أصبحنا فيما يبدو نعيش آخر زمان الأمان والبيت الطيب والكلمة الطيبة والرجل الصالح الذي يضع الحق والعدل مصباحا لا ينطفئ فوق بابه.. والمرأة الطيبة التي تصلي فرضها وتطيع زوجها وتحصن دنياها وآخرتها بالصلاة والصيام.. بعد أن هجر طائر الأمان عش الزوجية الذي أصبح الآن فوق كف عفريت يلعب به كما يشاء بالشر والخراب والهجر الذي اسمه الطلاق! أما اسمه الحقيقي شئنا أم لم نشأ عند كل خلق الله «خراب البيوت العمرانة»، كما يطلقون عليه الآن.. وإذا لم تصدقوني ما قولكم دام فضلكم في أنه تحدث حالة طلاق الآن في البيت المصري كل 5 دقائق! هل هذا معقول؟ وفي أقوال أخري أنه حتي عهد قريب جدا.. وقبل أعوام قليلة كانت تحدث حالة طلاق كل 6 دقائق.. يعني ما تفرقشي كتير.. نقصت المدة دقيقة واحدة! يعني بهذا الحساب الجديد نجد الآتي: لدينا 7200 امرأة في بلدنا يخرجن من بيوتهن مطلقات كل شهر! يعني 240 امرأة مطلقة كل يوم! يعني عشر مطلقات كل ساعة يعني مطلقة واحدة كل 6 دقائق.. يعني فرقت في الإحصاء الأخير دقيقة واحدة بس! ويعني لدينا الآن مطلقة كل خمس دقائق وإذا لم نتحرك فسوف تصبح الدقائق الخمس أربع..وربما ثلاثة وربنا يستر: ........... ........... اسمحوا لي أن أصحبكم في رحلة مع طابور من النساء اللاتي شاء لهن قدرهن أن يحملن لقب «مطلقة».. وقد كتبت عنهن في كتابي: نساء بلا شاطئ.. الذي طلبوا مني ان يتحول إلي مسلسل تليفزيوني. قالت لي: لم أتصور يوما أن احمل لقب «مطلقة».. ولكنه قدر لا بد منه بعد رحلة عذاب وشقاء وشقاق وسب وشجار وهجر وخصام وضرب واهانات وجرجرة في المحاكم.. وكل ما في قاموس الخلافات الزوجية من افعال وكلمات ومحاضر وحكايات عشتها واكتويت بنارها.. أنا الابنة الثالثة في اسرة فوق المتوسطة.. وكل اخواتي بنات.. جدتي لأمي تركية الأصل.. وانا ورثت عنها البشرة الشقراء والشعر الناعم.. كنت الأجمل والأكثر شقاوة بين اخواتي.. تخرجنا كلنا في احسن الجامعات.. وفي حفل التخرج تقدم إلي مدرس في الكلية لم يبح لي بحبه طوال أربع سنوات.. ليس خجلا.. ولكن لأنه علي حد قوله كان يراقبني ويدرسني عن بعد.. ورحب به أبي.. ورغم أن الامر كان مفاجئا بالنسبة لي فإننى قبلته لارضي غروري كواحدة من جميلات الجامعة والأسرة والعمارة والنادي، بعدما ترك كل الجميلات من حوله في الجامعة كلها واختارني أنا!. كم تساوي هذه؟ وأعددنا عشا زوجيا جميلا.. انتقينا معا كل قطعة فيه.. حتي لون الغرف والستاير وملايات السراير.. كاننا نرسم لوحة جميلة بريشتين معا.. وانتقلنا إلي العش الذهبي كما كنا نطلق عليه.. فيلا صغيرة ورثها عن أمه الغنية في حي إطراف القاهرة.. عشنا أياما وشهورا وسنة بحالها كأننا عصفوران يصدحان ويشدوان ويغردان حبا في الحياة وفي الحب وفي الألفة والونس والسكن.. مر عام ولم ننجب.. قالت والدتي: العروس بلا ولد مثل البيت الوقف! وذهبت سرا إلي الأطباء الذين قالوا لي ولأمي: مافيهاش عيب! بعد عامين من الصبر والكتمان صارحته بالأمر.. وطلبت منه أن يذهب إلي الطبيب.. ففاجأني بقنبلة هزت كياني وزلزلت حياتي قال: ما أنا عارف.. أصلا أنا مابخلفش! قلت له: ازاي؟ قال: أنا اتعرضت لحادث وأنا صغير.. جعلني عقيما.. لكنه لم يفقدني ذكورتي وفحولتي! سألته منهارة: وليه ماقلتيش من الأول؟ قال ببساطة وهدوء: كنت خايف أفقدك! سقط قلبي من حلقي حتي أحسست كأنني أكاد ادوس علي قلبي بقدمي.. وبعد مداولات ومناقشات وشد وجذب بيني وبين امي واخواتي البنات.. اتفقنا علي الصبر والانتظار.. لما تخفيه لنا الأقدار! وجاءته بعثة لمدة سنة في عاصمة أوروبية وذهبنا معا.. وهناك طلبت منه أن يعرض نفسه علي الأطباء هناك.. ففعل وقالوا له: لا.. بسيطة.. عملية صغيرة وتبقي آخر تمام! ودفعته بإحساس الأمومة في صدري الذي افتقده إلي حجرة العمليات.. وخرج منها كما قال الأطباء رجلا طبيعيا تماما! وعدنا في آخر السنة وانا احمل في بطني ابننا الأول.. كريم. ولكن يبدو أن الأقدار كانت تخفي لي شرا مستطيرا.. عندما بدأت أشعر بأن زوجي قد تغير.. لم يعد هو الذي عرفته وعشت معه أياما حلوة واياما مرة.. والمرأة تملك ان كنت تعرف رادارا داخليا لا يخيب ولا يخطئ. قلت مقاطعا: أعرف لقد قالت لي زوجة أروبة مرة أنا أعرف بمجرد أن يطل عليّ زوجي من باب البيت هل كان مع امرأة أخري أم لا.. وإلي أي مدي وصل معها في لقائهما! كأنها لم تسمعني.. تواصل هى حكايتها: ويبدو أنني كنت حسنة النية أكثر من اللازم.. ولأنني مازلت حلوة ومرغوبة.. زدت من حلاوتي بكثير من الدلع واللبس والتزويق والغندرة حتي أملأ عينيه حبا وغراما وشبعا عن كل نساء الأرض.. وتصورت أن هذا يكفي حتي يخرج من حياته أية أنثي غيري! ولكنني كنت واهمة.. فقد زادت ساعات غيابه عن المنزل.. وسفره الكثير بحجة إلقاء محاضرات في جامعات مصر كلها من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها.. حتي طلب مني مرة أن أذهب معه في بعثة طبية مع الجامعة إلي صعيد مصر.. نطوف قراها ومدنها.. وقلت له: معقولة وأسيب كريم ابننا مع مين؟ ........... ........... وذهب هو.. ولكن الفار لعب في صدري.. وعندما يلعب هذا الفار اللعين في صدر امراة يكون هاجسا حقيقيا لا خياليا.. أخذت كريم في يدي وأردت أن أعملها له مفاجأة.. أن يرانا أمامه أنا وابنه كريم.. وطرت إلي الأقصر آخر محطة للقافلة الطبية العائمة ودلوني علي الباخرة الراسية في المرسي امام معبد الأقصر.. وركبنا حنطورا وقلت لابني ابن الأربع سنوات.. حنشوف دادي بعد شويه! وفرح الصغير.. ودخلنا إلي الباخرة المصونة وسألت عن زوجي.. قالوا لي: فوق في الكابينة رقم 8.. وطرقت باب الكابينة لتفتح لي امرأة ذات شعر منكوش تحمل علي كتفها طفلة صغيرة قالت لي: سيادتك عاوزة مين؟ قلت لها: عاوزة مين.. عاوزة دكتور هشام وليس هذا اسمه موش دي الكابينة بتاعته؟ قالت: ايوه! سألتها: غريبة أمال انتي مين؟ قالت لي: أنا المدام! شعرت كأنني اغوص في قاع النيل.. وجاءني صوت زوجي.. مين يا علية.. وليس هذا اسمها؟ قالت علية: دي واحدة معاها عيل بتسأل عليك! وهو من داخل الكابينة بالبيجاما.. وقد تسمر في مكانه مذهولا غير مصدق.. وشاب شعره كله في لحظة زمن وهو يقول لي: صفية.. معقول! الصمت الرهيب عادة ما طائر يحلق للحظات بعد هذه النهاية الدراماتيكية! قلت: وبعدين؟ قالت: وهي فيها بعدين ..اتطلقنا وسبت له الجمل بما حمل.. وها أنا أمامك وحيدة مطلقة.. نافرة من كل جنس الرجال.. وحلفت مليون يمين الا اقترب من رجل أو يقترب رجل مني لا بالخير ولا بالشر.. واصبح كل رجل بالنسبة لي كاذبا ومخادعا وقليل الأصل.. وكفاية علي إبني كريم قرة عيني! ........... ........... المقابلة هنا مع نساء من لون آخر.. داخل هذا الحي الشعبي العتيق الذي عمره من عمر القاهرة نفسها.. وناسه وأهله وحوانيته ومقاهيه لم يتغيروا كثيرا منذ أن سكنوه قبل نحو عشرة قرون بحالها.. لم اكن وحدي هذه المرة.. صحبتني الزميلة الصحفية المتدربة حنان مصطفي في رحلتي إلي اعماق وأحاسيس المرأة المصرية الجدعة كما يطلقون عليها التي تتحمل كل الصعاب وتواجه اعتي الرجال.. وتنتصر عليهم مرة.. وينتصرون عليها هم بقوتهم وسطوتهم مرات.. حتي يوسوس لها الشيطان حسب تعبيرهن بأن الحل والخلاص من عشرة زوج السوء هذا.. هو ابغض الحلال عند الله.. ألا وهو الطلاق! من بين طابور المطلقات المكسورات نفسا ودينا.. تجلس أمامي علي كنبة خشبية أمام محل عصير عبير ربة منزل.. وعمرها حسب بطاقتها 31 سنة ولكنها تبدو في الأربعين.. أسألها: لماذا تطلقت؟ هي تقول: من كثرة الضرب والإهانة والشتيمة عمال علي بطال.. أمام أطفالي وأفراد أسرتي والمارة كلهم.. أسألها: ليه يا ست هانم؟ تقول وهالات سوداء حول عينيها ربما من السهر وربما من الضرب: في الشارع وأمام الرايح والجاي كان يسبني عندما أتأخر أو أفاصل الباعة ويتهمني بعدم الشعور بالمسئولية.. لأنني أصرف الفلوس بغباء وسفه.. وكنت أتحمل وأقول: عشان خاطر العيال؟ أقول: خاطر العيال بس؟ تقول: لا.. كمان عشان أنا في الحقيقة كنت بحبه.. وأقول في نفسي يمكن زهقان متضايق .. رزقه علي قده معاهوش فلوس.. الدنيا ملطشة معاه.. وأنا كنت بشتغل وأصرف علي البيت.. لمدة عشر سنوات معاه.. كل ده يهون إلا حاجة واحدة موش ممكن أي ست تتحملها أبدا! اسألها: إيه هي؟ قالت: إنه يعرف واحدة تانية.. اكتشفت أنه يخونني مع امرأة أخري.. وكانت هذه هي بداية النهاية بالنسبة لي. قلت: وتركت له الجمل بما حمل! قالت: أيوه.. واطلقت وخلصت منه بدعوي خلع وأخذ المهر الذي أخذته وتنازلت له عن نفقة عدتي ونفقة المتعة ومؤخر الصداق وبدأت رحلة العذاب الحقيقية! قلت: أية رحلة؟ قالت: رحلة دعوي نفقة لأولادى وهو أمر يطول، حيث انتقلت مع أولادي إلي بيت أبويا الذي استقبلني بفتور.. وكل صغير وكبير في الأسرة أصبح من حقه التحكم في حياتي وفي حياة أولادي.. الأب والأم ما بيصدقوا يخلصوا من البنت بالجواز.. تقوم تجيلهم مرة تانية بعيالها! أنا الآن في بيت أبي ذليلة.. لا أستطيع أن أنطق بكلمة علي الرغم من أنني أعمل وأصرف علي نفسي وعلي أطفالي! والشئ الذي يغيظ ويفرس حقا هو نظرة المجتمع إلي المطلقة!! قلت: نظرة عطف وحنية! قالت: عطف إيه وحنية إيه يابا.. المجتمع ينظر إلي المطلقة علي انها أمرأة سهلة وفريسه بحكم أنها مطلقة وسهلة المنال.. المطلقة يا سيدي ينظرون إليها علي أنها فيها حاجة غلط..وتتحاشاها السيدات كأنها طاعون وممنوع دخولها البيوت العمرانة.. حتي إنني أصبحت أخيرا أتردد علي مركز للعلاج النفسي! ........... ........... ما قولكم دام فضلكم في حكاية الطلاق هذه.. وماذا جري للبيت المصري في آخر الزمان.. حتي انقلب حاله وضاع منواله وفقد صوابه؟{ لابد ان نجد حلا لخراب البيوت العمرانة الذى اسمه الطلاق.. الذى اصبح ك «غراب البين» بحالة طلاق كل 5 دقائق! Email:[email protected] لمزيد من مقالات عزت السعدنى;