لا شك فى أن قدوم 95 من ممثلى الدنيا لحضور مؤتمر الشمول المالى الذى شهدته شرم الشيخ قبل أيام كان حدثًا فى منتهى الأهمية بالنسبة لمصر. ولا شك أيضًا فى أن اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بنفسه بهذا المؤتمر يعنى أن مسألة الشمول المالى هذه مسألة مهمة جدًا . لكن بذمتك وأنا راض ذمتك هل سمعت من قبل عن هذا المصطلح؟ وهل خرج علينا فى الميديا قبل المؤتمر من يوضح لنا نحن البسطاء محدودى الدخل والتعليم والثقافة الاقتصادية من شرح لنا يعنى إيه شمول مالى؟ إن كلمة شمول فى ذاتها تعنى أن يشتمل الشىء على كل شىء، وبالتالى فإن الشمول المالى يعنى أن يشمل مال الناس كل الناس فتعم الفائدة الجميع. فهمت حاجة؟ شكلك موش فاهم.. معلهش تعال نحاول الفهم سويًا أنا وأنت. الشمول المالى يعنى أن تمتد خدمات البنوك المالية والمصرفية إلى كل أفراد المجتمع لا أن تقتصر على طبقة رجال الأعمال الكبار فقط، ومن ثم يكون الصغير منا قبل الكبير قادرًا على التعامل مع البنك مباشرة وبمنتهى اليسر والسهولة. وإذا تحقق هذا ستكون النتيجة أن كل فلوس البلد تكون فى متناول كل ناس البلد. طبعًا .. أليس اسمه «شمول»؟ هذا يقتضى بالتبعية أن يكون لكل واحد منا حساب فى البنك. قل لى ولا تخشَ الملامة: هل لك حساب فى البنك يا عم الحاج؟ طبعًا ستفتح لى صدرك وتزم شفتيك وتهتف: أكيد يا أستاذ إنت فاكرنى إيه؟ طيب فيم تستخدم هذا الحساب؟ أنا سأقول لك: إن علاقتك بالبنك تبدأ وتنتهى عند سحب راتبك من ماكينة الصرف وكفى الله المؤمنين القتال. لا يا حبيبى ليس هذا هو الشمول المالى. ستجادل قائلًا: ليس هذا فحسب، بل عندى وديعة فى البنك أيضًا.. أحصل منها فى أول كل شهر على قرشين حلوين أفتح بهما البيت وأنفق منهما على العيال وأم العيال. وسأقول لك: لا يا حبيبى.. إن الشمول المالى لا يقتصر فقط على «حِتّة» وديعة هايفة لا راحت ولا جت، وإنما أن يمتد تعاملك مع البنك إلى كل كبيرة وصغيرة من تفاصيل حياتك الوظيفية والتجارية والضرائبية ودفع الفواتير وشراء مستلزماتك من سوق السلع، فهل كل من له نشاط اقتصادى فى مصر يمارس هذا النشاط من خلال البنوك؟.. أبدًا وحياتك. وسأذكر لسيادتك بعضًا من الأمثلة: محلات الكشرى والفول والطعمية والكنافة بالمكسرات والآيس كريم.. هل يشملها الشمول المالى؟ إنك ستجد أصحابها إن سألتهم هذا السؤال يردون عليك «يا عمّ وأنا مالى!». طيب والباعة الجائلون أصحاب العربات الخشبية أم يد.. والذين ينتشرون على نواصى الشوارع والطرقات فى العاصمة والمحافظات كافة.. هل هم مشمولون بهذا الشمول؟ إن لسان حالهم يصرخ فى وجه الجميع «وأنا مالى!». تستطيع حضرتك الحديث عن مئات بل آلاف الأنشطة المماثلة، والتى بالمناسبة يصل حجم التمويل فيها إلى مئات المليارات. كل هذا وغيره يتم خارج النظام المصرفى للبلد فلا يستفيد منه المجتمع وعلى عينك يا تاجر والكل يعرفون. وهنا قد يطيب لك أن تسأل: ولازمته إيه البنك مع صاحب عربة فول أو بيّاع تين شوكى جنب الرصيف؟ آآآآآه .. هنا مربط الفرس يا سيد الناس. ألم نتفق على أن الشمول يشمل كل شىء؟ هذا هو صدق أو لا تصدق معنى الشمول المالى. واضحة أم نقول كمان؟ ستسأل: وما جدوى كل هذه «الدوشة»؟ ما الفائدة التى تعود على المجتمع؟ سأطرح على جنابك مثالًا واحدًا ورزقى ورزقك على الله. أنت مثلًا مثلًا سوف تخرج يومًا ما إلى التقاعد (كلنا سنخرج يا حبيبى فلا تتعجل). وستأخذ إن شاء الله مكافأة نهاية الخدمة (فى عين العدو). قل مثلًا إنها 100 ألف جنيه ( ربما كانت أكثر ربنا يبارك لك). فماذا ستفعل بها؟ إنك حتمًا ستهرول إلى البنك لتجعلها وديعة تحصل عنها على 20% فائدة .. يعنى 20 ألف جنيه فى السنة (يا عمّ مين قدك). لكن ماذا لو شملك الشمول المالى فساعدك البنك على إقامة مشروع (محندق على قدك) تكسب من ورائه أكثر من العشرين ألفًا هذه كل عام؟ إنك حينئذٍ ستظل تعمل بدلًا من قعدتك بجانب أم العيال بالبيت (وقعدة البيت وِحشة بعيد عنّك)، وثانيًا ستحصل على عائد أكبر يعوض الفارق بين ما كنت تتحصله وأنت بالوظيفة ودخلك بعد خروجك للمعاش. لكن هناك على مستوى المجتمع كله ما هو أهم وأجدى. إنك بمشروعك النونو هذا ستتيح الفرصة لشابين أو ثلاثة ليساعدوك.. يعنى أوجدت فرص عمل لآخرين. الفكرة هنا أن الشمول المالى يتيح لأفراد المجتمع فرصًا أكبر للعمل مما يؤدى فى نهاية المطاف إلى مزيد من الإنتاج، ومن ثم معدلات تنمية ونمو أعلى فنتقدم لنلحق بالأمم التى سبقتنا. ثم لا تنسَ أن المال المحبوس فى خزائن البنوك كودائع لا تُدفع عليه ضرائب فتخسر الدولة مليارات ومليارات كان يمكن استخدامها فى توسيع القاعدة الضريبية بما يعالج البطالة ويزيل اليأس والإحباط والغضب من النفوس الشابة. الشمول المالى ليس بدعة من البِدع ولا رجسًا من عمل الشيطان بل هو أساس بناء وتقدم الدول الحديثة الراقية.. أما إن كنت أنت من معسكر «وأنا مالى» سعيًا لأهداف خفية ومصالح أنانية، فإن مصر الحديثة الناهضة لن تسمح لك بذلك.. وسوف يشملك الشمول المالى شئت أم أبيت!. لمزيد من مقالات سمير الشحات