يمتطى الشيخ سيارته الألمانية مرتديا بدلته الإيطالية ، ونفحات عطوره الفرنسية تعبأ المكان بينما يحمل جهازه «الأيباد» ليسترجع مواعيد مقابلاته التلفزيونية والصحفية ومحاضراته الجامعية – وملناش دعوة بالباقى – ثم يرن صوت الهاتف : آلو ..السلام عليكم يا فضيلة الشيخ أهلا أهلا وعليكم السلام كنا محتاجين حضرتك فى لقاء تلفزيونى على الهواء مباشرة فى قناة «الفنكوش» وزى ما حضرتك عارف الناس زهقت من كل الفتاوى القديمة ومحتاجين كام فتوى نقاوة نكسر بهم الدنيا ، أصل القناة لسة مش مسمعة ولازم نلفت الأنظار لها . مفهوم مفهوم أنتوا بتدفعوا كام ؟ اللى حضرتك تقول عليه لكن كله بثمنه ، كل ما كانت الفتوى سخنة وحراقة هتنبسط معانا جدا . وجلس هذا الشيخ مع نفسه ولسان حاله يردد « هتفتى فى ايه يا عبرحيم .. هتفتى فى إيه !» وتفتق ذهنه الذى يكسوه ما تندر من الشعر الأبيض وذهب الى مدينة الإنتاج منتشيا وكأنه توصل الى حل مسألة لوغاريتمية ، ولأننا شعب متدين بطبيعته فنحن نحرص على متابعة بعض البرامج الدينية – وكأن الحنين الى برامج الشيخ الشعراوى تاكل جدران قلوبنا بلا هوادة - وكان من بينهم هذا البرنامج الذى يحمل اسمه آية قرآنية «عم يتسآلون» ! وفجأة نطق الشيخ صبرى عبدالرؤوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وأحد شيوخ الفتاوى الساخنة بما لا يصدقه عقل حين أفتى «أنه تجوز للزوج معاشرة زوجته المتوفاه بما يسمى بمضاجعة الوداع «!!! وهنا سقطت مغشيا على من فرط الصدمة ... وبعد الإفاقة انتابتنى حالة هيستيرية من الصراخ وأنا أردد «وهى ميتة ... هيعاشر جثة .. هى الإهانة مكتوبة على المرأة وهى عايشة وهى ميتة كمان» . هذا فضلا عن فتواه السابقة بإباحة تصوير العلاقة الزوجية بغرض الإثارة والمتعة !! وكانت الطامة الكبرى أن صدقت الدكتورة سعاد صالح على فتواه اللوذعية ثم تراجعت بحجة أن كبار الصحابة كانوا يخطئون ويتراجعون ، بينما أعرب الدكتور مختار جمعة عن أسفه وحوله للتحقيق واصفا الفتوى ب «الشاذة» . وهنا أصابتنى دهشة الثلاثية الأبعاد ، أولا كيف يحدث هذا فى ظل توجهات الرئيس والحكومة بتجديد الخطاب الدينى ؟ ثانيا كيف يجرؤ إنسان يحمل الهوية الآدمية أن يشرع بإنتهاك حرمة الموتى ؟ ثالثا هل تقلص دور السادة الشيوخ الأفاضل فى باب النكاح ؟ أين الخطاب الدينى من حث المواطن المكلوم على الصبر والسلوان حتى تمر هذه الوعكة المجتمعية التى طالت الجميع ، وماذا فعل الشيوخ بشأن التحرش الذى يملأ وسائل المواصلات العامة والشوارع المتكدسة ، بل وما الذى قدموه آزاء الصراعات المعاصرة والفتن الملغمة .. بكل اسف قد تحول الدين الى تجارة فضائية رائجة ، بعدما خلع الشيوخ جلبابهم وارتدوا رابطات العنق وباتوا يقضون لياليهم على منابر الفضائيات . والحق يقال فهذه ليست المرة الأولى التى نتلقى فيها فتاوى شاذة كتلك ، فلم ننسى فتوى ارضاع الكبير وفتوى اباحة التدخين فى نهار رمضان ونكاح الجهاد وغيرها من لغو الفتاوى والتشريعات الفقهية الزائفة . ولكن الآن فى ظل هذه الأوضاع المرتبكة ومصر تئن وتصرخ من فرط الألم ، لم يعد وطننا قادرا على تحمل هذا الهراء وإن أردتم أن تفتونا فقدموا لنا ما ييسر أمورنا أبحثوا فى علوم الدين عن دواء يمنحنا الجلد والقوة ، ولكن يبدوا أن صورة الشيخ لن تتغير فى ذاكرتنا كما قدمتها لنا السينما والدراما كمشهد حسن البارودى فى فيلم الزوجة الثانية وهو يقول للعمدة « البلد بلدنا والورق ورقنا والدفاتر دفاترنا .. طلق يا ابو العلا « غير متورعا وهو يردد الآيات القرآنية لتبرير ما يفتى به . ومن هنا أقول : اتق الله يا مولانا المشرحة مش ناقصة قتلى .