هل توجد مسارات سياسية أخرى للحفاظ على مشروع الرئيس عبد الفتاح السيسى لتقدم مصر وإعادة بنائها، استنادا إلى الشجاعة فى تناول التحديات التى تواجهها، واختراق الحجب التى طالما عاقتها عن اتباع طرق الدول التى سبقتنا؟ وبصراحة هل توجد سبل أخرى غير تعديل الدستور بعد ثلاث سنوات فقط من الاستفتاء عليه؟ وبصراحة أكثر هل تعديل المواد الخاصة بفترات رئاسة الجمهورية، أو مد الفترة الرئاسية من أربع إلى ست، هو وحده الذى يضمن أن يظل البرنامج قائما ونافذا ومحققا لأهدافه؟ سوف نترك الحجج القانونية والدستورية الآن جانبا رغم أهميتها البالغة لمصداقية الدولة وبرنامج التقدم ذاته؛ فالذى يهمنا أن المسألة فى الأول والآخر مسألة سياسية تخص تلك المعادلة البالغة الدقة بين التغيير والاستقرار فى البلاد؛ وللأسف فإن الدولة لا يحدد حركتها القوى المناصرة للتقدم والبناء فقط، بل إن هناك قوى أخرى تدفع فى اتجاه التخلف أو الفوضى أو الهدم وكفي، وهذه كلها ترصد وتتصيد. وربما قبل الإجابة عن هذه الأسئلة جميعا علينا أن نسأل كيف فعلها الرئيس السيسى عندما واجه الإرهاب، ولا يزال يواجهه بعزم وحزم، وكيف غلب التردد فى قضايا الإصلاح الاقتصادي، وراجع موضوعات التفكير الديني، واقتحم مشروعات ظلت معلقة فى الفكر التنموى المصرى دون تطبيق أو تنفيذ؟ والإجابة، كما يردد دائما، أن ذلك بفعل القبول من جانب الشعب المصري، الذى خرج فى 26 يوليو 2013 لكى يفوضه فى فض اعتصام رابعة الإرهابي، والذى قبل النتائج المؤلمة لتعويم الجنيه، وقبل رفع الدعم وفقا للبرنامج الذى وضعه الرئيس، وما تبع ذلك من اختراقات على طريق التقدم والبناء، لم يكن ذلك موقفا دستوريا أو قانونيا، وإنما كان موقفا سياسيا، يقوم على قبول برنامج طرحه الرئيس جسدته ارؤية مصر 2030«، وما يرسله الرئيس من رسائل للشعب المصرى كلما تحدث كانت السياسة هى التى تحشد الشعب المصري، وتعبئة، وتجعله يتحمل، ويتقدم. إذا كان ذلك كذلك، فإن التعديلات الدستورية المطروحة فى النقاش العام سواء كانت للتعديل أو للتمديد لن تحقق الهدف المطلوب لأنها تأخذ الطريق القانونى وليس السياسى الذى هو صلب الموضوع، وأصله وفصله وفى تاريخ مصر فإن التعديلات أو التغييرات الدستورية لم تكن هى التى تدفع مصر إلى الأمام؛ وإنما الأرجح أنها تدفعها إلى الخلف كان إلغاء دستور 1923 ووضع دستور 1930 إيذانا بانحراف برنامج التقدم نحو الاستقلال والتقدم الذى وضعته ثورة 1919؛ وضاعت على مصر خمس سنوات حتى عادت مرة أخرى إلى الصواب فكانت الحرب العالمية الثانية على الأبواب وجاء الإلغاء الثانى لدستور 1923 ووضع دستور 1956 فتحا لباب وضع دساتير مؤقتة وإعلانات دستورية لا تهضم ولا تستوعب ما تريد البلاد الذهاب إليه وعندما جاء دستور 1971 االدائمب لم يكتمل عقد بعده حتى أتت تعديلات 1980 لكى تجهض كل ما كان فيه، ومعه برنامج الرئيس السادات الإصلاحي، وكانت النتيجة اغتياله وبقاء رئيس واحد لعقود ثلاثة تالية تعرضت مصر بعدها لفترة الفوضى وانعدام اليقين والشكوك بعد أن عرفت دستورين وبضعة إعلانات وتعديلات دستورية خلال فترة قصيرة. إذا كان الغرض هو الحفاظ على برنامج الرئيس فى التقدم والإصلاح والتغيير فإن ذلك يكون بإعلان الرئيس لترشحه لرئاسة الجمهورية وفق برنامج تأسيسى للجمهورية الثالثة (الأولى كانت لعبدالناصر، والثانية كانت للسادات ومبارك) التى تجمع وتفوق جوهر وروح ثورتى 1919 و1952 فى التحرر والاستقلال والتقدم، سوف يكون للرئيس برنامج يستند إلى التجربة العملية، ووضوح الرؤية وعمق الخبرة سوف يكون مطروحا فى مواجهة برامج أخرى لمن يريدون طريقا أو طرقا أخرى غير تلك التى نسلكها الآن، مصر ليست فى حاجة إلى تأوهات، واستعراضات كلامية، وإنما برامج عملية تتفاعل مع الواقع والطموحات العظمى للشعب المصري. الرئيس السيسى لديه مسار آخر لا يقل أهمية عن المسارالأول، وهو أن البرامج السياسية يحميها ويحافظ عليها تنظيمات أو أحزاب سياسية. وخلال المرحلة الليبرالية من تاريخ مصر فإن برنامج التحديث والاستقلال والدستور لم يكن له ليستمر لولا وجود حزب الوفد الذى ظل حزبا للأغلبية فى أول الانتخابات الحقيقية (1924) وآخرها (1950)، لم يكن حزب الوفد وحده فى الميدان، كان هناك على اليمين من كان أكثر ليبرالية، وكان هناك على اليسار من هو أكثر راديكالية وبحثا عن العدالة الاجتماعية، ولكن الوفد كان هو الوسط الوطنى الذى لا يتجاذب الشعب وإنما يكتله على برنامج وطنى واضح. لقد كانت الشكوى الدائمة لكل الجماعات السياسية أن احتكار السلطة السياسية بواسطة حزب سياسى واحد حمل أسماء متعددة بعد ثورة 1952 هو السبب فى ضعف الأحزاب عندما جرى قبول تعددها؛ ولكن إلغاء هذا الحزب الواحد وعدم قيام حزب آخر مكانه، لم يجعل كل الأحزاب الأخرى قوية سواء كانت لها جذورا قديمة، أوطموحات حديثة. مع سقوط هذا الادعاء لم يعد هناك مجال آخر سوى تشكيل الرئيس لحزب جديد يحمى برنامجه السياسى والاقتصادى ويخلق التواصل الضرورى بين السلطة والجماهير؛ ومن ناحية أخري، ومن يعلم، فربما يبث الحماس والمنافسة فى الأحزاب الأخري. إن الفراغ السياسى الذى تعيشه مصر، وغياب التنظيم السياسى عن شباب مصر الذين يتوجه لهم الرئيس، هو الذى يعطى الفرصة للجماعات المناهضة لمشروع التقدم والبناء للحركة، وهو الذى يجعل مجال الممارسة السياسية لا يتعدى المجال الافتراضى للتويتر والفيس بوك، ربما كان ذلك طريقا صعبا على الذين يريدون ولوج الطريق الدستورى والقانوني، ولكن الرئيس السيسى بات هو رجل التاريخ لمصر لاختراق ما هو صعب، بل ما يبدو أحيانا مستحيلا ؟!. لمزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد;