توريد 240 ألف طن من محصول القمح لصوامع وشون الشرقية    معلومات عن نظام أذرخش للدفاع الجوي الإيراني.. تدمير الأهداف على ارتفاعات منخفضة    مراسل «القاهرة الإخبارية» يكشف مفاجأة بشأن تورط روسيا في التصعيد الإيراني الإسرائيلي    بدء أكبر انتخابات في العالم بالهند.. 10% من سكان الأرض يشاركون    جارديان: لا يجب أن تشتت الأزمة مع إيران الانتباه عن مأساة غزة    موعد مباراة الزمالك ودريمز في الكونفدرالية وتردد القناة الناقلة    «سلة الأهلي» يواجه أويلرز الأوغندي في بطولة ال«bal».. اليوم    وصول وزيرة الثقافة ومحمد إمام وهنا الزاهد وغادة عادل إلى جنازة صلاح السعدني    ابن عم الراحل صلاح السعدنى يروى كواليس من حياة عمدة الدراما بكفر القرنين    مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط ينعي الفنان الكبير صلاح السعدني    انتهاء أعمال المرحلة الخامسة من مشروع «حكاية شارع» في مصر الجديدة    محافظ قنا يأمر بتزويد مستشفى دشنا المركزى ب 12 ماكينة غسيل كلوى جديدة    كل ما تريد معرفته عن قانون رعاية حقوق المسنين| إنفوجراف    الخشت: تخصص الصيدلة وعلم الأدوية بجامعة القاهرة أصبح ال 64 عالميًا    بحضور 400 طفل.. «أوقاف القليوبية» تدشن لقاء الجمعة بمسجد في بنها    حماية المستهلك يوجه نصائح مهمة للجمهور بشأن «الاستبدال والاسترجاع»    دوري أبطال أوروبا.. حامل لقب أول نسخة وآخر المتوجين ب «ذات الأذنين»    أسطورة ليفربول: الاحتفاظ بصلاح سيكون صعبًا وفان دايك سيبقى    الداخلية تداهم بؤرتين وتضبط 36 كيلو مخدرات قيمتها 16 مليون جنيه    ضبط مسئول محل لبيع المأكولات لحيازته كمية كبيرة من المواد الغذائية مجهولة المصدر    برنامج MEPEP لتطوير مهارات القوى العاملة يشارك في معرض EDUTECH 2024    احذر الرادار.. رصد 8500 سيارة تجاوزت السرعة خلال 24 ساعة    المشاط تعقد لقاءات مع مؤسسات التمويل الدولية خلال اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين    «آمنة»: الانتهاء من مشروع تطوير منطقة أعلى مفيض ترعة نجع حمادي بسوهاج    فصل الكهرباء عن مناطق بالغردقة ومرسى علم.. اعرف المواعيد والأماكن    لأول مرة بالأزهر.. منطقة الشرقية تدشن تطبيقا إلكترونيا لمتابعة امتحانات النقل بالمعاهد    إقبال جماهيري على جناح مصر في بينالي فينيسيا للفنون 2024    الأوقاف: افتتاح 8 مساجد في الجمعة الثانية من شوال.. تفاصيل    ل3 أسباب.. خطيب المسجد النبوي: الله كرم الإنسان حين خلقه في أحسن تقويم    دار الإفتاء توضح مسبعات الجمعة    413 مدرسة تعليم صناعي تقدم خدمات صيانة ومنتجات وموبيليات بأسعار تنافسية    الصحة: فحص 432 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    "رصدته كاميرات المراقبة".. ضبط عاطل سرق مبلغا ماليا من صيدلية بالقليوبية    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    إصابة شخصين إثر حادث تصادم 3 سيارات فى شارع التسعين بمنطقة التجمع    اعتماد جداول امتحانات نهاية العام الدراسي في الوادي الجديد    وزير التنمية المحلية يعلن بدء المرحلة الثالثة والأخيرة لإزالة التعديات على أراضي الدولة ضمن الموجة ال22    استشهاد شاب فلسطينى وإصابة 2 بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم نور شمس شمال الضفة    التحالف الوطنى يطلق ثالت مراحل القافلة السادسة لدعم الأشقاء فى غزة    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    للبقاء مدى الحياة؟ سكاي: بايرن يجهز عرضا لتمديد عقد موسيالا    رضا عبد العال يعلق على أداء عبد الله السعيد مع الزمالك    رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى ينعى وفاة الفنان صلاح السعدني    كشف لغز بلاغات سرقة بالقاهرة وضبط مرتكبيها وإعادة المسروقات.. صور    الحكومة تنفي عودة عمل الموظفين يوم الأحد بنظام ال"أون لاين" من المنزل    اقتصادية قناة السويس تشارك ب "مؤتمر التعاون والتبادل بين مصر والصين (تشيجيانج)"    وضع حجر أساس مشروع موقف إقليمي جديد بمدينة المنيا الجديدة    تمريض القناة تناقش ابتكارات الذكاء الاصطناعي    شهدها البابا تواضروس، تفاصيل وثيقة الكنيسة للتوعية بمخاطر زواج الأقارب    ليفركوزن يخطط لمواصلة سلسلته الاستثنائية    غداء اليوم.. طريقة تحضير كفتة الدجاج المشوية    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    طلب إحاطة لوزير الصحة بشأن استمرار نقص أدوية الأمراض المزمنة ولبن الأطفال    موعد مباراة الترجي وصن داونز بدوري أبطال أفريقيا    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    وزير الخارجية الأسبق يكشف عن نقاط مهمة لحل القضية الفلسطينية    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أول حصة
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 09 - 2017

أدخلنى أبى الفصل، وأشار للأستاذ قائلا: إذا لم يتعلم، عليك به.. ورفع يده، عاليا، ثم خفضها وكأنه يضرب شخصا متخيلا بعصا وهمية. "حاضر يا عم ولا يهمك".. رد الأستاذ. تسمرتُ واقفا، قرب الباب؛ نظراتى تلاحق والدى محتارا.. كيف عنّ له تركي، كأنه لا يعرفني، وحيدا بين أناس لا أعرفهم. "اِجلس مكانك يا ولد"..
قالها الأستاذ بنبرة حادة. كان الأستاذ ذا القامة الفارعة يرتدى ثوبا كحليا و”جنبية” بمقبض مذهب، وقد ثبت بحزامها المزخرف مسدسا روسيا، بنجمة حمراء تلمع فوق قبضة الزناد، وبدا أن العصا المتدلية من يده، يا للهول، أطول من قامتي. وإذ رأيت ما رأيت، كدت أفقد صوابى وفكرت بالهرب.. أن أمرق، كالسهم، من الباب وأجرى مبتعدا حتى مسافة آمنة، أستدير وأمطُ لسانى تجاه المدرسة ساخرا وأصرخ، بأعلى ما أمكنني، بتلك المفردة الأثيرة: طزززززز. كنت فعلت ذلك حقا، رغم تأكدى القاطع من أن فمى ظل محكم الإغلاق ولم تصدر عنه نأمة صوت واحدة، وأن قدميّ لم تتزحزحا قيد أنملة من حيث أُمرتُ بالجلوس. كانت المدرسة لا تزيد على فصل واحد، يتكدس داخلها ثلاثة صفوف. كنا نحن الصف الأول، وعددنا خمسة، نجلس فوق الأرضية المتسخة فى الصف الأمامي، أمام المدرس مباشرة، يلينا الصف الثانى فالثالث. تنحنح الأستاذ وأشار إلينا آمرا: صف أول، الطلاب الثلاثة الجدد فقط؛ رددوا بعدي. وبدأ يقرأ بصوت عال وممطوط قليلا: قل أعوذ برب الناس. فردّدت مع اثنين بجواري: أعوذ برب الناس.كرر الأستاذ: قل.. وصمت لحظة.. أعوذ برب الناس. فكررنا: أعوذ برب الناس. صاح غاضبا: قولوا مثلما أقول بالضبط.. وضرب، بالعصا الطويلة، السبورة الخشبية السوداء فأحدثت فرقعة كبيرة ضجت لها حيطان المدرسة وارتجفت قلوبنا فزعا ورعبا. كان أحد طلاب الصف الثالث لاهيا ومسترخيا تماما، آنذاك؛ يفكر فى أمر ما خارج هذه الجدران الكئيبة، وما إن دوت فرقعة السوط حتى تلاها بفرقعة أخري.. طااااااااااااااااااط.. وهكذا ارتفعت الضحكات عالية وغير مبالية بالعقاب، وأسرع الجميع بوضع أكمام قمصانهم فوق أنوفهم حتى قبل أن تهب الرائحة العفنة.. وعوض أن يشاركنا الأستاذ الضحك، ازداد تغيظا وتشنجت عضلات وجهه الصارم ودارت حدقتا عينيه وقد زادتا اتساعا، وتطايرت منهما شرارات الغضب كأنهما سهمان حارقان يوشكان أن يفتكا بنا جميعا. ثم وجّهنا بهدوء ينذر بالويل: قفوا كلكم. وقفنا ولا زال سيل الضحكات هادرا من أفواهنا، عدا طالب وحيد وبدين جدا؛ ظل ساندا ظهره على الحائط، فاتحا فمه وسابحا فى نوم عميق حتى ركله أحدهم ركلتين متتاليتين على ساقه فانتبه، وتحامل على نفسه حتى استوى واقفا كما لو أنه برميل من لحم ودم، وعلى الفور، غمغم مستوضحا: آه.. الواجب؟ ثم استدرك: أقسم بالله أنى كتبته كاملا يا أستاذ، بس نسيت الدفتر فى البيت.. الله لا رجعنى بين اخوتى لو كنت أكذب. “أسكت يا دُب.. لا رجّعك، آمين”.. حشر المسكين جمجمته الضخمة بين كتفيه وصمت كأن على رأسه الطير. وشرع الأستاذ الفظ الغليظ بالاستجواب: من الحمار ابن الحمار هذا الذى لا يقدر على إغلاق مؤخرته؟.. هيا أخبرونى وإلا ضربت كل الناس. وبالتأكيد، لم يكن يقصد ب”كل الناس” كل الناس، إذ لا يتأتى له ذلك بحال من الأحوال، بينما بإمكانه أن يفعل ما شاء، فقط، بالناس الواقعين تحت رحمته فى تلك الغرفة اللعينة المسماة مدرسة. أُصبنا جميعا بالخرس ولم ينبس أحدنا ببنت شفة. حسنا.. كلكم ضراطون إذن ومجموعة طراطير لا تستحقون إلا الجلد.. الواحد يتعب معاكم حتى روحه تروح وما فيش فايده.. بس راح أوريكم. وما ثمّ أن شرع بسلخ الأكف، بدأ بأول واحد، وكنت أنا هو أول واحد.. خمس جلدات حاميات حتى خالطنى الشك فى أن كفى انخلعت ولم تعد جزءا من جسدي. وكان أن فعل ذلك بالجميع حتى تكسرت العصا واستبدلها بأخرى مخبّأة وراء السبورة. وللحظة طغت عليّ مشاعر حب الانتقام، وداهمتنى أحلام اليقظة: انتزعتُ المسدس من خاصرته وصوبته باحترافية أبطال الأفلام البوليسية تجاه جمجمة الأستاذ الكبيرة، أطلقت الرصاص، ببرود كأى مجرم متمرس، رصاصة إثر رصاصة، مستمتعا بمنظر نافورات الدماء تنساب فوق الأرضية وتتلوى كثعابين حمراء فاقعة، مصحوبة بصخب الطلاب وتصفيقهم الحار.. وهكذا تخيلت أنه مات فعلا، وأن عينيه هاتين الحمراوتين كالجمر ليستا سوى عينيّ ميت! رغم أنه كان لما يزال واقفا والعصا تهتز بيده متوعدة أيدينا الجاهلة بالعلم اللاسع، وصوته يتردد بقوة ووضوح تام: قل أعوذ برب الناس.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.