سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك وبداية موسم الحج    مصرع أكثر من 29 شخصا وفقد 60 آخرين في فيضانات البرازيل (فيديو)    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    الخضري: البنك الأهلي لم يتعرض للظلم أمام الزمالك.. وإمام عاشور صنع الفارق مع الأهلي    جمال علام: "مفيش أي مشاكل بين حسام حسن وأي لاعب في المنتخب"    "منافسات أوروبية ودوري مصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    10 أيام في العناية.. وفاة عروس "حادث يوم الزفاف" بكفر الشيخ    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين في غزة جائزة حرية الصحافة لعام 2024    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    أيمن سلامة ل«الشاهد»: القصف في يونيو 1967 دمر واجهات المستشفى القبطي    بركات ينتقد تصرفات لاعب الإسماعيلي والبنك الأهلي    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    مصطفى شوبير يتلقى عرضًا مغريًا من الدوري السعودي.. محمد عبدالمنصف يكشف التفاصيل    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    محمد هاني الناظر: «شُفت أبويا في المنام وقال لي أنا في مكان كويس»    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    ملف رياضة مصراوي.. هدف زيزو.. هزيمة الأهلي.. ومقاضاة مرتضى منصور    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    الغانم : البيان المصري الكويتي المشترك وضع أسسا للتعاون المستقبلي بين البلدين    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    خالد منتصر منتقدًا حسام موافي بسبب مشهد تقبيل الأيادي: الوسط الطبي في حالة صدمة    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميانمار .. صراع سياسى أم عرقى أم دينى؟!
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 09 - 2017

هى أزمة لا نظير لها فأقلية الروهينجا المسلمة فى ميانمار لا تتعرض فقط للاضطهاد والقتل والتشريد، لأسباب بعضها سياسي، وبعضها الآخر عرقي، وأكثرها ديني، وإنما «غير معترف بهم» من الأساس ضمن سكان ميانمار، ويتم قهرهم وتطهيرهم عرقيا لإخراجهم نهائيا عن أراضى ميانمار واللجوء إلى بنجلاديش المجاورة، مما ينذر بحرب طائفية إقليمية واسعة النطاق قد تمتد لدول آسيوية أخرى مجاورة.
ميانمار نفسها لا ترى أن ما ترتكبه فى حق الروهينجا خطأ أو جريمة، بل حق مشروع، وترى أنه شأن داخلي، والأدهى من ذلك أنها تصف الروهينجا الآن ب«الإرهابيين»، وتقول إن وراءهم دولا وميليشيات وأغراضا أخرى، و«صور مفبركة».
دولة صغيرة جدا فى جنوب شرق آسيا سكانها حوالى 50 مليون نسمة، تعانى التعدد العرقى والطائفى والديني، شأنها شأن باقى دول القارة الصفراء، وضعت قدميها على أولى خطوات الحياة الديمقراطية بعد سنوات طويلة من الكفاح قادتها زعيمة المعارضة سابقا ومستشارة الدولة حاليا أونج سان سوتشي، قبل أن تصبح فى نظر العالم الآن غير جديرة بجائزة نوبل للسلام التى نالتها عام 1991، نظرا لموقفها المخجل والمتخاذل تجاه ما يجرى فى بلادها من مذابح وتطهير عرقى لمسلمى الروهينجا.
فى هذا الملف، نحاول التعرف على ميانمار عن قرب، وحقيقة ما يجرى للمسلمين الروهينجا فيها، وأسبابه، وخلفياته التاريخية، والحلول الدولية والإقليمية المقترحة لإنهاء الأزمة، وكيفية تعامل الدول الإسلامية مع ما يجرى هناك، وموقف المنظمات الدولية، ولماذا تتضاءل الاهتمامات العالمية بمقتل وتشريد الآلاف لحساب أخبار «صراعات الديكة» بين القوى العظمى التى تحكم العالم حاليا؟
أين أمريكا راعية الديمقراطية والحريات فى العالم؟ وأين أوروبا حامية حمى حقوق الإنسان؟ وأين منظمات «العفو الدولية» و«هيومان رايتس ووتش» وغيرهما مما يحدث هناك من جرائم ضد الإنسانية، فى وقت تنتفض فيه هذه المنظمات لمجرد احتجاز ناشط أو محاكمة إرهابي؟!.. من ينقذ مسلمى ميانمار؟!

------------------------------------------------------------------------------------------
زكريا عثمان
«الأقلية الأكثر اضطهادا فى العالم» و«أتعس أهل الأرض جميعا»، تلك أبسط الأوصاف التى نعتت بها الأمم المتحدة مسلمى «الروهينجا» الذين عانوا ومازالوا يعانون فى ولاية «راخين» غرب ميانمار من عمليات اعتقال وقتل وتشريد على أيدى الحكومة وبالتنسيق مع الرهبان البوذيين بزعم أنها تقاتل جماعات مسلحة من أجل الحفاظ على أمنها.
ويرى بعض المؤرخين أن مسلمى «الروهينجا» البالغ تعدادهم مليونا و330 ألفا من إجمالى سكان ميانمار المقدر عددهم بنحو 55 مليون نسمة، هم أحفاد التجار العرب الذين عاشوا فى جنوب شرق آسيا منذ القرن ال8 الميلادى عقب تحطم سفنهم التجارية نتيجة لاصطدامها بصخور سواحل البحر الواقعة على الساحل الغربى لإقليم أركان الاسم القديم لولاية راخين الواقعة على الحدود الغربية مع بنجلاديش، كما يرون أن مصطلح «الروهينجا» مشتق من الكلمة العربية «الرحمة»، التى رددها هؤلاء التجار العرب ممن كانوا على وشك الغرق فى تلك الرحلة وهم يصيحون «الرحمة الرحمة» لإنقاذهم، وهى رواية تنفيها سلطات ميانمار الحالية، وتعتبر أن الروهينجا مهاجرون وفدوا من بنجلاديش المجاورة خلال سبعينيات القرن الماضي، ولذلك دأبت على وضع قوانين قمعية ضدهم منذ عام 2015 استهدفت حرمانهم من الجنسية والملكية الفردية أو الجماعية للأراضى والمنازل والتصويت فى العمليات الانتخابية والسفر للخارج، فضلا عن إذلالهم.
ونتيجة لتلك السياسيات، هرب مئات الآلاف من الروهينجا لتايلاند وبنجلاديش التى أجبرت الناجين منهم على العودة للراخين التى تقوم سلطاتها ليس فقط بمطاردتهم والتنكيل بهم مجددا بل بقتلهم.
ولكن ما هى حقيقة هذا الصراع، هل الأسباب عرقية أم دينية أم سياسية، أم الأسباب الثلاثة معا؟
ذهب بعض المحللين الغربيين إلى أن الأزمة عرقية وليست دينية، وأن البترول الذى تم اكتشافه عام 2004 فى هذه الولاية هو «كلمة السر» التى تدفع دول جوار بعينها لإشعال نيران العنف العرقي، ولحمل ميانمار على التخلص منهم والاستفادة من ثروات المنطقة.
ويعضد هؤلاء المحللون وجهة نظرهم هذه بقولهم إن «كل من هربوا من الراخين إلى بنجلاديش ليسوا مسلمين، بل بعضهم بوذى ومسيحى أجبرتهم جميعا الحرب الأهلية من أجل الغاز والمواد الغنية الأخرى كالتيتانيوم على الفرار، ويؤكد هذا أن الصراع لو كان دينيا لاقتصر على المسلمين دون غيرهم.
وفى المقابل، يرى محللون آخرون أن الصراع كان سياسيا عرقيا وبامتياز فى بادئ الأمر ثم تحول لاحقا لصراع دينى لم ينته بعد، وعضدوا طرحهم هذا بالقول إن نسبة من سكان راخين كانوا بوذيين وكانوا يعيشون سابقا فى سلام مع المسلمين الذين كانوا يمثلون الأغلبية فى هذا الإقليم، ولكن الروهينجا- وبأوامر وإغراءات بريطانية عقب منحها ميانمار الاستقلال عام 1948 من الاستعمار البريطانى - حولت الأمر إلى صراع دينى وباتت تطالب باستقلال ولايتها الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة عن ميانمار ذات الأغلبية البوذية.
وهناك رأى ثالث يرى أن الصراع بدأ دينيا وما زال كذلك، وأن أول اضطهاد للمسلمين وقع فى عهد الملك البوذى باينتوانج عندما استولى على باجو فى 1559 وحظر ممارسة الذبح الحلال للدجاج والمواشى بسبب التعصب الديني، وأجبر بعض المسلمين على الاستماع للخطب والمواعظ البوذية بهدف تغيير دينهم بالقة، وتطور الصراع على مر السنين، ووصل إلى ذروته عام 1982 مع إصدار يانجون قانونا يجرد مليونا من مسلمى هذه الأقلية من جنسيتهم التى لم يتمكنوا من استعادتها حتى الآن، وعلى الرغم مع وصول أونج سان سوتشى صاحبة نوبل للسلام إلى السلطة التى تفاءل الجميع بديمقراطيتها، فإن الصراع تفاقم ووصل لمرحلة مميتة.
ودعمت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية فرضية أن الصراع دينى وأن الاضطهاد المنهجى للأقلية المسلمة يتزايد ولا يقتصر على ولاية راخين الشمالية الغربية.
وذهب رأى رابع إلى أن الصراع صراع استحواذ على الثروات، وتبنت هذا التوجه صحيفة «ديلى صن» الهندية التى كشفت فى تقرير لها عن الدافع وراء زعزعة الاستقرار فى ولاية راخين الشمالية يتمثل فى اكتشاف جديد لبعض العناصر الكيميائية فى ساحل مونجدو الذى جعل عشرات الآلاف من الروهينجا يعيشون هذه «المذابح».
مصر .. الدور الأقوى ..وبلا مزايدات
تفاوتت ردود أفعال الدول العربية والإسلامية على ما يجرى فى ميانمار من انتهاكات بحق مسلمى الروهينجا، من ماليزيا التى استدعت سفير ميانمار لديها للاحتجاج، إلى بنجلاديش التى احتجت رسميا لدى ميانمار على «تلغيم» حدودها، وتركيا التى اتصل رئيسها رجب طيب أردوغان بقادة ميانمار للإعراب عن قلقه مما يجرى للروهينجا، ونهاية بدول أخرى مثل باكستان وإندونيسيا شهدت مظاهرات احتجاجية للتضامن مع مسلمى ميانمار.
غير أن رد الفعل الرسمى والشعبى فى مصر كان - بلا مبالغة - الأسرع والأقوى والأكثر فاعلية وتأثيرا، وجاء على مختلف المستويات، ومن مختلف الاتجاهات، وبعيدا عن أى مزايدات أو شعارات، أو ادعاء زعامة، أو بحث عن أدوار وهمية، والأهم من ذلك، أنه كان فى حدود القانون الدولى ومباديء العلاقات بين الدول.
فخلال زيارته الآسيوية، التى تزامنت مع تصاعد أعمال العنف فى ميانمار، أدان الرئيس عبد الفتاح السيسى ما يشهده هذا البلد الآسيوى من انتهاكات، مشيرا خلال محادثاته مع نظيره الفتينامى تران داى كوانج فى هانوى إلى أن استمرار مثل هذه الأحداث يساعد على تغذية الإرهاب والفكر المتطرف، ومشددًا على ضرورة قيام الحكومات بالاضطلاع بمسئولياتها فى حماية حقوق الأقليات وتوفير الأمن لهم بما يسهم فى ترسيخ مبدأ المواطنة.
من جانبها، أدانت وزارة الخارجية فى بيان لها أعمال العنف التى يتعرض لها مسلمو الروهينجا، وطالبت السلطات فى ميانمار باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لوقف هذا العنف وتوفير الحماية اللازمة لمسلمى الروهينجا، والحيلولة دون المزيد من تدهور الوضع الإنسانى فى البلاد، كما أكدت دعم مصر لجميع الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى معالجة الوضع الإنسانى المتفاقم نتيجة هذه الأزمة.
أما الأزهر الشريف، المؤسسة الدينية الأكثر ثقلا فى العالم الإسلامي، فقد دعا الدول والحكومات الإسلامية ومنظمة التعاون الإسلامى إلى التحرك السريع لتوفير كل أشكال الدعم لمسلمى الروهينجا، وحذر فى بيان من أن استمرار تقاعس المجتمع الدولى عن التدخل بحسم لإنهاء معاناة مسلمى الروهينجا ووقف ما يتعرضون له من قتل وتهجير يشكل تهديدا جديا للأمن والسلم الدوليين، كما يعكس مجددا سياسة الكيل بمكيالين تجاه القضايا والأزمات الدولية، وهو ما يغذى مشاعر الحقد والكراهية والتطرف عبر العالم.
كما طالب الأزهر بضرورة قيام الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية والإنسانية بمسئولياتها تجاه تلك الماسأة المستمرة منذ سنوات، نتيجة فشل السلطات هناك فى توفير الحماية لمواطنيها.
يذكر أن الأزهر كان قد استبق كل ردود الفعل الإسلامية بشأن ميانمار منذ فترة طويلة، عندما عقد مؤتمره الشهير فى القاهرة فى شهر يناير الماضى بحضور الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ومجموعة من الشباب البوذى والمسلم والمسيحى والهندوسي، وعدد من السفراء والوزراء فى مصر وميانمار، ودعا الأزهر حينها إلى ضرورة الوقف العاجل لكل مظاهر العنف وإراقة الدماء، حتى يتسنى تحقيق السلام المنشود فى البلاد، لكن الذى حدث بعد ذلك أن حكومة ميانمار التى وعدت آنذاك بتحقيق ذلك تجاهلت تلك الوعود تماما.


.. وما زال البحث مستمرا عن حل
هدير الزهار
ما ان تندلع مجزرة جديدة للروهينجا حتى تتصارع الوكالات الصحفية والقنوات الاعلامية للحصول على الأخبار والصور الأكثر وحشية وتخرج المنظمات الدولية لتشجب ويسارع رؤساء الدول ليدينون ويعرب الأمين العام عن قلقة وتنتشر المظاهرات الغاضبة أمام سفارات ميانمار فى عدة عواصم للمطالبة بوقف المجازر .. ولكن ماذا بعد؟ لا شيء فالكل يذهب إلى حال سبيله وتستمر المذابح وتتكرر، وسواء كان المسمى اضطهادا دينيا أو تطهيرا عرقيا أو إبادة عنصرية، فهى فى النهاية عبارة عن انتهاكات أو مجازر ترتكب ضد اقلية ضعيفة لا حيلة لها سوى الاستسلام للواقع المؤلم وانتظار المستقبل المجهول بكل ما يحمله من رعب وقسوة.
وتعليقا على الازمة وبحثا عن إيجاد حلول يقول د. أحمد قنديل خبير الشئون الآسيوية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إنه «توجد عدة خطوات يجب اتخاذها بشكل سريع، أولها تشكيل لجنة لتقصى الحقائق ورصد ما يحدث من انتهاكات لتلك الأقلية، والمتسبب فى تلك المأساة الإنسانية، وقد يتشكل فريق التحقيق من قبل الأمم المتحدة أو منظمة التعاون الإسلامى أو المنظمات الاقليمية، ولابد من إجبار السلطات هناك السماح للجنة بدخول البلاد، والتخلى عن رفضها الدائم استقبال أى لجان أو منظمات دولية حرصا على عدم رصد الانتهاكات التى ستدينهم بالدلائل، خاصة وأنه بالفعل لدى الأمم المتحدة رصيد كبير من التقارير التى تجمع على تعرض تلك الاقلية لاضطهاد وحشي، وتطهير عرقي».
ولابد أيضا من الاتجاه لفرض عقوبات اقتصادية وهو ما يستدعى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة الأزمة وما لها من آثار سلبية على الوضع الأمنى والسياسى فى المنطقة .. فالجماعات الإرهابية المتطرفة مثل داعش تستغل تلك المأساة لتجنيد أنصار جديدة لها، ومن بين الحلول المقترحة، طرح فكرة استضافة عدة دول لمجموعات من الروهينجا، خاصة أن الأزمة أصبحت لا تتعلق بميانمار فقط بل امتدت لبنجلاديش التى تعتبر الملاذ الأول للفارين من الجحيم، فقد استقبلت على مدى الشهور الماضية مئات الآلاف من اللاجئين، لذلك يمكن تقديم مساعدات اقتصادية لبنجلاديش لصالح هؤلاء الضحايا, فرفضها استقبالهم وتركهم على الحدود نابع من عدم وجود دعم دولى يساعدها على رعاية هؤلاء، خاصة أن وضعها الاقتصادى ضعيف ومترد ولا يسمح بتحمل اعباء هؤلاء.
وللازمة بعد سياسى وقانونى، بداية من كونهم اقلية وسط اكثرية بوذية تعمل لمصلحتها فقط متجردة من أى انسانية، مرورا بالدستور التعسفى الذى لا يمنحهم أى حق من حقوقهم، وقانون الجنسية الذى يشترط منح الجنسية للذين كانوا يقيمون على الأرض قبل عام 1823 أى قبل الاحتلال البريطانى لها حيث إنهم ينظرون لاقلية الروهينجا بوصفهم مهاجرين غير شرعيين جاءوا مع الاحتلال، وأنهم دخلاء على الأرض ولا حق لهم فى الوجود عليها لأنهم جاءوا ليستولوا على وظائفهم وأنهم مختلفون عنهم فى اصولهم وديانتهم، وبعد رحيل الاحتلال الانجليزى عن ميانمار عام 1948 تم وضع الدستور، الذى جاء معترفا بوجود 135 عرقية فى ميانمار إلا ان اقلية الروهينجا غير معترف بها. فهم عديمو الهوية.
وبعد تجاهل مطالبهم على مدى عقود وتعرضهم لكل اشكال التعذيب فقد بدأوا فى تكوين فصائل مسلحة هدفها الانتقام من المعاملة الوحشية التى يلاقونها والمطالبة باحترام حقوق الروهينجا، ومن بين تلك الفصائل يأتى «جيش خلاص مسلمى الروهينجا فى أراكان»، الذى شن هجمات ضد مراكز الشرطة والجيش الشهر الماضى وهو ما تسبب فى اندلاع موجة العنف الجديدة، وقد استغلت الحكومة البورمية تلك الفصائل لتبرر عمليات القتل متهمة اياهم بالإرهابيين، ولكنها صورة مضللة، هدفها خلط الاوراق وتبرير القتل ليس أكثر. وفيما يتعلق بالمطالبات الخاصة بسحب جائزة نوبل من زعيمة ميانمار أونج سان سوتشى، يقول د. قنديل إنها أقل خطوة يجب إتخاذها نحو تلك السيدة، فسحب الجائزة منها يعد نوعا من التعبير عن الغضب العالمى تجاهها، فتجاهلها للازمة يعنى مشاركتها فى تلك المجازر، بل ان سحب الجائزة وحدة ليس كافيا بل يجب تقديمها للمحكمة الجنائية الدولية لكونها المسئول الاول عن أرواح أبناء تلك الأقلية والدفاع عنها إلا انها تشترك معهم فى الاضطهاد العرقى ويجب تحميلها المسئولية.

سان سوتشى ... فقاعة كشفها الواقع
هناء دكرورى
سليلة أسرة سياسية عريقة ..قصة كفاح ونضال طويلة ذاقت خلالها ألوانا من الظلم والاضطهاد وحتى الحبس قيد الإقامة الجبرية لمدة 15 عاما..عبارات بليغة ومؤثرة عن الحرية والديمقراطية والمساواة ..مكونات حولت أونج سان سوتشى إلى بطلة وأيقونة دفعت العالم إلى تشبيهها بزعماء كبار مثل غاندى ومانديلا ثم منحها جائزة نوبل للسلام فى عام 1991. ولكن عندما امتحنت فى اختبار الواقع بعد وصولها للسلطة وجاء الوقت لتحقيق «حلم الخلاص» الذى وعدت به مواطنى بلدها ميانمار رسبت سان سوتشى رسوبا فاضحا شأنها شأن الكثير من «الفقاعات السياسية» الذين يتوهج حماسهم وتعلو أصواتهم طالما كانوا فى صفوف المعارضة وما أن يصلوا إلى السلطة حتى يصابوا ب «الخرس» و«العمى» تجاه الانتهاكات والقمع والوحشية التى طالما حاربوها.
سان سوتشى التى قالت يوما «أحمى حقوق الإنسان وأتمنى أن أظل دائما نصيرة حقوق الإنسان» لم تكتف بالصمت ازاء المجزرة الوحشية الأخيرة للقوات الحكومية ضد مسلمى الروهينجا منذ أكثر من شهر وإنما حرصت فى أول تعليق لها «7 سبتمبر» أن تتنصل من المسئولية بوصفها مستشارة الرئيس بالقول إن حكومتها تواجه تحديا كبيرا وأنه من غير المنطقى توقع التوصل لتسوية لوضع موجود منذ فترة الاستعمار!
ثم زادت الطين بلة بقولها «يتوجب على الحكومة رعاية كل شخص فى الدولة سواء كانوا مواطنين أم لا» وذلك فى تأكيد جديد على أنها، شأنها شأن الغالبية البوذية فى البلاد،تعتبر أن مسلمى الروهينجا دخلاء ومجرد مهاجرين غير شرعيين يجب أن يعودوا إلى بنجلاديش ولذا يطلقون عليهم «البنغاليين» وحرموا من حقوق المواطنة منذ عام 1982 .كما اتهمت صفحة سان سوتشى على الفيس بوك «الارهابيين «بخلق «جبل جليدى» من المعلومات المغلوطة حول حجم العنف ضد الروهينجا. وكان مكتبها قد أصدر بيانا فى اوائل سبتمبر اتهم فيه موظفى الاغاثة بمساعدة الارهابيين فى ميانمار لتصفه منظمات حقوق الانسان بأنه بيان غير مسئول.
وهذه ليست المرة الأولى التى تدير فيها سان سوتشى ظهرها لمعاناة الروهينجا - الذين وصفته الأمم المتحدة ب «أكثر أقلية مضطهدة فى العالم» بل وللمباديء والقيم التى حصلت من أجلها على نوبل بل ولصورتها كنصيرة للضعفاء حاملة لواء الأخلاق». ومع ذلك ظل الكثيرون فى الداخل والخارج يرفضون تصديق أن سوتشى ليست بالشجاعة والمثالية التى تصوروها، بل وتبرعوا بتقديم التبريرات كلما خذلت توقعاتهم.
ففى عام 2012 بعد عامين من اطلاق سراحها من الاقامة الجبرية بمنزلها وعندما تفجرت أعمال عنف ضد مسلمى الروهينجا اسفرت عن مقتل المئات ابتلعت سوتشى لسانها ولم تحرك ساكنا فهب المدافعون عنها للتأكيد أن وضعها دقيق للغاية وأنها يجب ألا تستعدى النظام العسكرى حينذاك حتى لا يمنعوها وحزبها من خوض الانتخابات، كما أن عليها أيضا استقطاب الناخبين البوذيين للتصويت لهم وبالتالى تحقيق حلم الفوز.وفى سبيل هذا الاستقطاب أيضا رفض حزبها ضم أى مسلم لقائمته فى الانتخابات العامة فى عام 2015.
موقفها المخزى الذى حاول البعض تبريره بأنه مجرد «دهاء وحنكة سياسية من أجل تحقيق هدف أكبر» لم يتغير كثيرا بعد تشكيل حزبها للحكومة واستحداث منصب لها «مستشارة الدولة» ما يوازى القائم بأعمال الرئيس حيث انتهجت نفس اسلوب «الصمت ومحاولة التقليل من المأساة وتوزيع الاتهامات عل الآخرين» فى المجزرة ضد الروهينجا فى 2016 .
مرة أخرى حاول أنصارها الدفاع عنها بأن صلاحياتها محدودة فى ظل استمرار سيطرة الجنرالات على مفاصل الدولة. ولكن حتى وأن كان من المستحيل أن تفرض سوتشى سيطرتها على ممارسات الحكومة أو إصدار أوامر رئاسية بوقف المذابح فما الذى يمنع أيقونة مثل سان سوتشى وبعد أن بلغت «71 عاما» من التعبير عن رفضها لما يجرى ولو بمجرد الكلام الذى كان يوما سلاحها الوحيد فى وجه نفس الجنرالات؟ ما الذى منعها من زيارة الراخين ولو لمرة واحدة منذ توليها السلطة فى 2015؟
ما الذى دفعها لانكار قصص الممارسات الوحشية من قتل واغتصاب وتعذيب التى رواها مسلمو الروهينجا الفارون من الجحيم؟ من دفعها لعرقلة المساعدات الانسانية ورفض اجراء تحقيق أممى فيما يجرى؟
الواقع كشف أن سان سوتشى فضلت النفوذ السياسى على النضال من أجل السلام والديمقراطية واستسلمت لتحيزاتها الشخصية وعنصريتها ضد من لا ينتمى لطائفتها بدلا من تطبيق مبادئ المساواة والانتصار لحقوق الأقليات التى طالما تشدقت بها.

هستيريا الفبركة .. من وراءها .. وما وراءها؟
هانى عسل
نعم، فى ميانمار يتعرض مسلمو الروهينجا للقتل والتشريد والاضطهاد والجوع، ولكن لوحظ فى الفترة الأخيرة، انتشار كميات هائلة من الصور والفيديوهات «المفبركة» عبر مواقع التواصل الاجتماعى عن المذابح والفظائع والمآسى التى يواجهها مسلمو ميانمار، الأمر الذى أثار كثيرا من اللغط حول حقيقة ما يتعرض له المسلمون هناك، وأساء إلى القضية كلها، لدرجة أن سلطات ميانمار نفسها تحاول الآن استغلال الترويج لصور مفبركة عما يجرى على أراضيها لكى تقلل من أهمية ما يحدث للمسلمين لديها.
وكانت المرة الأولى التى تخرج فيها أونج سان سوتشى مستشارة الدولة فى ميانمار، وصاحبة نوبل للسلام، عن صمتها إزاء هذه القضية، يوم الأربعاء الماضي، عندما تحدثت للصحفيين عما يجرى للمسلمين فى ميانمار، فقالت إن معظم الصور والفيديوهات المنتشرة فى عدد من دول العالم عما يجرى للروهينجا، مفبركة، أو قديمة، أو تم تصويرها فى دول أخرى، وذلك فى محاولة منها لاستغلال هذه الفجوة فى إظهار أنه يوجد «شيء ما غريب» وراء الاتهامات الموجهة لبلادها!
ولم يكن من الصعب الكشف عن مدى صحة أو كذب الصور والفيديوهات «البشعة» المنتشرة عن اضطهاد مسلمى ميانمار عبر السوشيال ميديا، فهناك أدلة دامغة على عدم صحة معظم هذه المواد، ومن بينها تلك الصورة الشهيرة لمواطن مسلم يجرى بعد أن أشعل فيه الرهبان البوذيون فى ميانمار النار حيا، إذ تبين أن هذه الصورة تحديدا هى لمواطن من إقليم التبت الصينى أثناء حرق نفسه احتجاجا على ما يجرى فى إقليم التبت، وقد نشرت صحيفة «تليجراف» البريطانية هذه الصورة بالفعل من التبت قبل عدة سنوات!
ومن بين الصور أيضا صورة شهيرة أيضا وشديدة البشاعة لجثث محترقة، وأسفلها تعليقات تدعو لإنقاذ مسلمى ميانمار الذين يتم حرقهم أحياء، فى حين أن حقيقة هذه الصورة أنها ليست لمسلمى ميانمار، وإنما لضحايا حادثة انفجار شاحنة وقود فى الكونجو قبل سنوات!
وصورة أخرى لموتوسيكل يسير على أيادى أطفال صغار، وتحتها تعليق يقول إنه هكذا يتم تعذيب أطفال المسلمين فى ميانمار، بينما يتبين من الفحص والتحرى أن الصورة ليست من ميانمار أصلا، وإنما لتدريب يتلقاه الأطفال على قوة التحمل فى مهرجان ترفيهى بالهند!
وهناك عشرات الأمثلة على هذه الصور والفيديوهات المفبركة التى تم الترويج لها على أنها من ميانمار، وإن كانت هذه الفبركة لا تنفى أبدا حقيقة تعرض المسلمين للقتل والاضطهاد فى ميانمار، بدليل أن هناك روايات أخرى تؤكد ارتكاب فظائع بالفعل ضد المسلمين هناك، وليس هناك أقوى مما قاله أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة فى هذا الصدد قبل أيام، إذ أكد أنه توجد جرائم تحدث فى ميانمار، ليس هذا فحسب، بل وحذر أيضا من امتداد الأزمة إلى دول مجاورة فى المنطقة.
ولكن قضية «فبركة» الصور تفتح نيران الأسئلة اللانهائية، فمن وراء هذه الصور المفبركة، ومن الذى أنتجها، ومن يروج لها؟
هل الهدف هو إضعاف القضية كلها، وإيجاد مبرر لأونج سان سوتشى للدفاع عن موقف بلادها؟ وحدث بالفعل أن وكالة أسوشييتدبرس ذكرت أن سان سوتشى أبلغت الرئيس التركى رجب طيب أردوغان هاتفيا بأن نائب رئيس وزرائه محمد سيمسك الذى تحدث معها عن هذه الصور اضطر لسحبها من على حسابه على تويتر بعد أن أقنعته بأنها صور «مزيفة» لا علاقة لها بميانمار!
هل الهدف هو جمع حفنة من التبرعات لجماعات ومنظمات انقطع عنها حبل التمويل السرى بعد تحالف دول العالم لقطع شرايين تمويل الإرهاب؟
هل الهدف هو «لملمة» «الجهاديين» من أنحاء شرق آسيا وآسيا الوسطى، وربما بقايا داعش من سوريا والعراق وليبيا ودول عربية وإسلامية أخرى، للبحث عن «سبوبة» وحرب أخرى باسم الإسلام؟ ولكن هذه المرة فى ميانمار؟ لتهديد قوى عظمى مثل الصين بداعش؟
أم أن الهدف هو إشعال حرب طائفية واسعة النطاق فى آسيا، حيث الطوائف والأعراق والأديان بالملايين فى الهند والصين وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وغيرها، لتصبح بذرة لفوضى خلاقة وربيع آسيوى فى بقعة من العالم لا تحتمل أى مزاح؟
أما ربما يكون الهدف عودة مسلسل تأليب الشعوب العربية والإسلامية على أنظمتها وحكامها لحساب أطراف إقليمية معينة «مضغوطة»؟
أم أن الفبركة والتصعيد تخدم أغراض أطراف بعينها تبحث عن أدوار لها فى العالم الإسلامي، وتتحدث كما لو كانت هى الناطقة باسم دولة الخلافة؟
.. أسئلة كثيرة و»مرعبة» لا توجد لها إجابات حتى يومنا هذا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.