الحمد لله علي نعمة الإسلام فما أعظمها من نعمة ، أفضل النعم وأعظمها علي الإنسان حين رضيها الله لنا ، وأكملها وأحسنها وامتن بها علينا فهي منبع كل خير وأصل كل سعادة في الدنيا والآخرة، وأتمها " اليوم أكملت لكم دينكم وأتمتت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا " ، صدق الله العظيم . ونزلت الآية الكريمة علي رسولنا الحبيب محمد صل الله عليه وسلم في حجة الوداع، حيث خطب في الحجاج وأعطي وصيته الأخيرة من علي جبل الرحمة بعرفة ، التي تشخص حال الأمة الأسلامية وتضع حلولا لنيل السعادة المفقودة والمحبة المنقوصة بحالنا بعد أن أصبحنا فرائس ليس من أعداءنا فقط بل نأكل فيه بعضنا البعض . وخطب المصطفي لحجيج عرفة بعد حمد واستغفار الله العظيم، أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته ، اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا، أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، وإن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا. وتابع الحبيب إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه على دينكم، أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان . وأوصي إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق، لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً . وواصل إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ ما لأخيه إلا عن طيب نفس منه ، فلا ترجعن بعدى كافراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوي ، أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر، من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل - ألا هل بلغت اللهم فاشهد . نعم صدقت يا نبي الله ، ونشهد أنك بلغت الأمانة ، فقد أصبح حالنا لا يرضيك ، و تكالب علي أمتك الخارج ومن أنفسنا ، وفقدنا بوصلة المنطق لأحوالنا ، وتأه طوق النجاة لكثير البلدان الإسلامية من براثن الفرقة والتآمر ولم تشفع جوامع الدين والدم والأخوة واللغة ، وتشرذمنا ودبت الصراعات والحروب جسد الأمة ، ورفع السلاح لبعضنا قبل أعداءنا ، فأصبح من المستحيل استرداد ديارنا المغتصبة ، وإنقاذ مقدساتنا المدنسة ، وصون أعراضنا المنتهكة ، وإعادة ثرواتنا المنهوبة. ولا أدري كيف سنقف أمامك لتشفع لنا يوم لا نجأة ، و تقول يارب أمتي أمتي ، ويرد عز وجل لا تدري ماذا فعلوا بعدك ، إلا الخير لازال منتظرا لأمة محمد ولعل هذه الأيام المباركة حيث سيقف من أكرمكهم الله لتأدية فريضة الحج في المؤتمر السنوي الذي يجمع الأمة من مختلف الأجناس واللهجات لا فرق بين غني وفقير وقوي وضعيف ، جاءوا من كل حدب وصوب بلباس واحد همهم التقرب بالعبادات ، أن يتحقق يومأ غاية الحج لا تأدية المشاعر المقدسة وفقط عندها نري حلولا لتفرقنا . فقد صدق إطلاعك علي حالنا عندما قلت " توشك الأمم أن تداعي عليكم كما تداعي الأكلة إلي قصعتها "، أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن ، وهو "حب الدنيا وكراهية الموت"... مما يستوجب إفاقة الإمة الإسلامية وتعيد فهم وصايا الحبيب ليكون الحج موسما للمحبة ونصرة قضايانا ضد مكائد المتربصين ، وإستشراق إسرار قوتنا في وحدة الصف الإسلامي والعربي تحقيقا لأوامر الله " ليشهدوا منافع لهم " سورة الحج ، وكل عام وأنتم بخير . [email protected] لمزيد من مقالات محمد مصطفى حافظ;