حركت زيارة لاحدي دول أوروبا الشرقية مؤخرا الكثير من المشاعر التي افتقدناها جميعا علي مدار السنوات الأخيرة من حب أسري وترابط عائلي وعلاقات حميمة مع الجيران ،فهذه الجارة تدخل صباحا دون موعد مسبق لتحتسي القهوة معنا في الشرفة ،وأخري تقوم بعمل المخبوزات الطازجة لتناولها جميعا علي الافطار،وثالثة تمر علينا في طريقها للسوق لتسألنا عن احتياجاتنا وتدعونا علي الغذاء مع اسرتها ،وهناك يستمع أطفال الحي باللعب معا في الحديقة الجد والجده مع الاحفاد والابناء والاصدقاء والجيران في جو كله حب وموده ودفئ. باختصار حتي لا أطيل عليكم ،فقد لمست حياتهم الجميلة البسيطةعقلي وقلبي التي خلت تماما من كل وسائل التواصل الاجتماعي المزعومة ، والتي تم استبدالها بوسائل تواصل انسانية حقيقية. لقد كنت الوحيدة تقريبا التي تنظر في هاتفها المحمول بين لحظة وأخري لاتابع ما يجري في العالم وفي مصر و "الفيس والواتس والميل" ، وعندما لاحظت نظرات البعض لي وكأني من كوكب آخر أغلقت الهاتف فورا وبدأت أسأل نفسي هل أسعدنا مارك أم سبب لنا التعاسة ؟هل عندما قربنا مارك من العالم الافتراضي حرمنا متعة التواصل الحقيقي؟ هل ضاعت المشاعر الحقيقية الي الأبد؟ هل أختفي الود والوصال ودفئ العلاقات بلا رجعة ؟ أفكارا كثيرة دارت في عقلي لم تكن ايجابية منها صورة الجدة التي انتشرت مؤخرا علي وسائل التواصل الاجتماعي وقد ألتف حولها أولادها وأحفادها لا ليحتضنوها أو ليسألونها عن حالها ،بل لأداء واجب الزيارة في العيد فقط .ولكن الحقيقة بالموجعة هي ان أن الكل مشغول بهاتفه المحمول يقرأ الرسائل ويرد عليها ويتابع أصدقائه علي الفيس وما الي ذلك ،حتي نطقت الجده "ياليتكم تركتمونتي أنام كان هذا أفيد لي!" وقصة أخري حكتها لي احدي الزوجات التي انفصلت عن زوجها بسبب مغامراته العاطفية علي الفيس بوك مع سيدات يتواصل معهن يوميا علي مرآي منها ،ويرسل لهن أجمل النكات والكلمات من مديح واعجاب وتقدير للجمال مغلفة بمشاعر زجاجية من وراء شاشات المحمول ،الا انها كسرت العلاقة الزوجية الحقيقية للأبد .. وهناك آلاف القصص التي تشبه قصة صديقتي. وفي "الكافيهات " وأتحدث تحديدا عن مصر أصبحت نادرا أن تري اثنين يجمعهما حوارا ،ولكن المشهد المألوف الآن هو أن معظم رواد هذه الأماكن أصبحوا يميلون "للتوحد" أكثر من الاختلاط ،فكل مكتفي بجهازه وبعالمه الافتراضي. أما مجانين "السيلفي" فهذه قصة أخري لفتاه تتصور فوق ناطحة سحاب في دبي وصديقها يجذبها من ذراعها وجسدها متدلي الي الأسفل ،من أجل الفوز بلقطة هي علي استعداد أن تدفع ثمنها حياتها لو صديقها أفلت يدها.وآخر يلتقط آخر صورة في حياته قبل أن يبتلعه حوت هكذا قال أصدقائة بعد أن نشروا الصور ! وحكاية أخري حديثة جدا لأب من احدي الدول العربية يلتقط صوره لطفله بعد لحظات من ولادته مع الممرضة وزوجته تطل علينا بعد الولادة بشكل فاضح وهو لايدري انها في الصوره!وقصص كثيرة وكثيرة لضحايا هذه التكنولوجيا من سرقة الحساب وتشويه السمعة والابتزاز وغيرها وفي النهاية أسأل هل أسعدتنا أم دمرتنا مع العلم اننا اصبحنا لا نستطيع الاستغناء عنها؟ لمزيد من مقالات جيلان الجمل;