علي انتاجها وبطولتها النجمة الهوليوودية من اصل استرالي مارجو روبي. عانت تونيا الاهانة بل والاساءة مما ادي بها للهبوط للحضيض بعد نجاحها. وتألقت في دور امها الرائعة اليسون جاني. «شاباكيديك» هو اسم تحفة اخري من نوع الدكيو دراما يحكي عن الحادثة التي تركت ظلالها الحادة علي الحياة السياسية لادوار كنيدي الابن، عندما تورط في حادثة نتج عنها وفاة ماري جو بيشين. ويظهر الفيلم انه ربما يكون قد قتلها، وكيف ان عائلة كنيدي بكاملها اشتركت في التعتيم علي الحادث. ولان تورونتو طور نفسه كمنصة مستقلة تحاول عرض التجارب المختلفة عن تقاليد هوليوود التي يسيطر عليها البيض و الرجال، قدم المهرجان الفرصة لمخرجات نساء ولمخرجين من الشعوب الاصلية لامريكا. ( ما يطلق عليهم خطأ الهنود الحمر). واهم تلك التجارب فيلم «الحياة وليس شيئا آخر» عن سيدة من السود تكافح لتحمي عائلتها رغم اختفاء الاب لوجوده بالسجن. وهمها ان تحمي ابنها الطفل من ان ينخرط في عالم الكبار القاسي. ورغم تشابه موضوع الفيلم مع مونلايت الحائز علي الاوسكار، لكن اسلوبه كان مختلفا كفيلم تسجيلي لكنه مليء باللحظات الانسانية العميقة. وطبعا تميز الفيلم المنتظر «تحجيم» للمخرج الشهير الكساندر باين. انه فيلم كوميدي عميق عن بشر صغيرو الحجم يعيشون في مدينة مصغرة كجحور النمل يحاولون النجاة من عالم مزدحم و متوحش حولهم. اما كيف اصبح هؤلاء صغيري الحجم، فهي تجربة اجراها علماء. ولكي يحمسوا الناس علي الانضمام اليهم، وعدوهم بحياة مثالية أشبه بحياة الملوك اذا قبلوا ان يصغر حجمهم. والبطولة كانت لمات ديمون، وتقبل النقاد هذه الفكرة الفنية المغامرة. لكن هل يقبل الجمهور الفيلم هو الاخر؟ وعاد للاضواء بول شرادر الذي كان من اهم المخرجين الامريكيين- «بفيلم» تم هدايته. وهو فيلم بطولة ايثان هاوك عن رجل دين محبط بمدينة نيويورك، يقرران يصبح انتحار ويفجر نفسه. ورغم غرابة الموضوع الا أنه يعبر عن ثقافة الجريند هاوس بالسبعينيات بامريكا. وتميز بالمهرجان ايضا فيلم ليدي بيرد وهو العمل الاخراجي الاول للممثلة جريتا جرويج التي تعد من اميز الممثلين الامريكيين. وهو دراما عما عاشته جرويج في تجربتها الشخصية بمدرسة ثانوي بحي ساكرامنتو بمدينة لوس انجلوس الامريكية. والتحدي الاكبر الذي خاضه الفيلم انه بلا حبكة درامية: مشهد يلي الاخر عن تجارب حياتية مهمة لفتاة تتارجح بين الشك واليقين و بين الخوف و الحلم وبين اليأس والقدرة علي تحقيق النجاح. ولفت الانظار بقوة بتورنتو فيلم ثلاثة اعلانات خارج ايبينج بميسوري الحائز علي جائزة الجمهور بالمهرجان بعد ان حاز احدي جوائز مهرجان فينيسيا منذ اسبوعين. و هو من اخراج الايرلندي مارتن ماكدوناه الذي اشتهر ككاتب مسرحي. وهو أشبه بفيلم «فارجو» للاخوين كوين الذي كان فيلمهما «سوبر بيكون» لجورج كلوني في مواجهة هذا الفيلم. وتدور حبكة فيلم ماكدوناه حول أم تدفع الشرطة بمدينة امريكية صغيرة- اشبه بالقرية- الي اعادة فتح التحقيق في مقتل واغتصاب ابنتها. ولابد ألا ننسي الحضور البالغ لفيلم «نيكو 1988» عن آخر عامين من الحياة الحافلة للمطربة الرئيسية بفرقة «فيلفت اندجراوند». و قيمة الفيلم انه عن الصراع بين الموت والحياة. وهناك ايضا فيلم «علي شاطئ شيزيل» عن قصة حب صعبة بين زوجين. لمزيد من مقالات د.أحمد عاطف;