لأنه تفوق على فيلم "الكنز" لأسطورة الإخراج شريف عرفة ، في مجمل إيرادات عيد الأضحى الفائت ، وحصد 35 مليون جنيه ، خلال أيامه الثلاثة ، ولم يتسنَ لي مشاهدته نظرًا للزحام الشديد على تذاكر أفلام العيد وقتها ، فقد قررت أن أراه ب"روقان" ، بعد انتهاء العيد وزحمته ، وخاصة أنني من عشاق النجم الوسيم أحمد عز . وبالفعل مضى العيد ، ككل أيام العمر ، سريعًا ، وفِي إجازة نهاية أول أسبوع بعده ، قررت أن أشاهده ، ومثل كل أب لابد أن أصطحب أولادي معي ، وهذا ما حدث بالفعل ، وتوجهنا في إجازة ال"ويك إند" لمشاهدته في سينما أحد المولات المشهورة بمدينة نصر ، ومعنا الفشار اللذيذ ، لمزيد من المتعة ، كعادة كل المصريين . من أول لقطة ، والفيلم يشدنا بأحداثه المنسابة بسلاسة وتشويق ، رغم أن القصة تقليدية ، وهي الإرهاب ، ولكن يحسب لصناع الفيلم أنها برغم تقليديتها ، فإنها مناسبة لتوقيت ظهورها ، لأنها تناولت أحد أهم الأحداث التي مرت في أدق وأصعب مرحلة بتاريخ مصر ، وهي العملية الإرهابية الخسيسة ، التي قادها أذناب الإخوان ، لتصفية النائب العام المصري وقتها المستشار هشام بركات ، وبالفعل بدأت أحداث الفيلم بمشهد تفجير موكب النائب العام ، ليكون نقطة انطلاق بقية الأحداث ، وقد أضفى السيناريو الذي كتبه السيناريست المتمكن صلاح الجهيني ، وجمله الحوارية السهلة القريبة من الناس ، والتي جاءت متناغمة مع كل مشهد ، قوة وداعمًا أساسيًّا في نجاح الفيلم جماهيريًّا . ونأتي لنجم الفيلم أحمد عز ، الذي نضج من كل الوجوه ، فنيًّا وجسديًّا ، وشخصيًّا ، وتحدى نفسه في شخصية "سيف" ضابط العمليات الخاصة في الداخلية ، فأخرج كل طاقاته ، وتألق تألقًا مذهلًا في أداء كل المشاهد مهما كانت صعوبته ، فتساقطت دموعه الحارة وأخذ يصرخ كالمجنون ، عندما استشهد رفيق عمره في العمليات الخاصة ، في عملية الهجوم على كتيبة الإرهابيين ، التي قادها الإرهابي منفذ عملية تفجير موكب النائب العام ، فأبكانا بصدق دموعه في التراجيدي ، وأذهلنا بروعة أدائه في كل مشاهد الأكشن ، برشاقته ، وبنيانه المفتول ، الذي صنعه بمهارة ، ليظهر بمظهر النجم العالمي ، وخاصة في مشهد تفجير زوجة الإرهابي نفسها ، قبل أن يلقي القبض عليها ، ليطير بمنتهى خفة الحركة ، مخترقًا زجاج شباك المنزل ، الذي تحول لشظايا تتناثر من حوله ، فيما تحول المكان لجحيم من النيران ، في مشهد جبار ، ظلت الجمهور في صالة العرض يصفق له أكثر من دقيقتين . ولم يكتفِ بذلك بل أطار عقولنا في المشهد الختامي للفيلم ، ومعركته المستعرة مع الإرهابي ، الذي تحول فيه لبطل حقيقي لايقل في إمكاناته ومهاراته عن نجوم العالم في الأكشن ، مستخدمًا فيها كل حواسه ، من خلال نبرة صوته ، وتعبيرات وجهه ، ومرونة جسده الفائقة في شجاره المحتدم مع خصمه ، ثم صراعه مع الزمن لإبطال القنبلة الناسفة قبل انفجارها بركاب مترو الأنفاق ، ومحاولته الجنونية لإيقاف قطار المترو الذي لقي سائقه مصرعه برصاصة أثناء تبادل إطلاق النار مع الإرهابي ، في مشهد أكثر من رائع ، تفجرت فيه كل إبداعاته ، فذكرنا برامبو والرجل العنكبوت ، بل وأفضل ، وهو يهزم الشر والإرهاب وقبح التطرّف ، وينتصر لشخصية رجل الأمن ، البطل الحقيقي ، المظلوم دائمًا ، رغم أنه حامي الأرواح المتفاني في حب وطنه ، لتضج الصالة كلها بالتصفيق المدوي في نهاية الفيلم لأكثر من 5 دقائق ، لايريدون مبارحة أماكنهم ، وتكون أكبر جائزة لعز هي حب الجماهير ،اقتناعًا بقدراته وفنه الذي استوى على عوده . أما الرومانسية ، فأبدع فيها عز كعادته ، الوسيم الرشيق الممشوق ، وزاد رومانسيته جمالًا ، بخفة ظله مع الجميلة الرقيقة أمينة خليل ، التي جسدت دور حبيبته ، بأداء ناعم ، لوّن قصة الحب بينهما بلون رومانسي رهيف ، تخللته إيفيهاته الضاحكة التي كان يطلقها من حين لآخر ، فيخرج المشاهد من الجمود على حالة واحدة من التركيز الشديد في تلاحق الأحداث ، وإثارة الأكشن ، لحالة من الفكاهة ، وخلق جو من المرح اللذيذ ، يبني جسرًا من الهارموني مع جمهوره ، ويغير موده في لحظات ، وهي إمكانات نجم عالمي ، وهو مايؤهله بجدارة لمنافسة السقا ورمضان على لقب نجم مصر الأول ، وأعتقد أنه تفوق عليهما بنكهته الفنية الخاصة جدًا ، وهو الآن يهدد عرش رمضان بقوة . أما مفاجأة الفيلم فكان النجم السوري العظيم سامر المصري ، صاحب الأداء الرهيب ، لشخصية الإرهابي ، التي تفوق فيها على نفسه ، بتجسيده المذهل لدور الشر ، ومن فرط طبيعيته وتقمصه تلك الشخصية الصعبة بكل كيانه ، وخاصة عينيه اللتين كانتا تتوهجان بالتمرد والكره والتحدي ، كرهه الجمهور كرهًا شديدًا ، وتمنى كل من في الصالة موته ، من بشاعة الغل الذي تفجر به وجهه ، منتهى الصدق والاحترافية في معايشة الشر ، وأعتقد أنه دور حياته ، ويستحق عليه جائزة في الأداء المتمكن . وبالنسبة لباقي نجوم الفيلم ، فقد جسدوا سيمفونية ساحرة من الأداء المتناغم مع البطل عز ، برز منهم بقوة محمد ممدوح اكتشاف السينما المصرية خلال السنوات الأخيرة ، بقدراته الفائقة في تجسيد كل الألوان التراجيدي والكوميدي ، ثم الأكشن الذي برع فيه ، وصنع فيه دويتو مع عز ، شدنا جميعًا ، من أول دقيقة بالفيلم ، ويستحق هذا الفنان النجومية ، ولقب "غول تمثيل" ، فهو يستطيع أن يوصل إحساسه للمتلقي بمنتهى الانسيابية ، حتى لا يشعر بأنه يمثل ، وأنه يعيش حياته في الواقع ، وهذا قمة التمكن ، ومن بعده أبهرتنا النجمة ريهام عبد الغفور في شخصية زوجة الإرهابي ، تنظر لها وهي تمثلها ، فتشعر وكأنك تتعامل بالفعل مع امرأة مغيبة العقل تمامًا ، وفِي الوقت نفسك تستدر عطفك برقتها وجمالها ، فتتمنى لو تنجو من مصيدة التطرّف ، التي أدخلها فيها زوجة عنوة ، فغرقت فيها حتى قدميها ، بسبب حبها المفرط له ، وكان مشهد حديثها مع أمها ، الذي لامتها فيه على مافعلته بنفسها ، بزواجها إرهابيًّا ، وهي بنت الحسب والنسب ، لتشعر بالندم ، فيعقبه مشهد تفجيرها الدامي نفسها ، من خلال متفجرات خبأتها تحت ردائها الأسود ، من أصدق مشاهد الفيلم وأكثرها تأثيرًا في المتلقي ، وهما مشهدان محوريان في الأحداث ، وأخيرًا ظهرت النجمة الشابة أمينة خليل في دور حبيبة البطل "الضابط سيف" بأداء متواضع ، لم يضف لها شيئًا ، وجاء أقل بكثير من أدوارها السابقة ، التي لمعت فيها بشدة ، وخاصة دوريها في مسلسل "جراند أوتيل" ، وفيلم "الكنز" ، وإن جذبت الأنظار برقتها وتلقائيتها اللتين تميزان شخصيتها الفنية . ومسك الختام ، كان إبداع المايسترو المخرج العملاق طارق العريان ، الذي لا يقل إبداعًا عن الأسطورة شريف عرفة ، في إخراجه "الخلية" ، لقد اعتلى قمة الإخراج بهذا الفيلم النوعي : موسيقى تصويرية من أروع مايمكن ، كانت تتحدث عن المشهد بدون كلام ، واختيار عبقري لأماكن التصوير ، أبرزت جمال مصر ، زادتها روعة الكاميرا المتحركة ، التي كانت تحمل عيوننا معها لكل مكان ، وتدخلنا لأدق التفاصيل ، وكأنك تعيش فيها ، وديكورات مصنوعة بمنتهى المهارة لتعكس مناخ الفيلم ، أجملها ما كانت في شقة البطل سيف الفارهة التي تقع في ميدان طلعت حرب ، وتعملق العريان في الاهتمام بكل مشهد ، ومنحه كل الصدق ، وأهمها مشاهد الصراع ، والانفجارات ، التي لعب فيها الماكيير دور البطل الخفي ، وظهر هذا جليًّا في مشهد عز بعد انفجار العبوة الناسفة في المترو ، فقد برع الماكيير في إظهار الحروق التي اكتسى بها كل جسده ، وجاء قمة إبداع العريان في آخر مشهد بالفيلم ، إذ انتقل بمنتهى النعومة بالمشاهد من شدة الصراع لقمة الرومانسية ، بلقاء سيف حبيبته ، على حمام السباحة ، بعد الزواج الذي كلل قصة حب ، تأرجحت كثيرًا بين السقوط والاستمرار ، حتى اكتملت في أجمل نهاية .. باختصار فيلم مصري خالص بإمكانات عالمية ، يستحق المشاهدة أكثر من مرة دون كلل أو ملل ، والمنافسة باسم مصر في المحافل العالمية . [email protected] لمزيد من مقالات ياسر بهيج;