حدائق الشلالات السكندرية قادرة بأشجارها الخضراء رغم عواصف أى شتاء على السماح لدفء الشمس أن يتسلل من يدى التى تعانق يدها لتجعل المناخ العاصف ينير دفئا وتوهجا برغبة كائنين إثنين أى تبدأ بهما قصة الخلق البشرى من جديد . وكان فى قلبى وقلبها بعد أن صارا قلبا واحدا ثلاثة من عشاق صناعة الحياة الكبار؛ فبدا كل منهم كمنارة تهدى أيامنا حلم الوصول إلى بيت صغير نبنى به مستقبلنا . الاول هو محمد حسنين هيكل والثانى هو يوسف إدريس والثالث هو نجيب محفوظ . ولاتسأل عن ترتيب المكانة بينهم؛ فكل منهم له مدار نجم ثاقب يهدى الحياري. .............................................. وكان صباح أى من أيام السبت يحتفل باللقاء بينى وبين صاحبة رغبتى فى أن تستمر حياتى ، فهى السبب الأول الذى قبلت وجود أى شرور فى هذا الكون؛ وكلى ثقة أنه شر سوف يزول ؛ وغالبا ما يكون الحوار صباح السبت عن صانع رحلة الأمل عند جيلى إلى مجتمع سيتيح لكل عاشق بيتا وعملا ومستقبلا ، الصانع لموسيقى الامل هو محمد حسنين هيكل ، فمقال « بصراحة « المنشور فى أى يوم جمعة قبل أى يوم سبت ، هو رحلة عما يحدث فى وجدان ضوء الأمل عند جيلى وهو جمال عبد الناصر ، ولم يكن أحد ليجرؤ على القول بعكس هذا النشيد الموسيقى المنساب من قلم محمد حسنين هيكل فضلا عن اهرام الجمعة كان يمثل بطاقة دخول لقارئه إلى عالم الثقافة ، فإذا كان حوارى مع من اغزل من عيونها طريقا لمستقبلى نحن أبناء آداب الإسكندرية، فالبحر المتوسط يقع على بعد كيلومتر واحد من كازينو حديقة الشلالات وهو مزدان بقلم د. حسين فوزى الذى ننتظر صوته عبر البرنامج الثانى بالراديو ليدلف بنا إلى ما نهوى من الموسيقى الكلاسيك ؛ فحسين فوزى السندباد المتجول فى تاريخ مصر يهدى قارئه خطوات إلى الجذور ثم يصحبه إلى حضارة باريس لنرتشف منها نورا يضيء القلب . وغالبا ما تكون كلمات « بصراحة» التى كتبها الأستاذ هيكل هى الدليل الأسبوعى لتفكير جمال عبد الناصر . سألتنى من كنت ارى مستقبلى مرسوما فى عينيها « مالك تقدس كلمات الأستاذ هيكل ؟ « . وكانت إجابتى دائما « هو الكاتب السياسى الوحيد الذى يقف مع جمال عبد الناصر على سلم باخرة امل أجيالنا والأجيال التى سوف تأتى من بعدنا ، فما بينهما هو تواصل افكار وخصوصية معرفة كل منهما بصفات الاخر ، ولعل الاستاذ هيكل كان الوحيد ضمن كتاب ايامنا الذى لا يحمل فى حروفه توسلا لمغنم او مكسب . والقريب من تلك الدائرة _ دائرة عدم التوسل _ أستاذان هما احمد بهاء الدين الذى بسط ضوء قلمه على طريق تسير فيه فكرة العروبة إلى التحقق على أرض الواقع ؛ أما الكاتب الثانى الذى حاورته وأنا إبن السادسة عشرة مندوبا عن الجمعية الفلسفية بمدرسة محرم بك الخاصة ، فهو فتحى غانم الذى قال لى « إن كنت تصغر فى العمر ممن تتعامل معه فإعلم أنه فى حاجة لتزويد واقعه بما فى خيالك من أحلام ، وإن كنت أكبر ممن تتعامل معه فأعلم أنك بحاجة لمعرفة ماذا قدم لك ما فى تاريخه من خبرات « . وعلى ضوء ما علمه لى فتحى غانم فى لقاء كنت فيه إبن السادسة عشرة كان هذا هو ميزان محبتى لما يكتبه محمد حسنين هيكل ، ولا أدرى لماذا إستقر فى وجدانى عن هيكل انه روائى أصر على ان يعيد صياغة ما نعيشه من معارك صناعة الأمل كفصول مكتوبة بنقاء له نسيم الشعر؛ فبدت كلماته كفصول روائية لها قائد هو جمال عبد الناصر وسوف نصل بها إلى ذلك الكوخ السعيد الذى رأيته وحدى فى قاع عيون حبيبتى . ولم تكن ايامى السكندرية منفصلة عما فيها من موسيقى ، وهل انسى ذلك المساء الذى إرتديت فيه أناقتى لأقبل دعوة صديق أيامى السكندرية الفنان سيف وانلى الرسام المصور القادر على عبور المتوسط بخياله لينافس رسامى أوروبا ، وكانت صديقة عمرى بجانبى ونحن نحضر حفلا موسيقيا فى مسرح سيد درويش حيث قدمت أوركسترا قادمة من إيطاليا بعضا مما ألفه ريتشارد فاجنر، هذا الذى علمنى سيف وانلى كيف أسمع موسيقاه بعيونى وأرى ما فى الموسيقى من أحداث تتراوح بين ما تلده الموسيقى فى خيالى وتروى ملامحه و تحكيه الكلمات المطبوعة داخل بطاقة تقديم الحفل الموسيقى والتى توزع دائما على الحضور. وكانت الموسيقى هى بعض من أوبرا تانهاوزر لهذا الذى عاش بلا إحترام لاى حق فى الحياة سوى حق الحب ؛ وأوبرا تانهاوزر بإختصار هى قصة عاشق أحب واحدة حتى النخاع لكن إلهة غرام آخرى عصفت بقلبه ، ولم ترض الحبيبة الأولى أن تعود إليه إلا بعد أن يقوم برحلة حج يغسل بها اعماقه من الغواية . ولم يكن سيف وانلى قارئ كف عندما قال فى نهاية الحفل ، العاشق الذى صوره فاجنر يمثل فى حياتنا الاستاذ هيكل الذى اغوته السياسة فحولها بقلمه إلى رواية نقرأ فصولها كل اسبوع عبر مقاله» بصراحة « فلم تخسر الرواية كاتبا عملاقا بل كسب المصريون والعرب رجلا يجيد بناء الامل فى واقع لا يصحو من نوم حتى ينام من جديد . وتصبح مهمة هيكل هى إيقاظ هذا المتناوم حتى يصعقه ما ينتظره من اهوال . .............................................. كبرت ايامنا لنرى أستاذنا هيكل وهو يمسك بقدرة جبارة جهازه العصبى حين يموت صانع الامل عبد الناصر . ويتولى قيادة دفة الوطن بتوجيه كل طرف إلى مهامه التى يطلبها منه الوطن الجريح ؛ فيهديء من روع المتمسكين بتراث عبد الناصر ويدفع السادات إلى ممارسة مهامه كقائد ويرسم معه على قدر استيعاب السادات لما يمكن أن يقوم به ، وكان السادات عكس ناصر؛ فناصر صانع حياة مقتدر تم حصاره لسنوات بواسطة تخلف قائد جيشه ، عبد الحكيم عامر ، بينما كان السادات محاصرا بواسطة احلام الناس التى ترغب فى إسترداد سيناء وكل الأرض العربية, ولم تكن ظروف الكون تسمح له بالكثير ، ولكن على ضوء خارج من عقل هيكل يمضى السادات فى تقديس الجوهر المضيء وهو مجمع العقول الكبيرة, فى العسكرية المصرية فيكون جيش المليون مقاتل متعلما بما رسمه عبد المنعم رياض وصحبه فيأتى العبور فى السادس من أكتوبر وليكتب أستاذنا هيكل أمر القتال الذى يتحقق به النصر . وتشاء ظروفى أن أرى عبد الحليم حافظ وهو يمسك بمقال هيكل ليحوله إلى اغنية « عاش اللى قال الكلمة بحكمة فى الوقت المناسب » واقول يومها لعبد الحليم « طاقة السادات على العمل لا تقوى على الاستمرار » فيقول لى « نعم .. سيحاول ان يبتعد عن هيكل ليقرأ مستقبله فى فنجان القهوة الأمريكى » ويتحقق ذلك بخروج هيكل من الأهرام فى عام 1974 . ويعلق «عبد الحليم» لن يجد السادات مثله مفكرا كبيرا ولكن من اقترب من هيكل يستطيع ان يعلم يقينا ان افكاره ستكون أشجارا وارفة.وصدق على قول عبد الحليم صديقنا المشترك الفنان يوسف فرنسيس الذى قال « من بنى جريدة الأهرام كما هى حاليا وبمن فيها من كبار المفكرين؛ يمكنه بناء تاريخ بلد» . ولأن نسبة السكر ارتفعت فى جسد يوسف فرنسيس قام بإعطاء نفسه جرعة الأنسولين بإبرة مصنوعة من الذهب الخالص جاء بها عبد الحليم من رحلة أخيرة للندن . ومنذ 1974 استراح هيكل من مهمة هز كسل السادات ليحكى قصة الوطن عبر الحلم والإنكسار . وفى لقاء مع سيف وانلى وكان مشدوها لعجز السادات عن استيعاب طاقة الامل فى قلم هيكل ، قال لى «هل تعرف أحدا يقول للسادات أن محمد حسنين هيكل هو فاجنر القادر على تحويل موسيقى حركة المجتمع فنستكمل رحلة بناء العدل الاجتماعى وحسن استغلال الثروة العربية فلا نصرفها على الاقتتال العربى ؟ ضحكت قائلا لسيف وانلى «هل تظن أن المنتبه إلى أناقة الملبس بهذا الشكل قادر على بذل الجهد ليواصل ما تم فى الخطة الخمسية الاولى التى اعطت جيلى ومليون مقاتل فى جيش الإنتصار فرصة لتصديق ان مصر هى وطنهم بالواقع لا بالحلم ؟ ولم نفقد هيكل كقارئ لكف مستقبل الوطن وما يحيط به من تآمر وما ينبع داخله من أحلام فمضى يكتب ويوثق ما عاشه وعشناه. ولعله رحل مستريحا لأن الوطن تخلص من حالة التكلس السياسى التى أورثتنا إياها ثلاثة عقود من حكم مبارك . .............................................. وتظل حديقة الشلالات تتوسط الإسكندرية ومازال الكازينو الذى يتوسطها يحمل لى رفرفة عشق خلال الرواية «البيضاء » ليوسف إدريس ، هذا الشرقاوى الذى خرج كعاصفة صاعقة من نفس الأرض التى وهبتنا احمد عرابى الرافض لعبودية وطن لشركس أو أرناؤوط أو عثمانيين . وإذا كان عرابى قد إنكسر فقد أنجبت الشرقية عشرات ممن صار عليهم تحقيق نبوءة أن مصر لأبنائها . ويوسف إدريس هو واحد من هؤلاء الأبناء . وعلى الرغم من عظمة كل ما كتب إلا أن رواية البيضاء كقصة حب ضارعت فى خيالى رواية « الحب الأول» لتورجنيف ، والأحمر والأسود لستندال بل وطالت قامتها الشاهقة فى خيالى لتضارع « دروب الحرية » رواية جان بول سارتر الأثيرة فى قلبى . وتتخطى فى بساطتها وإنسيابيتها معظم قصص الحب التى صاغتها أقلام كتاب كثيرين . وكان يوسف إدريس هو نجم مقهى عبد الله بميدان الجيزة . وكان أغلب أبناء جيلى يحجون إلى المقهى باعتباره بوابة الالتحاق بموكب العظام بدءا من د. محمد مندور إلى الكاتب الذى لا نظير لسخريته المثقفة محمود السعدنى إلى زكريا الحجاوى عاشق الفن الشعبى والذى دار مصر من اصغر قراها إلى أكبر مدنها رغبة فى قراءة ما تهبه موالد الأولياء الصالحين من موسيقى ورقص وغناء وطرب. وعندما كان المساء يأتى وأسمع النداء القائل « ألن تذهب إلى مقهى عبد الله ؟ فكنت أتساءل » لماذا اذهب ؟ فتأتينى كلمات واحد من أبناء جيلى « لنرى يوسف إدريس أو زكريا الحجاوى أو أحمد عباس صالح أو رشدى صالح أو صالح مرسى » وكان لى رد واحد هو « ما أبدعه هؤلاء لا يوجد بالمقهى بل بما كتبوه وأودعوه كتبهم ، وأنا أفضل قضاء وقتى مع ما أبدعوه وأنا جالس على مكتبى فى بيتي» وحدث أن جاء يوسف إدريس لزيارة روز اليوسف ودخل صالة تحرير صباح الخير ، فقام كل من الكاتب المقتدر صبرى موسى بتحيته وقفز صالح مرسى من على مكتبه ليرحب به ووقف عبد الله الطوخى ليدعوه إلى فنجان شاى ، أما أنا فقد قلت له جملة واحدة « قرأت كل حرف كتبته ولكن أقرب ما كتبت لقلبى هو رواية «البيضاء» . ضحك ليقول « لابد أنك لست يساريا بما يكفى « فقلت أنا لا يهمنى يسار أو يمين لكن يهمنى ألا يسير الحب معلقا بسقف الحلم لتشنقه السياسة بحبلها الغليظ «. فضحك قائلا : وأنا معك «. ثم تركنا إلى غرفة رئيس التحرير فتحى غانم. وينادينى فتحى غانم ليقول لى أمام يوسف إدريس « ماذا قلت له ليطلب لقاك ؟ « قلت اعلنت له إعجابى برواية البيضاء فهى قصة الحب الحالم بمستقبل ولكنه مقهور بالسياسة يطارده البوليس والجواسيس . يضحك يوسف إدريس كثيرا ويدور بينه وبين فتحى غانم حوار حول رواية فتحى الاثيرة لقلبى بغير حد « تلك الايام « فهى قصة استاذ تلخص قدرته على إبداع قراءته للتاريخ لأن التاريخ فى بلادنا لا يقول الحقيقة ، ويتزوج من تلميذته العاشقة لإنسان يحترف صناعة التاريخ بالمسدس . وتظل البطلة بجمالها وسذاجتها ورغبتها فى الذوبان فيمن تحب هى الموسيقى المتراقصة فى قلبى . وأقطع حوار فتحى غانم ويوسف إدريس لاسألهما « هل سيصل المجتمع ذات نهار إلى ان يوفر لاى إثنين عاشقين حق البيت الصغير الذى يسع الاحلام ؟ يضحك فتحى غانم ويسرع يوسف إدريس بالإجابة « إسأل جمال عبد الناصر هذا السؤال» . فأقول : لو سمحت لى الظروف سيكون هذا هو السؤال الاول الذى اسأله له . وتدور الايام لالتقى به وكل منا يزور عبد الحليم حافظ وهو مريض. ويبدى يوسف إدريس قلقه ورفضه لعدم وضع البلهارسيا كعدو واضح فى حركة مصر العامة . وكان عبد الحليم رغم المرض يجرى بروفة « قارئة الفنجان « وأخذت عيون يوسف إدريس تبرق وهو يتابع مدى تضافر الآلات خصوصا قيادة حسن انور لكل مليمتر من الرق الذى يدق عليه باصابع تروى الولع بما يحكيه صوت عبد الحليم. يقول لى « قارئة الفنجان « هى ترجمة لرواية البيضاء التى أعجبتك . ونغادر بيت عبد الحليم ليتجه كل منا إلى إتجاه ، ثم يتوقف ليقول « سأكتب عن قارئة الفنجان « سألت : وهل ستأتى بسيرة رواية البيضاء ؟ . قال : طبعا لا . لأن السياسة فى الشرق لها حذاء ثقيل يدهس قصص الحب بقلب بارد . ولم يندهش يوسف إدريس وأنا اطلبه تليفونيا لارجوه الحضور إلى روز اليوسف لأوقع معه عقد إعادة نشر رواية « البيضاء « وبفرحة طفل جاء ليستقبل الرواية مطبوعة ومعها شيك مكافأة النشر؛ فلم ينظر إلى الرقم المكتوب على الشيك ، بل راح يقلب صفحات روايته كانه يستعيد احلامه القديمة وأخذ يتابع بعيونه سطور ما كتب ويسألنى : لماذا لا اتصل به ككثير من ابناء جيلى ؟ فتكون إجابتى « فى حياتى عدد من النجوم أصحاب جاذبية قادرة على أن تجعل نجمى الخفيف يدور فى مدار أى منهم؛ لذلك احرص على متابعة إنتاجهم دون اقتراب من دائرة جاذبية اى منهم . يضحك سائلا « من هم ؟ فأقول : الاستاذ هيكل وانت ومن قبلكما نجيب محفوظ . فتجلجل ضحكاته ليذكرنى بقولى ونحن فى ضيافة د. عاكف ابادير النحال على العشاء بمقهى يملكه واحد من كبار رجال المافيا بنيويورك . وكان هناك فى رحلة علاجية ومرت امامنا سيارة كاديلاد كبيرة نزل منها حارسان يمسكان بمدافع رشاشة ولينزل منها كبير من كبراء المافيا فيقول يوسف إدريس « هؤلاء هم قتلة الحب يا استاذ منير» وطبعا إندهش تماما عندما رأى الجرسون يرفض آن يدفع عاكف فاتورة العشاء ببطاقة الإئتمان بنكية . وقال عاكف للجرسون كلمات اسف ثم احرج حافظة النقود ليدفع مقابل العشاء عدا ونقدا وليقول لنا عاكف « المافيا هنا فى حى إيطاليا الصغيرة النيويوركى لا يتعاملون مع بطاقات الائتمان كبقية محلات نيويورك . هم يحبون النقود طازجة وحية ويتركونها لعائلاتهم مكدسة فى خزائن بعد الموت . .............................................. وكانت ام كلثوم تشدو بالاطلال وكان ليلى الساهر يقوم بترتيب اسئلة للروائى نجيب محفوظ. وكنت التقيه بالتحية فقط عندما اتناول غدائى فى السادسة من ظهر اى يوم ؛ ويظهر هو فى موعد محدد ليحتسى القهوة فى مقهى ريش . وبعد إننهائى من الغداء اقوم إلى بيتى تطبيقا لمبدء ان نجمى خفيف ونجيب محفوظ هو نجم هائل الجاذبية ومن الافضل لى الا اتوه فى جاذبية الدوران حوله. وكانت هزيمة يونيو قد اختتمت عامها الاول وصرنا فى بدء عامها الثانى نتساءل « متى الحرب ؟ « ولا مجيب . طلبت منه موعدا لإجراء حوار حول آلام الهزيمة وكيفية الوصول إلى النصر ، واخترت عنوان الحوار « عشرة اسئلة فى السياسة وسؤال واحد فى الحب « . وكان اللقاء فى مكتبه بالدور الثانى بقصر عائشة فهمى حيث كان مستشارا لثروت عكاشة وزير ثقافة مصر . فى اللقاء قلت ان أم كلثوم بقصيدة الاطلال تتحدث فى السياسة . ضحك وقال : كل ما فى الكون هو سياسة . تساءلت لكن الحب صعب فى زمن انتظار القتال . قال . الهزيمة مازالت طازجة تنزف جراحنا منها ولا حب مكتمل فى زماننا هذا إلا بالغياب عن الواقع . قلت : كأنك تقرأ موجز الثلاثة أجزاء المكونة لرواية سارتر « دروب الحرية « فقال هو فيلسوف كبير وروائى متميز ، ولكن البحث عن الزمن المفقود اكثر توغلا فى المشاعر ، وعلى ايه حال لكل روائى آفاقه التى تخصه . أقول : اعلم انك عاشق لام كلثوم فهل غنت قصيدة الاطلال لنبكى معها على حالنا السياسى ؟ قال : لا اظن أنها فكرت فى ذلك فقد غنت القصيدة قبل الهزيمة ولكن عندما تسمعها بعد الهزيمة فالكلمات تقود إلى كشف القناع عن الآلام الداخلية . سألت : وهل سننتصر ؟ أجاب يؤكد التاريخ ان الانتباه إلى آلام الهزيمة يلقى لك الضوء على حتمية الانتصار . .............................................. تلك ثلاث لمحات عن ثلاثة نجوم باهرة أصررت فى حياتى على الاستفادة من ضوء اى منهم الظاهر وتعمدت ألا أدور فى مدار جاذبية أى منهم لأن نجمى خفيف سريع الإنجذاب وقد اكتفيت فى حياتى بالدوران حول نجمة حب اثيرة مازالت موسيقها تضئ جنبات الروح.