وفد من الأوقاف والكنيسة يزور المصابين الفلسطينيين بمستشفيات جامعة أسيوط - صور    رئيس جامعة العريش: 1.7 مليار جنيه لتنفيذ مشروعات تطوير وارتفاع الكليات إلى 11    هل يقتحم الاحتلال الاسرائيلي رفح الفلسطينية؟.. سمير فرج يوضح    مايا مرسي: الدولة المصرية مهتمة بتذليل العقبات التي تواجه المرأة    بروتوكول تعاون بين "التعليم والتضامن" والمجلس القومي للطفولة والأمومة    وزير التجارة يبحث مع شركتين أجنبيتين إنشاء مشروع باستثمارات مبدئية 160 مليون دولار    رينو تعلن عن أسعار جديدة لسياراتها بمصر.. تاليانت تتراجع عن المليون    المواعيد الصيفية لغلق وفتح المحال والمطاعم والمولات والمقاهي    سفير ألمانيا بالقاهرة: المدرسة الألمانية للراهبات أصبحت راسخة في نظام التعليم المصري    حماس: الاحتلال يضغط على قطر لكي تضغط علينا ويُطيل أمد المعركة    مدير العمليات بالهلال الأحمر يكشف الجهود المصرية في تقديم المساعدات لغزة    نتنياهو: يجب بذل المزيد لوقف الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين بالجامعات الأمريكية    روسيا تمنع قرارًا أمريكيًا بمنع الأسلحة النووية في الفضاء    السجن 10 أيام عقوبة جندى إسرائيلى تخابر مع إيران    وزير الرياضة يعلق على تنظيم مصر لبطولتي سوبر جلوب والعظماء السبعة لكرة اليد    "شموا كلوا".. تفاصيل اختناق أطفال داخل حمام سباحة نادي الترسانة    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    أحمد جمال سعيد ينفصل عن زوجته سارة قمر.. والجمهور يعلق: "ربنا يعوضكم خير"    3 أبراج فلكية بتكره جو الصيف والخروج فيه- هل أنت منهم؟    بالفيديو| أمين الفتوى يعلق على دعوات المقاطعة في مواجهة غلاء الأسعار    إجازات شهر مايو .. مفاجأة للطلاب والموظفين و11 يومًا مدفوعة الأجر    خال الفتاة ضحية انقلاب سيارة زفاف صديقتها: راحت تفرح رجعت على القبر    علي فرج: مواجهة الشوربجي صعبة.. ومستعد لنصف نهائي الجونة «فيديو»    حفل ختام برنامجي دوي ونتشارك بمجمع إعلام الغردقة    رئيس جامعة دمنهور يشهد فعاليات حفل ختام مهرجان بؤرة المسرحي    غادة إبراهيم: مش بشوف نفسي ست مثيرة للجدل.. وفي ناس حطاني في دماغها    بعد 12 سنة زواج.. أحمد جمال سعيد ينفصل عن زوجته سارة قمر    أحمد موسى: مصر قدمت تضحيات كبيرة من أجل إعادة أرض سيناء إلى الوطن    في الموجة الحارة.. هل تناول مشروب ساخن يبرد جسمك؟    طريقة عمل الكبسة السعودي باللحم..لذيذة وستبهر ضيوفك    زيلينسكي: روسيا تسعى لعرقلة قمة السلام في سويسرا    السيد البدوي يدعو الوفديين لتنحية الخلافات والالتفاف خلف يمامة    بروتوكول تعاون بين «هيئة الدواء» وكلية الصيدلة جامعة القاهرة    دعاء الستر وراحة البال والفرج.. ردده يحفظك ويوسع رزقك ويبعد عنك الأذى    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. وهذا حكم المغالاة في الأسعار    سبورت: برشلونة أغلق الباب أمام سان جيرمان بشأن لامين جمال    مدير «مكافحة الإدمان»: 500% زيادة في عدد الاتصالات لطلب العلاج بعد انتهاء الموسم الرمضاني (حوار)    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    «الزراعة» : منتجات مبادرة «خير مزارعنا لأهالينا» الغذائية داخل كاتدرائية العباسية    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    مصر تفوز على المغرب بثلاثية في بطولة شمال إفريقيا للناشئين    وزارة التخطيط وهيئة النيابة الإدارية يطلقان برنامج تنمية مهارات الحاسب الآلي    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    بلطجة وترويع الناس.. تأجيل محاكمة 4 تجار مخدرات بتهمة قتل الشاب أيمن في كفر الشيخ - صور    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    روسيا تبحث إنشاء موانئ في مصر والجزائر ودول إفريقية أخرى    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    هل يجوز أداء صلاة الحاجة لقضاء أكثر من مصلحة؟ تعرف على الدعاء الصحيح    يسري وحيد يدخل حسابات منتخب مصر في معسكر يونيو (خاص)    تقديرات إسرائيلية: واشنطن لن تفرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا"    "تحليله مثل الأوروبيين".. أحمد حسام ميدو يشيد بأيمن يونس    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    «التابعي»: نسبة فوز الزمالك على دريمز 60%.. وشيكابالا وزيزو الأفضل للعب أساسيًا بغانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتاة القطار والرحلة الأخيرة!
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 09 - 2017

تري ما هي حقيقة فتاة القطار التي اتخذت من محطات السكك الحديدية مأوي تتنقل بينها وبين القطارات؟! وها هي تهبط من قطار لتركب آخر ولم تتجاوز بوابة محطة إلي ما هو خارجها.
بدت كأنها تسمع ضجيج القطارات وتشعر ببرودة المحطات وتعاني مطاردات العيون المتلصصة والأنوف الذئبية، غير أن كل ذلك كان أهون عندها من أن تعود، لكنها بإرادة أشد صلابة من قضبان السكة الحديد، استطاعت أن تنجو من المجهول لأنها قصرت حياتها طوال هذا الفترة علي مقاعد القطار ومظلات المحطات، حتي لفت تكرار نزولها في المحطات وصعودها القطارات انتباه أحد رجال مباحث السكة الحديد لتتكشف حقيقة قصة فتاة القطار المجهولة.. وبين حياة مجهولة تبدو ككتلة هائلة خانقة ومظلمة بلا نهاية، تتربص فيها كائنات مرعبة مجهولة، وبين بيت تحول إلي سجن اختنقت فيه روحها وتهان فيه آدميتها كل يوم من زوجة الأب وتتعذب هي أكثر من معاناتها من معاملة الزوجة بما تراه من عجز أبيها عن حمايتها والدفاع عنها. كان عليها أن تختار في أي هذين العالمين تبقي!
إنها القصة المتكررة التي تحدث كل ساعة وفي كل مكان ولا يكف الزمان عن حكايتها ولا يمل الناس من سماعها «تموت الأم أو تنفصل عن الأب وتأتي امرأة أخري ما تلبث حتي تتحول إلي كائن ليس له من مهمة في هذه الحياة سوي أنها خلقت لممارسة القسوة.. بلغ الأب عامه الثامن والستين وقد غزا جسده وهن الكبر ولم يعد يتدخل في مهاترات زوجته مع ابنته الثالثة الباقية بعد شقيقتيها اللتين تزوجتا ونجتا من هذا الجحيم اليومي.. كان يمكن تحمل أي شيء من أي أحد فقط بشرط الحب، لكن الكراهية تجعل من كل شيء خانقا وتجعل الكون علي اتساعه سجنا ضيقا تود أن تزهق منه الروح فتصدها أسواره، صارت تري كل شيء في البيت يعلن بلا استحياء، أنها إنسانة منبوذة وكل الأشياء أصبحت تبادلها الكراهية.. الجدران.. النوافذ..الأبواب.. الأثاث.. فلم يكن أمامها إلا أن تتخلص من كل شيء.
أي شيء أكثر قسوة من أن تري كل شيء حولك يكرهك؟!.
وهي كفتاة في السادسة عشرة من عمرها، تدرك تماما ماذا يعني الشارع، لكن معاملة زوجة أبيها لن تكون أكثر رحمة مما قد تواجهه، كما أنها تدرك تماما كابنة أسرة تسكن إحدي محافظات الصعيد ماذا يمكن أن يكون من مصير لو فكرت في الهرب من البيت.. ربما كان وعيها بما سبق، يحبط أي تفكير بأن تترك المنزل، غير أن الضيق عندما يتمكن من النفس، وعندما يجثم اليأس علي الصدر وتختنق الروح، حينئذ يبدو أن التغيير للأسوأ يصبح أفضل حالا من البقاء تحت سطوة القنوط.. كانت خطواتها المحتومة ترسم طريقها خارج المنزل وكان اختيارها الأول أن تأوي إلي صديقتها فاطمة أقرب الناس إليها وهي مستودع سرها وملاذها عند الضيق.. وفي بيت فاطمة وجدت من الرعاية والحنان من والدها ما لم تجده في بيت أسرتها.
أتراها تسعد بذلك أم تزداد آلامها؟!.
أين ما يقال عن الدم الذي يحن؟!.. فخلال ثلاثة أيام لم يسأل عنها والدها وكأن الأمر لا يعنيه.. ومع اهتمام ورعاية أسرة صديقتها بها، عرفت أن وقع الحنان قد يكون أكثر إيلاما علي نفس المحروم من وخز القسوة، فقد كانت كل كلمة طيبة وكل نظرة حانية تذكرها بأنه كان يجب أن تكون هذه النظرة من عيني أبيها اللتين كانتا تغضان الطرف عن كل ما يحدث لها أمام هاتين العينين.. كثيرا ما كانت تتلمس العذر له، فلدي زوجته طاقة هائلة علي أن تحول البيت إلي جحيم لا يطاق، لكنها عندما تتلفت حولها فلا تجد بديلا،فكل أقاربها حتي شقيقتيها، لا يرحبون بمجيئها، فكل الوجوه يكسوها التجهم البغيض وكأنه من ملامحهم الأساسية.. وفي ثالث أيام ضيافتها أخبرت صديقتها بأنها ستعود إلي منزل أبيها وودعتها الأسرة إلي القطار ودس والد فاطمة في يدها 300 جنيه حتي تشتري ما يلزمها ولا تدخل علي بيت أبيها فارغة اليدين.. قبضت بيدها علي الأوراق النقدية كأنما تقبض علي الجمر وتركت دموعها تعبر عن حزن الرحيل ولكنها في القطار تمنت ألا يصل فاستسلمت بارتياح لأن تطول الرحلة.
مادام طول الرحلة يبعث في نفسك أول شعور حقيقي بالارتياح، فلتكن إذن رحلتك بلا نهاية!.
وظلت تحمل حقيبتها وتذاكرها وما يتبقي من نقود وتتنقل بين المحطات والقطارات في رحلة المجهول.. كم صادفت من أنواع من البشر ولكن مهما كان من سوئها، فما أيسر التخلص منها عند وقوف القطار في محطة ما لتعود الرحلة من جديد وهي لا تريد أن تصل، فأي تعجل لرحلة قطار نهايتها الجحيم؟!.
هناك قد تبدو غريبة ولكنها تتنفس بحرية.. قد تجوع ولكنها لا تؤذي في كرامتها.. قد تتعرض لخطر ما ولكنها لم تعد تعرف الخوف، كما أنها أمست تأنس بهذا العالم الذي لا يهدأ من حركة الرائحين والغادين من المسافرين صباحا ومساء.. الحياة يختلط فيها الليل بالنهار وساعات المحطات لاتكف عن الدوران.. هنا الفجر غير الفجر النهار غير النهار، حتي الليل يتخلي عن وحشته معها.. لكن لم يكن من بد من أن تصل، نفدت النقود بين الاندفاع من القطارات والهرولة في المحطات التي صارت منزلها الواسع الأكثر أمانا من منزل أبيها.. وانتهت رحلة آخر قطار وكان لا بد من أن يصل علي رصيف محطة سوهاج وهناك في مكتب شرطة السكة الحديد، استمع الضابط المقدم أحمد عبدالعزيز رئيس قسم حقوق الإنسان إلي قصتها وتم تحرير محضر بالواقعة وأمر اللواء قاسم حسين مساعد وزير الداخلية لشرطة النقل المواصلات بقيام ضباط المباحث الجنائية بإشراف اللواء حسني عبد العزيز مدير مباحث النقل والمواصلات باستدعاء والدها الذي حضر ليوقع تعهدا بحسن معاملتها لتنهي رحلتها إلي واقع صار أشد غموضا من ذلك المجهول الذي غلبته طوال تلك الأيام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.