الدور الإقليمى لمصر قدر بحكم عاملى الجغرافيا والتاريخ. فالموقع يفرض الدور وممارسة الدور على مدار حقب تاريخية مختلفة يؤكد ضرورته. فقد كانت مصر فى أوج ايناعها الحضارى أو ازدهارها عندما كانت تمارس مسئوليات هذا الدور، وفقا لمعطيات العصر وسمات كل فترة تاريخية. وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 ادرك زعيمها جمال عبدالناصر أهمية ثلاث دوائر هى (الدائرة العربية الدائرة الإفريقية الدائرة الإسلامية) وذكر ذلك فى وثيقة فلسفة الثورة. وقد وصلت الدائرة الإفريقية إلى قمة التفاعل مع مصر عقب اندلاع حرب أكتوبر 1973 حيث قطعت جميع الدول الافريقية التى لها علاقة بإسرائيل، علاقاتها معها باستثناء دولتين أو أكثر. فمصر بالنسبة لافريقيا كانت كبيرة فهى المؤسسة لمنظمة الوحدة الافريقية عام 1963، وبإرادتها الحرة تنازلت طوعا عن اعتبار القاهرة المقر الدائم لتكون عاصمة افريقية أخرى وهى أديس أبابا (عاصمة إثيوبيا) وفى عهدد الامبراطور هيلا سلاسى هى المقر الدائم ليزداد التفاعل الافريقى وتفاديا للقول بأن مصر تستهدف الاستئثار بكل شيء وكان هذا بعد نظر لمصر عبدالناصر، إلا أن طريق الصلح والاعتراف المصرى بإسرائيل كان أحد أهم أسباب التباعد المصرى الافريقي، وتأثر العلاقات المصرية الافريقية بل فى مارس 1977، وقبل زيارة السادات لإسرائيل المشئومة فى نوفمبر 1977، وما تبعها من اتفاقيات كامب ديفيد التى كانت سببا مباشرا لتدمير العلاقات بين الطرفين من جانب، وبداية أفول الدور الاقليمى لمصر وهو الدور القيادى عربيا وافريقيا والعالم الثالث أيضا، والأمر مازال مستمرا حتى اللحظة. إلا أن اندلاع ثورتى 25 يناير، 30 يونيو كان سببا جديدا لبدء الاهتمام المصرى بالدائرة الإفريقية وتجسد هذا الاهتمام بوصول الرئيس السيسى لرئاسة مصر فى يونيو 2014، والذى بدأ يولى هذه الدائرة اهتماما كبيرا خاصة وانه تولى مع تزايد أزمة سد النهضة مع إثيوبيا وهو الذى سيتسبب فى ضرر بالغ لمصر، باعتراف كل المتخصصين، وقد كانت زيارة الرئيس السيسى الأخيرة إلى عدد (4) دول افريقية هي: (تنزانيا، الجابون، رواندا، تشاد) هى اشارة جديدة إلى عودة أهمية بل وأولوية الدائرة الافريقية إلى صدارة السياسة الخارجية المصرية. وقد أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات فى عهد رئيسها الجديد، د. ضياء رشوان تقريرا مهما رصد فيه بالأرقام والتفاصيل، حجم العلاقات المصرية الافريقية فى عهد الرئيس السيسى منذ توليه وحتى آخر زيارة للدول الأربع الكبري، الأمر الذى يطمئن إلى حد كبير على الجهود الدبلوماسية فى تفضيل خيار أولوية الدائرة الافريقية بالنسبة للسياسة الخارجية المصرية. فما ورد فى التقرير ان أكثر من 30 بالمائة من زيارات الرئيس السيسى الخارجية كانت من نصيب افريقيا، حيث قام الرئيس بعدد (21) زيارة لدول افريقية من اجمالى (69) زيارة خارجية قام بها الرئيس، وهى لاشك نسبة معقولة لاستعادة النفوذ والتفاعل المصرى مع الدائرة الافريقية، كما عقد الرئيس السيسى عدد (112) اجتماعا مع قادة وزعماء ومسئولين افارقة زاروا مصر خلال السنوات الثلاث الماضية (2014 2017) من اجمالى (543) اجتماعا عقدها الرئيس مع زوار مصر من قادة ومسئولى دول العالم والمنظمات الدولية. بما يبلغ أكثر من 20 بالمائة من عدد الاجتماعات واللقاءات قد خصصت لافارقة. ولاشك أن هذا التقرير المحترم والموثق يؤكد أن الدائرة الافريقية فى ادراك وممارسة الرئاسة استعادت بؤرة الاهتمام مرة أخري، وهنا نؤكد أن الدائرة الافريقية هى إحدى أهم ثلاث دوائر بل هى البداية لاستعادة الدور المصري، نظرا لمحدودية الخلافات وسهولة معالجتها فى إطار الرصيد الاستراتيجى للعلاقات المصرية الافريقية، فالجهد المصرى فى افريقيا يحتاج إلى تكثيف وتواصل ويمثل ورقة كبرى فى إدارة العلاقات المصرية مع الدائرتين الآخريين (عربية إسلامية) خاصة أن الاخيرتين تشهدان خلافات وصراعات كبيرة، وتحتاج للتفاعل معهما أوراقا تفاوضية أجدها فى الدائرة الافريقية. فضلا عن أن الاهتمام المصرى بالدائرة الافريقية سيكون له انعكاساته الايجابية على تطورات أزمة سد النهضة، كما أنه باعتبار أن افريقيا سوقا واسعة فانها سبيل لدعم الاقتصاد المصرى حاضرا ومستقبلا، فى هذه الدائرة خير كبير لمصر، ان أحسنا استثمارها الآن وليس غدا. لمزيد من مقالات د.جمال زهران