اهتم الإنسان منذ فجر التاريخ بمحتوى الحلم وتفسيره وفك رموزه، وتعامل أصحاب الثقافة الشعبية مع ما يحتويه الحلم من رموز بصورة اعتيادية لتغلغل هذا العلم فى حياة الناس منذ القدم، كما أن لهم حوادث عدة حول الأحلام وتأويل رؤياها، هذا وتربط الثقافة الشعبية باستمرار بين ما يراه الشخص من أحلام وبين تجاربه الحياتية المختلفة، ومن ثم فمنذ عرف الأفراد ظاهرة الحلم لم يختلفوا حول أنه يرمز إلى معان ودلالات تتجاوز كونه مجرد حلم، ولم يكن إنطباع الأفراد الشخصى حول الحلم كافيا لتفسيره، من هنا بدأ الانسان يبحث عن وسائل لتفسير أحلامه. .................................................. فمن خلال تفسير الأحلام يمكننا التعرف على خفايا النفس الإنسانية، ذلك لأن الأحلام انعكاس لعمليات ذهنية متخفيَّة، فمن أجل تفسير حلم ما فإن أول شيء يجب أن نقوم به هو إيجاد العلاقة بين شخص الحالم وموضوع الحلم، ومما لا شك فيه أننا نشاهد رموزا كثيرة داخل الحلم، واختلف الأفراد فى تفسير هذه الرموز، ويُعد تفسير الأحلام وتأويلها فى الثقافة الشعبية مهارة يكتسبها العامة من خلال الخبرة المتوارثة التى تكونت لديهم خلال مراحل حياتهم المختلفة هذا بالإضافة إلى لجوء بعضهم إلى البحث فى هذا المجال، لذا يعتمد تفسير الحلم وفك رموزه على ثقافة المفسر، ويتبين من ذلك أن هناك ذاكرة مشتركة فيما يختص بالرموز الإنسانية وتفسير ظهورها بالأحلام، وفيما يلى نورد مجموعة الرموز الإنسانية التى من الممكن أن تتشكل فى الأحلام وما تحمله هذه الرموز من تأويلات وتفسيرات مختلفة، إلا أنه لابد فى البداية من الانتباه إلى أن أصحاب الثقافة الشعبية يُفرقون عند تفسيرهم للحلم بين رؤية الأحياء ورؤية الموتى فى الأحلام، فنجد الرموز المتعلقة بالأحياء تُفسر على النحو التالي: فالمرأة تعنى بالنسبة لكثير من الأفراد شهرا زمنيا يأتى على الشخص الرائي، من المحتمل أن يحمل هذا الشهر الخير أو يكون شهرا من العناء والتعب الذى يمر على الرائي، هذا ويتم تحديد نوعية هذا الشهر تبعاً لتفسير الحلم بأكمله وتبعاً لشخصية صاحب الحلم، بالإضافة إلى ذلك فإذا رأى شخص فى الحلم رجلا يتزوج بامرأة سبق لها الزواج فإن ذلك يُعد دلالة على تعرضه لمشكلة كبيرة، بينما زواجه من فتاة لم يسبق لها الزواج من قبل يعد رزقا سيسوقه الله له، وعلى جانب آخر فإن المرأة الحامل فى الحلم تتعرض للكثير من المشكلات. بينما يتم تفسير رؤية الرجل فى الحلم على أنها سنة تمر على صاحب الحلم، ربما تكون سنة من الخير وقد تكون سنة من التعب، ويرجع تحديد ذلك إلى شخصية الحالم من حيث كونه شخص خير أو شرير، كما يرجع كذلك إلى تفسير الحلم كوحدة متكاملة. وتُفسر رؤية الطفل ذكر كان أو أنثى فى الحلم على أنها فأل خير، ونوع من التبشير برزق وفير يسوقه الله لشخص الحالم. ويعنى ظهور شخص غير كامل الأعضاء، قد يكون هذا العضو الناقص ذراعا أو ساقا أو غير ذلك من الأعضاء التى يشملها الجسم الإنساني، إذا حدث وتكلم هذا الشخص فى الحلم ففى هذه الحالة يتم تفسير كلامه بما يحمله من معان كأى حلم أخر، لكن ذلك الحلم يكون دلالة على وقوع شر على صاحب الحلم، أما إذا لم يتحدث هذا الشخص للرائى فى الحلم فإن ظهوره فى الحلم لا يحمل أى تفسير. على جانب آخر هناك رموز تتعلق برؤية الموتى فى الأحلام، حيث يُقال أن النوم هو شكل من أشكال الموت المؤقت تُغادر الروح خلاله الجسد بشكل مؤقتً لتعود له مرة ثانية عند الاستيقاظ، وربما يكون ذلك سبب رؤية الموتى فى الأحلام، حيث يُصبح بإمكان أرواح الأحياء النائمين التواصل بسهولة مع أرواح الموتي، ويكون هذا أثناء وجودها خارج الجسد، وهذا التواصل الروحى قد يتذكره النائم عند استيقاظه كحلم، وقد لا يُعيره اهتماماً كبيراً. كما أن هناك اعتقادا بوجود خيط رفيع خفى موصول بين عالم الأحياء وعالم الموتي، من هنا أتى اعتقاد الكثير بأن الصلاة والدعاء للميت وزيارة قبره من حين لأخر سيمنح روح المتوفى شيئاً من السكينة والسلام. بالإضافة إلى الاعتقاد بأن أرواح الموتى تعود لزيارة ذويها فى مناسبات معينة. ولعل رؤية المتوفى فى الحلم من أقدم أشكال التواصل الروحى بين الأموات والأحياء، وقد تعرض معظم الأفراد لمثل هذا النوع من الأحلام، هذه الأحلام قد تبدو أحياناً غير مترابطة ولا تحمل معني، وقد تكون فى أحياناً اخرى على درجة من المنطقية التى قد تُحير شخص الحالم حيث لا يدرى كيف يُفسر ما رأه، وفى هذه الحالة يكون لظهور المتوفى فى الحلم وطبيعة حديثه وتصرفه تفسيرات وتأويلات مختلفة. وتحمل الثقافة الشعبية الكثير من التفسيرات حول زيارة الموتى للأحياء فى الأحلام، تنبع هذه التفسيرات من العلاقة التى تربط بين المتوفى وشخص الحالم، ويتم تفسير هذه الزيارة تبعاً لكينونة المتوفى ذاته إذا كان إنساناً خَيراً أم شريراً، وتحمل زيارة الموتى للأحياء فى الأحلام الكثير من الدلالات، حيث قد تهدف هذه الزيارة إلى توصية الحالم بشيء ما، وربما تكون زيارة تحذيرية لإثناء الحالم عن الإقدام على عمل ما ينوى القيام به، وقد تكون لمتابعة الحالم والاطمئنان عليه من قِبل المتوفى وتُفسر هذه الزيارات كالتالي: زيارة المتوفى للانسان فى الحلم إذا لم يطلب منه شيئا ولم يأخذ منه شيئا، فإنها تدل على أن هذا المتوفى يطلب من الحالم زيارته أو أنه يرجومنه التصدق عليه والدعاء له. أما إذا أخذ المتوفى أثناء الحلم شيئا من صاحب الحلم، فذلك دليل على حصول الحالم على شيء ما، لا يمكن تحديد ما إذا كان هذا الشئ حسنا أو سيئا إلا بتفسير الحلم كاملاً. أما إذا قام المتوفى خلال الحلم بمنح الحالم شيئا ما، فإن ذلك يكون دلالة على وقوع حادث وفاة، وإن كان ليس بالضرورى أن تقع الوفاة للحالم شخصياً، فقد يكون من المحتمل أن تقع لشخص قريب منه. أما إذا كانت الزيارة للأم المتوفاه لأبنائها يكون لها أهمية خاصة، حيث تحمل هذه الزيارة الكثير من الدلالات، فقد تكون هذه الزيارة للإطمئنان على أبنائها ومتابعة أحوالهم، أو للتحذير من خطأ ما يقوم به الحالم فى حياته، وترجع هذه التفسيرات لكون الأم دائماً هى المسئولة عن الحفاظ على البيت وتربية الأبناء وجمعهم والحفاظ عليهم وهم دائما أقرب إليها أكثر من الأب. ويتفاءل الأفراد فى الثقافة الشعبية برؤية الأولياء والصالحين فى الحلم، والفأل هنا يعنى استبشار الأفراد برؤية أشخاص مميزين فى الأحلام هم الأولياء، ويرجع ذلك لكون هؤلاء الأولياء يتمتعون بمكانة خاصة عند الأفراد حيث يرون أنهم الأقرب إلى الله عن غيرهم، مما يجعلهم فى حالة من التفاؤل والاستبشار برؤيتهم. بالإضافة إلى ذلك فالحلم بأجزاء من جسم الإنسان لها أيضاً دلالات مختلفة تتبلور في: يُجمع مفسرى الأحلام فى الثقافة الشعبية بأن خلع أسنان الشخص فى الحلم تُفسير على أنها وفاة لشخص قريب منه، دون التفرقة بين نوع الأسنان إن كانت ضروسا أم أسنانا، حيث تتساوى جميعها فى أنها تنبيء بحدوث وفاة، ويرجع هذا التفسير لكون الألم الشديد الذى يتعرض له الانسان حال فقده لجزء من أجزاء جسده يتفق مع ما يتعرض له من الألم حال فقده لشخص عزيز. أما فيما يتعلق برؤية شعر المرأة فى الحلم فيُفرق الأفراد فى الثقافة الشعبية فى تفسيرهم له بين أكثر من حالة يمكن أن يظهر عليها تتبلور هذه الحالات فى: يوجد بين السيدات فى الثقافة الشعبية ظاهرة قص الشعر، حيث يرى الأفراد أن أكثر شيء يزين المرأة وتفتخر به هو شعرها. وتدل رؤية شعر المرأة طويلا وأسود اللون بأنه دلالة على حلول عام من الخير على شخص الحالم، وإذا ما كان هذا الشعر لإمرأة مسنة فإنه يدل على أن هذا الخير لا يخص الحالم فحسب، وإنما يكون دليلا على حلول هذا العام من الخير على الأسرة بأكملها، بينما يدل الشعر القصير فى الحلم على نقص الرزق. وتفسر رؤية شعر المرأة الأصفر فى الحلم على أنه دلالة على صاحب الحلم سيأتيها قطعة من الحلى الذهبية, أما رؤية شعر المرأة أبيض اللون فى الحلم إذا كان شعرها فى الواقع أسود اللون فيدل على تعرض شخص الحالم للمتاعب والمشاكل فى حياته، حيث يدل الشعر الأبيض على الشيخوخة بما تحمله من العديد من المشاكل الصحية لصاحبها، من هنا أتى هذا التفسير، كما يمكن أن يتم تفسيره بأن صاحب الحلم يحتاج لتحسين علاقته مع الله، بينما إذا كان شعر المرأة أبيض فى الواقع فإن رؤيته فى الحلم يدل على الخير، لكونه يعبر فى هذه الحالة عما يعبر عنه الشعر الأسود، وهذا لكون البياض ليس أمراً عارضاً فى الحلم، هذا ويرى الأفراد أن الخير الذى تنبيء به الأحلام ما هو إلا هدية من الله ينبيء بها الانسان. ويدل سقوط شعر المرأة فى الحلم على وقوع حادث سيء لصاحب الحلم، ويرجع هذا التفسير لكون الشعر عنصرا أساسيا من عناصر زينة المرأة إن فقدته فقدت العامل الأساسى لجمالها، لذا يدل هذا الحلم على فقد صاحبه لشيء مهم ومؤثر فى حياته، ويرى الأفراد أن سقوط شعر المرأة فى الحلم يكون دلالة على فقد هذه المرأة لزوجها. فى النهاية يجب الانتباه إلى أن هذه التفسيرات لرمزية ظهور الانسان فى الحلم تستمد معناها من ثقافة مفسرى هذه الرموز من الأفراد والتى يضفى على الرمز معناه، فليس للرمز خصائص ذاتية تحدد بالضرورة معناه إنما الرمزية فى الحلم هى رمزية اجتماعية حيث يكتسب الأفراد الرموز ومعانيها من أحداث الحياة الاجتماعية التى يحيوها ويتفاعلون فيها مع غيرهم فالرمز نتاج التفاعل الاجتماعى بين الأفراد يستمد قيمته ومعناه من الناس الذين يستخدمونه، أى أن المجتمع هو الذى يضفى علي الرمز معناه، حيث لا يتسم الرمز بخصائص ذاتية تحدد بالضرورة ذلك المعنى وتفرضه فرضاً على المجتمع، ذلك لكون رموز الحلم يتم استيفاء من المجتمع، ومن عاداته وتقاليده.