انقذوا أطفال العرب ومستقبل العروبة ! نداء هام يتردد بصوت مكتوم وسط موجات لا تنتهى من الضجيج والتشوش الذى غطى المنطقة العربية فى العقد الأخير من جراء الصراع على النفوذ والهيمنة والثروة. ومن المؤسف أن ذهبت عقول المتصارعين إلى أمور زائلة فى وقت تتم فيه التضحية، وبدم بارد، بأطفال العرب الذين هم مستقبل الأمة ومتخذو القرار فيها خلال فترة زمنية تتراوح بين عقد أو عقدين من الزمان!! فوفق تحليل أجرته منظمة "اليونيسف" مؤخرا فإن واحد من كل خمسة أطفال فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحتاج للمساعدات الإنسانية لأن من 90 فى المائة من هؤلاء الأطفال موجودون فى الدول المتأثرة بالنزاعات. فقد توصلت المنظمة التابعة للأمم المتحدة، والمعنية بحالة الطفل فى العالم، إلى أن النزاعات مازالت تسلب الطفولة من ملايين الفتيات والفتيان. ما شهدته منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من عقود من التقدم يواجه خطر التراجع فى الاتجاه المعاكس. وأن الأطفال هم أكثر من تعرض للضرر نتيجة سنوات من استمرار العنف والنزوح ونقص أو غياب الخدمات الأساسية. كما أن البنى التحتية المدنية غالبا ما تعرضت للاعتداء، بما فيها المستشفيات ومرافق الطاقة والمياه والصرف الصحى والنظافة، مما يجعل الأطفال عرضة لخطر الأمراض والموت. أما تلك المأساة فنبعت من تعرض الملايين من العائلات للإجبار على الفرار من بيوتها بل إن بعضها اضطر للفرار أكثر من مرة وتحت القصف. وقد زاد استمرار العنف والنزوح من صعوبة مواجهة الأطفال والعائلات لهذا الوضع. وحقيقة مع "عدم وجود نهاية قريبة" للنزاعات، وتضاؤل الموارد المالية للعائلات المضارة، لم يعد هناك خيار أمام الكثيرين سوى إرسال أطفالهم للعمل، أو لدفع بناتهم للزواج المبكر وذلك فى ظل أفضل الظروف المتاحة لأن هناك ما هو أسوأ حيث عصابات الجريمة المنظمة وتجارة الأعضاء والاتجار بالبشر. ومما زاد من خطورة الأمر أن تم رصد زيادة عدد الأطفال المنخرطين بالقتال ليتجاوز ضعف ما كان عليه فى سنوات سابقة. ووفقاً لأحدث التحليلات الصادرة عن الأممالمتحدة فإن الكارثة التى يمر بها أطفال العالم العربى تتمثل فيما يلى: فى داخل سوريا وفى الدول المضيفة للاجئين فارين من سورياوالعراق، يحتاج 12 مليون طفل سورى تقريبا إلى المساعدات الإنسانية وذلك بعد أن كان عدد الأطفال المحتاجين لمساعدات مقدر بنصف مليون طفل فى عام 2012. يتم تقدير عدد الأطفال الذين يعيشون فى مناطق محاصرة أو مناطق يصعب الوصول إليها فى داخل سوريا، ولم تصلهم خلال هذه السنوات إلا مساعدات محدودة، بنحو مليونى طفل!! وفى ليبيا فإن أكثر من 550 ألف طفل يحتاجون للمساعدة بسبب عدم الاستقرار السياسى واستمرار النزاع والنزوح والتراجع الاقتصادى وذلك بعد اجبار العائلات على الفرار بسبب العنف الشديد المنتشر فى بعض أنحاء البلاد. وأصبح هناك أكثر من 80 ألف طفل نازح، ويتعرض الأطفال النازحون على وجه الخصوص للإيذاء والاستغلال، بما فى ذلك من يقودهم مصيرهم التعس إلى مراكز الاحتجاز!! وفى اليمن، الذى كان يوصف بالسعيد، دمر النزاع أنظمة المياه والصرف الصحى، ما أدى إلى أسوأ حالة يشهدها العالم من انتشار للكوليرا وتفشى الإسهال المائى الحاد، مع وجود أكثر من 610 ألف حالة يشتبه فى إصابتها بالمرض حتى تاريخه. وأصاب العطب أكثر من نصف المرافق الصحية فى اليمن وتم تدمير شبكات المياه، مما أدى إلى حرمان ما يقرب من 15 مليون شخص من المياه الصالحة للشرب ومن الحصول على الرعاية الصحية الأساسية!! أما فى العراق، فيحتاج أكثر من 5 ملايين طفل فى مختلف أنحاء البلاد إلى المساعدة حيث اشتد القتال العنيف فى عدة مناطق. ويحتاج الأطفال إلى المياه والغذاء والمأوى وكذلك إلى التعليم!! وفى قطاع غزة، أدت أزمة الكهرباء المستمرة إلى انخفاض إمكانية الحصول على المياه بنسبة 30 فى المائة. كما تضاعفت خلال ثلاثة أشهر فقط حالات الإسهال بين الأطفال الصغار. أما إذا حاول هؤلاء الأطفال العرب الفرار مع ذويهم من مصيرهم ولو بعبور البحر المتوسط أو جبال طوروس للوصول إلى أوروبا، فإن ما ينتظرهم فى الطريق من الأهوال يفوق ما يتعرضون له فى ديارهم المحرقة والمهدومة!! فقد أعلنت اليونيسيف وعدة منظمات أممية أخرى أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الأطفال والشباب يواجهون الإيذاء والاستغلال والاتجار بالبشر على طرق الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط ويتم استهداف الأطفال من أفريقيا جنوب الصحراء أكثر من أى فئة أخرى. ويواجه المهاجرون واللاجئون الأطفال والشباب الذين يحاولون الوصول الى أوروبا مستويات مروعة من انتهاكات حقوق الإنسان، حيث أبلغ 77 فى المائة من أولئك المسافرين على طول طريق وسط البحر الأبيض المتوسط عن تعرضهم المباشر للإيذاء والاستغلال والممارسات التى قد تصل الى مستوى الاتجار بالبشر. وتعليقا على هذا المشهد العربى المأساوى أكدت اليونيسيف أن أطفال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شهدوا مستويات من العنف لم يسبق لها مثيل، كما شهدوا فظائع لا ينبغى لأحد أن يشهدها. وتم التحذير من أنه فى حال استمر العنف واستمرت الحروب، فإن العواقب ستكون وخيمة ليس بالنسبة للمنطقة فقط إنما للعالم أجمع. ومن "باب إخلاء المسئولية" ناشدت المنظمة الأممية قادة العالم بذل المزيد من الجهود لوضع حد للعنف من أجل الفتيات والفتيان ومن أجل مستقبلهم. وللأسف الشديد أتت كافة التحذيرات على الرغم من إدراك المنظمة الأممية المعنية وغيرها من المنظمات الدولية وحكومات العالم أجمع منذ عقود أن الدول العربية تتعرض لعملية نهب وتخريب منظمة وطويلة الأمد وتتطلب القضاء على الأطفال قبل الشباب حتى يختفى كل مستقبل منظور لتلك الدول!! فهل تكفى تلك الاستغاثات وصرخات الأطفال لإعادة صوت العقل والحكمة إلى من أصيبوا بجنون السلطة والنفوذ والهيمنة والثروة فى المنطقة وخارجها؟! إنه سؤال سننتظر على ما يبدو وقتا طويلا حتى تلوح إجابة له فى الأفق!! لمزيد من مقالات طارق الشيخ;