الحديث عن استفتاء مصير إقليم كردستان العراق المزمع عقده فى الخامس والعشرين من الشهر الحالي، والتصريحات الصادرة من أربيل وبغداد، أصبحا يتصدران المشهد السياسى العربى بامتياز، والحقيقة أن هذا الاستفتاء لن يرسم فقط الخطوط العريضة لخريطة ومستقبل بلد عريق بحجم العراق، بل أيضاً قد يعيد رسم خريطة دول الجوار جغرافيا وعلى صعيد التحالفات السياسية. ومن المقرر أن يستطلع الاستفتاء رأى سكان المحافظات الثلاث فى الإقليم الكردي، وهي: أربيل والسليمانية و دهوك، ومناطق أخرى متنازع عليها، بشأن رغبتهم فى الانفصال عن العراق أم لا. ورغم كونه غير ملزم ولا يترتب على نتيجته أى إجراء فعلي، فإن أهميته تنبع من كونه يمثل اللبنة الأولى على طريق إعلان الدولة المستقلة وربما تحقيق حلم الوطن الكردى الكبير على المدى الطويل، كون التوقعات الخاصة بالنتائج تخلص لكون النتيجة هى الإجابة بنعم بنسبة كبيرة. وهنا لا يبدو أن هدف أربيل عبر الاستفتاء هو الانفصال الفعلي، وإنما كونه يشكل ورقة ضغط كبرى والتلويح بها خلال أى خلافات مستقبلية مع الحكومة المركزية فى بغداد، وأيضا يدرك القادة الأكراد - حتى وإن أكدوا أنهم ليسوا بحاجة للاستئذان فيما يخص مستقبلهم السياسي- أنهم بحاجة لدعم جيرانهم وحلفائهم، خاصة فى تركيا وإيران التى سيكون لها القول الفصل فى أى خطوة من هذا القبيل، وسوريا المشغولة حالياً بسبب الأزمة السياسية، ليكون الأمر مقبولاً على المستوى الدولى ولينالوا القبول العربي، خاصة وسط تشكيك من الحلفاء الحاليين للأكراد، مع الأخذ فى الحسبان أيضاً أن الضوء الأخضر الوحيد للاستفتاء جاء من إسرائيل. وتبدو أربيل فى هذه اللحظة رافضة تماما تأجيل الاستفتاء، وهو ما عبر عنه إقرار برلمان كردستان لإجراء الاستفتاء فى موعده المقرر، وإعلان قادة الأكراد فى العراق إصرارهم على ضم محافظة كركوك الإستراتيجية للاستفتاء، حتى أن رئيس الإقليم مسعود بارزانى صعّد من لهجته بطريقة خطيرة، ملوحاً بالخيار العسكرى فى حال حاول أى شخص أو كيان تغيير الوضع القائم فى المحافظة الغنية بالنفط. أربيل سابقا استغلت حالة الفوضى التى أعقبت اجتياح تنظيم «داعش» الإرهابى مناطق شاسعة بالعراق فى 2014 فسيطرت قوات البشمركة على المدينة لمنع سقوط حقول النفط بأيدى التنظيم، وذهبوا إلى حد رفع علم الإقليم بديلا عن العلم العراقى بالمخالفة للدستور والأعراف وحتى للمنطق. ولا يشكل الأكراد أغلبية السكان، إذ تبلغ نسبتهم 21%، ويوجد أغلبهم فى مدينة كركوك، فى مقابل 72 % للعرب السنة المنتشرين فى الأقضية الأربعة التى تشكل المحافظة ( كركوك ودقوق والحويجة والدبس)، الأمر الذى يعزز المخاوف من أن للاستفتاء مآرب أخري، من ضمنها انتزاع كركوك من أحضان العراق، أو حتى شمولها فى أى مفاوضات مقبلة للانفصال عن البلاد. والحقيقة أن شمول محافظة كركوك بالاستفتاء سيوجد حالة من التوتر والغليان والعنف داخل البلاد، لما فيه من مخالفة صريحة للدستور، لذا فإن علاقات متزنة مع حكومة بغداد موحدة وقوية تنحى الطائفية جانباً هى مفتاح الحل للأزمة، ففى وقت ترى فيه حكومة الإقليم أن العلاقة بين الطرفين وصلت إلى مرحلة انسداد الأفق على واقع تراكم الخلافات التى بدأت بإشكاليات تصدير الإقليم النفط عبر تركيا دون الرجوع إلى الحكومة المركزية أو تقسيم العائد معها، مروراً بقيام الأخيرة باقتطاع رواتب الموظفين الأكراد، واستمرار الخلاف حول المناطق المتنازع عليها بين الطرفين والتى توجد فيها أغلبية كردية، وانتهاءً بمشكلات الموازنة الاتحادية وحصة الإقليم منها. وعلى صعيد آخر يرى المحللون أن تعنت أربيل واستئساد قيادتها من أسباب فشل المحادثات بين الجانبين، فبارزانى يشدد دائما وأبدا على أن الهدف من الاستفتاء هو الانفصال، الأمر الذى يعزز مخاوف من أن مسألة حقوق الأكراد فقط غطاء لتنفيذ الانفصال لإنقاذ حياته السياسية.