«فى المسرح ببقى كويسة، بنسى إنى عيانة بالضغط والسكر وببقى ولا بنت عندها 17 سنة».. رحلت منذ أيام صاحبة هذه العبارة, الست «بثينة « صاحبة «مسرح البيت» فى حارة درب الكاشف مدينة الفيوم.. فنانة مسرحية صاحبة نكهة خاصة.. ساعدت كثيرا من أبناء قريتها فى الحصول على فرص عمل, وأشركتهم فى عروض فرقتها. يقول عنها الناقد المسرحى د. عمرو دوارة: « بثينة» عاشقة المسرح, الريفية البسيطة.. هى نموذج حقيقى لهاوية المسرح التى جذبتها, أضواءه مثل كثير من البسطاء حينما كانت القوافل الثقافية تؤدى دورا مهما بالتجوال فى الأقاليم والقرى لنشر الوعى لدى الجماهير البسيطة وتقديم ألوان من الفنون, أفلام ومسرحيات ورقصات شعبية. ............................................................ « أم عادل» - كما كانت تحب أن تنادى – شاركت فى فرق «الثقافة الجماهيرية» التى فتحت أبوابها للجميع، ولكن فى النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى وفى موجة الانفتاح.. تقلصت فرص الإنتاج لصالح العروض السياحية وتحولت «الثقافة الجماهيرية» إلى «الهيئة العامة لقصور الثقافة».. لم تستسلم «بثينة» وغيرها – كما يضيف د.دوارة - وبصورة تلقائية عفوية أسست فرقتها المسرحية الخاصة، دون مقر أو إجراءات رسمية للإشهار فهى لا تهدف للربح.. مسرحها كان صالة بيتها الريفى الذى تسكنه، ديكوارت عروضها بسيطة جدا من الخامات الطبيعية، أفراد أسرتها ومحيطها هم فرقتها، جهاز كاسيت قديم لإذاعة مقطوعات موسيقية أو أغان شعبية ومشاركة الجميع بالعزف على الدفوف إذا استلزم الأمر.. أما الضلع الثالث والمهم فى الظاهرة المسرحية.. جمهورها، فهم جيران وأصدقاء وفلاحين بعد عودتهم من الحقول.. دعايتها عن العروض يتكفل بها مجانا أطفال منطقتها ابتهاجا بأطباق الحلوى التى تعدها لهم «أم عادل». يقول د. دوارة: «كان لى شرف معرفتها بداية ثمانينيات القرن الماضى حينما كنت أقوم بجولات الأقاليم لتأسيس «الجمعية المصرية لهواة المسرح»، وأعتز جدا بكونها هى وجميع أعضاء فرقتها من الأعضاء المؤسسين بالجمعية، وبالتالى فقد شاركت فى مهرجانات «الفصل الواحد» التى نظمتها الجمعية، وشرفت بمتابعة عروضها كعضو لجان «المشاهدة» أو «التحكيم» بالمهرجانات السنوية التى تقوم بتنظيمها إدارة «الجمعيات الثقافية». ثقافة «بثينة» من الحياة فلم «تقتن» شهادات، لكن قربها من الفنانة القديرة فاطمة رشدى فى سنوات عمرها الأخيرة أفادها كثيرا، فكانت أحيانا تقضى أياما فى بيت «بثينة» عند زيارتها للفيوم, كذلك أفادها اقترابها من الفنان الأكاديمى يسرى ناصر مدير مديرية الثقافة بالفيوم لسنوات طويلة، شجعها وتابع كثيرا من عروضها وساعدها فى طرق اختيار النصوص المناسبة. الناقد أحمد خميس فى دراسته المهمة عنها يقول: قدمت خلال مشوارها الفنى ما يزيد عن 120 مسرحية ما بين التمثيل والإخراج.. المقارنة بينها وبين أى فرقة مسرح مستقل حتما سترجح كفتها, قدمت المسرح فى بيتها البسيط للناس مجانا وبدعاية بدائية.. تعلق ورقة كبيرة على باب البيت تكتب فيها اسم المسرحية والممثلين وأدوارهم والموسيقى والديكور والإضاءة.. بروفات العروض فى بيتها.. وفى الثقافة الجماهيرية حيث أمضت سنوات طوال احتفظت ذاكرتها بالعروض والأدوار التى قدمتها.. بل والمخرجين الذين تأثرت بهم مثل عبدالرحمن الشافعي, وعباس أحمد.. عملت كخياطة وكهربائية سيارات وكانت أول امرأة تحصل على رخصة قيادة سائقة أجرة.. قدمها الفنان جمال قاسم فى فيلم تسجيلى بعنوان «الست بثينة» حكى سيرة تلك المرأة الأسطورة التى تحضر للعرض المسرحى ببروفات «الطبلية» فى فناء منزلها.. الذى يستقبل جمهورا فى حدود العشرين مشاهد. يختتم المخرج الفيلم بالكلمة المفتاح فى حياتها.. «الرضا بما قسم الله لها وبما قدمت فى رحلتها».. بابتسامة صافية قالت رحمها الله: «القناعة حلوة».. وبهذا كانت نهاية الرحلة أيضا.