كما أنه من حق عمرو موسى أن يأخذ على منتقديه أنهم اكتفوا باجتزاء جملة واحدة من كتابه الواقع فى مئات الصفحات، اتهم فيها عبد الناصر بجلب طعامه من سويسرا، وأنهم لم ينصفوه باستكمال القراءة، كما أنهم يفرضون قداسة تمنع أى نقد لعبد الناصر، فإن لهم أيضاً منطقاً قوياً بأن أى جملة هى معيار للمنهج الذى يطبقه المؤلف، وأن هذه الجملة تفضح غياب الدقة منه فى تفحيص ما يطرحه على القراء كحقائق فى حين أنها دعاية سوداء تُعبِّر عن انحيازات مسبقة للمؤلف تعوزها الدقة العلمية والموضوعية والنزاهة التى يجب أن يراها القارئ! وقد يكون من الغريب فى هذا الخلاف، الذى صار معركة يبدو أنها لم تنته بعد، أن الكثيرين ممن يتصدّون لموسى كانوا من أكثر المعجبين به طوال توليه وزارة الخارجية، عندما كان أكثر وزير خارجية فى مصر، وربما فى العالم، يوجه خطابه إلى الداخل، وكذلك عندما تولى أمانة جامعة الدول العربية، وكانت أشهر إنجازاته آنذاك طلته على شاشات التليفزيونات وصفحات الجرائد بعباراته الشهيرة التى كان يكرر فيها أنه على إسرائيل أن تعلم وأن تتعلم وأن تتفهم وأن تستوعب وأن تدرك أن طاقة العرب على التحمل قد شارفت على النفاد، وأنه عليها أن تُقرّ وأن تذعن وأن تعترف بالحقوق الفلسطينية، وأن تراعى وأن تحترم مشاعر المسلمين..إلخ، برغم أن بعض الفلسطينيين المشاركين فى مثل هذه المفاوضات التى تسبق تصريحاته اشتكوا من أنه كان يعتصرهم من أجل تقديم تنازلات تطالب بها إسرائيل! ولكنه لم يردّ على هذا الكلام الخطير!! لم يكن الجمهور المتابع لما يقوله موسى آنذاك، والذى يقارن ما يسمعه بمجريات الأمور على الأرض، سوى أن يكتشف التناقض! ولكن العبارات النارية المتكررة كل يوم كانت تلقى فى روع شعبان عبد الرحيم بوقع آخر، جعله يعلن محبته لعمرو موسى وكرهه لإسرائيل. والحقيقة أن من انتفضوا هذه المرة للدفاع عن صورة عبد الناصر ليسوا فقط جمهور شعبولا، وإنما من أحسّوا بمرارة أن تجىء الطعنة من عمرو. com ahmadtawwab@gmail. لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب