ها هى فعاليات الدورة 24 لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى قد بدأت قبل يومين، وها هم عشاق أبو الفنون يلاحقون العروض المنتشرة فى مسارح القاهرة للاستمتاع بمدارسها المختلفة التى حلت ضيفا عزيزا بالقاهرة.. فبعد الافتتاح الفلكلورى الجذاب لهذا الحدث المهم فى دار الأوبرا، بعرض فرقة التنورة التراثية التابعة لهيئة قصور الثقافة، كان الجمهور على موعد مع حالة مسرحية ملفتة لفريق جورجيا أبطال عرض «الشقيقات الثلاث» أحد أهم نصوص الكاتب الروسى الفذ أنطون تشيكوف. فإذا كان أهم ما يميز اعمال تشيكوف هو قدرته على البحث من خلال شخصياته عن مفهوم الحياة وفلسفتها ومصادر السعادة والطموح والحب والغيرة وكل المشاعر الإنسانية عبر لغة دقيقة جريئة واقعية صادمة تهافت المخرجون حول العالم على فك أسرار عبقريتها وما تخفيه من عوالم نفسية دقيقة ومعقدة.. إلا أن المخرج بورتسيلادزى فاجأ العالم كله عندما قدم رؤية مغايرة تماما لما قدمه الأب الروحى للأداء التمثيلى كونستانتين ستانسلافسكى لمسرحية الشقيقات الثلاث حينما أخرجها لأول مرة عام 1901، أى بعد أن كتبها تشيكوف بعام واحد فقط.. فقد رأى مخرج الفريق الجورجى أن ما تناوله تشيكوف من صراع الشقيقات الثلاث أولجا وماشا وإيرينى لملاحقة طموحهن الساعى لحياة أفضل فى مجتمع روسى قاسٍ شعرن أنهن لا مكان لهم فيه، يمكن أن يقدَم بلا جملة حوارية واحدة، وتلك هى المفاجأة، فالطموح الذى دفع الشقيقات إلى التورط فى علاقات آثمة يتتبعه تشيكوف بلغة حوارية ساحرة لا تخلو من الدقة والتركيز، تشكلان عالما واضح المعالم لكل شخصية من شخصياته، ولكن مخرج العرض الجورجى يخرج قرر أن يطل على العالم بلغة مسرحية مغايرة تماما لعالم تشيكوف المحفوف بالمآسى بعد أكثر من 115 عاما على كتابته لأول مرة.. لغة تعتمد فقط على الحوار بين التعبير الحركى للجسد دون كلام منطوق، والموسيقى والإضاءة وديكورات بسيطة للغاية، تم اعدادها فى أقل من20 دقيقة، ولا تتجاوز منضدة طويلة وبضعة كراسى، اختزالا لعالم الشقيقات الثلاث المنعزل داخل المجتمع الروسى فى القرن التاسع عشر، بينما يستخدم المخرج الفضاء المسرحى بشكل عام للتنقل بين المشاهد المختلفة للنص باستخدام اكسسوارات مختلفة كالحقائب للدلالة على السفر والرحيل مثلا.. ويصيغ المخرج رؤيته بتحويل الجمل الحوارية إلى جمل حركية درامية لا تخطئ المعنى أو حتى تُلغزه، وتكتمل رؤيته بغزل تلك الجمل الحركية بحوار آخر مع مصمم الموسيقى العذبة والناعمة فى رومانسيتها وحتى فى قسوة بعض مشاهدها، وتحت إضاءة لامتناهية فى دقتها تتأرجح المشاعر بين زرقة الغموض وصُفرة الحسرة والالم واحمرار العشق..والمثير أنك تجلس مغرما بما يقدمه الفريق الجورجى من أداء سلس وهادر لراقصين بالغى الحرفية استطاع بهم أن يسمو بمحلية النص إلى آفاق إنسانية أشمل وأرحب، ليضفى على مسرح تشيكوف مزيدا من العذوبة استحق بها ان يترشح لجائزة أفضل عرض فى مهرجان رومانيا 2016 ومن قبلها ينال استحسان الجمهور فى مسرح تشيلسى بلندن ومهرجان انقرة الدولى فى تركيا. ثلاث نساء أيضا يبدو أن رقم ثلاثة هو تميمة الحظ لدى بعض فرق المهرجان هذا العام فبعد تألق بطلات عرض الشقيقات الثلاث اتت نساء ثلاث أخريات من الأردن الشقيق لتروين ذكرياتهن الأليمة التى جمعنها فى حقائب سفرهن وقررن البوح بها فى محطة القطار التى التقين بها مصادفة وذلك فى عرض ظلال أنثى للمخرج اياد شطناوى، الذى عرض على مسرح الهناجر، بينما واصل المخرج الشاب تامر كرم الحائز على جائزة افضل مخرج وأفضل عرض مسرحى، رحلة البحث عن التسامح والعقلانية مقابل رفض الكراهية والتعصب فى عرضه البديع يوم أن قتلوا الغناء على مسرح الطليعة، بالإضافة لعروض شامان والسفير والعرض الروسى زمن العجائب. أسرار لعبة الدراما ومن خلال عدة ورش بدأ صناع الدراما حول العالم فى كشف الأسرار المختلفة للعبة الدراما لمتدربيهم من مختلف الانتماءات المسرحية، فمثلا بدأ المخرج البريطانى جيلز فورمان فى وضع أيادى متدربيه على اساليب تحليل الشخصية المتخيلة والغوض فى أعماق الحياة الداخلية والخارجية للشخصية المراد تجسيدها، بينما يصطحب الممثل المصرى الألمانى هيثم عاصم طلابه فى رحلة لتدريب الراقصين والممثلين على ربط تقنيات الجسد بالموسيقى والغناء على خشبة المسرح.. أما إسلام سعيد الممثل المصرى الشاب الحائز على منحة الإبداع فى الأكاديمية المصرية بروما فقد بدأ فى تعريف متدربيه فى ورشة مسرح الشارع أهمية هذا النوع فى بناء الأمم من خلال الفضاءات المفتوحة والتى تضم فى جعبتها المسرح المتجول ومسرح العربة والمترو والدراجة والحقيبة ومسرح المهمشين أيضا، بالإضافة لطبيعة ممثل مسرح الشارع الذى لابد أن يكون سريع البديهة ملما بكل انواع الفنون، ومن خلال الورشة تلقى المتدربون تمرينا على تناول قضية مهمة مثل ضرورة ان يكون المؤذن حسن الصوت حتى لا ينفر المصلين من أداء الصلاة، وهى قضية شائكة يعانى منها المجتمع وحاول اسلام سعيد من خلالها طرح كل الأفكار الفنية لتناولها بطرق جذابة لجمهور الشارع.