سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
من أسرار القرآن (426) أفتمارونه علي ما يري ولقد رآه نزلة أخري* عند سدرة المنتهي عندها جنة المأوي* إذ يغشي السدرة ما يغشي* ما زاغ البصر وما طغيلقد رأي من آيات ربه الكبري ( النجم:12-18)
هذه الآيات الكريمة جاءت في أوائل سورة النجم, وهي سورة مكية, وآياتها ثنتان وستون بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بقسم من الله- تعالي- بالنجم إذا هوي, وهو تعالي غني عن القسم لعباده, ولكن إذا جاءت الآيه القرآنية الكريمة بصيغة القسم كان ذلك من قبيل تنبيهنا إلي أهمية كل من القسم المقسوم به وجواب القسم. ويدور المحور الرئيس لسورة النجم حول عدد من ركائز العقيدة الإسلامية شأنها في ذلك شأن كل السور المكية. بعد أن استهلت سورة الإسراء بالإشارة إلي معجزة الإسراء برسول الله- صلي الله عليه وسلم- من المسجد الحرام بمكةالمكرمة إلي المسجد الأقصي في بيت المقدس, جاءت الآيات في أول سورة النجم مؤكدة علي العروج به- صلوات ربي وسلامه عليه- من المسجد الأقصي إلي سدرة المنتهي عبر السماوات السبع العلي, حيث شاهد رسول الله جنة المأوي, وراح يصعد حتي سجد بين يدي رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما قائلا: التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله فقال الحق- عز وجل- السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وسبحت الملائكة لهذه التحية الربانية قائلة: السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين وقد جعلت هذه التحيات ليرددها المسلمون في ختام صلواتهم التي فرضها الله- تعالي- عليهم خمس مرات في كل ليلة ونهار. ولقد رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم في هذه الرحلة المباركة من آيات ربه الكبري ما أجمله القرآن الكريم وفصلته السنة النبوية المطهرة. وكان من ذلك لقاء الأنبياء والمرسلين. ورؤية نعيم أهل الجنة ورؤية عذاب أهل النار. وبعد رحلة التكريم هذه عاد رسول الله- صلي الله عليه وسلم- إلي بيت المقدس, حيث صلي إماما بأنبياء الله ورسله, ثم عاد إلي بيته في مكةالمكرمة ليجد فراشه لا يزال دافئا. وفي صبيحة ليلة الإسراء والمعراج جاء جبريل ذ ذ-- أداء الصلوات الخمس المفروضة وأوقاتها, بعد أن كان يصلي ركعتين صباحا ومثليهما مساء كما كان يفعل إبراهيم عليه السلام وذلك قبل مشروعية الصلوات الخمس في كل ليلة ونهار. ثم خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم- ليخبر أهل مكة بما حدث معه في هذه الرحلة المباركة, وطفق المشركون يتناولون الخبر في تعجب وسخرية. وفي أثناء ذلك تحدي بعضهم رسول الله- صلي الله عليه وسلم- أن يصف لهم بيت المقدس, فجلاه الله- تعالي- له, وطفق- صلوات ربي وسلامه عليه- يصفه لهم بابا بابا, في وصف تفصيلي كما يسألون, فقالوا: أما النعت فوالله قد أصاب وعلي الرغم من ذلك فقد بقي غالبية المشركين من قريش عاجزين عن فهم امكانية حدوث تلك المعجزات, وذلك لأنهم قاسوها بقدراتهم المحدودة, ناسين أو متناسين أن قدرة الله تعالي:إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون( يس:82). من أوجه الإعجاز العلمي في وصف القرآن الكريم لرحلة الإسراء والمعراج (1) الدقة الفائقة في التسمية لأن الإسراء هو السفر بالليل, والمعراج هو الصعود في السماء, والعلوم المكتسبة تثبت أن جميع صور المادة والطاقة لا يمكنها التحرك في السماء إلا في خطوط متعرجة وذلك لتباين جذب الأجرام السماوية المختلفة لها. ولذلك فإن القرآن الكريم باستمرار يصف الحركة في السماء بتعبير العروج. (2) الربط بين حرمة كل من المسجد الحرام بمكةالمكرمة والمسجد الأقصي بالقدس الشريف الذي ندعو الله أن يعيننا علي سرعة تحريره من دنس المحتلين الصهاينة قريبا إن شاء الله. فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله- صلي الله عليه وسلم- أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال: المسجد الحرام قلت ثم أي ؟ قال: المسجد الأقصي, قلت: كم كان بينهما ؟ قال: أربعون سنة. ومن الثابت إسلاميا أن الكعبة المشرفة بنتها الملائكة علي أول جزء من اليابسة قبل خلق أبينا آدم- عليه السلام- ببلايين السنين. وإذا كان المسجد الأقصي قد بني بعد بناء الكعبة بأربعين سنة, فلا بد وأن الملائكة قد بنته كذلك قبل خلق أبينا آدم عليه السلام بعشرات البلايين من السنين. وواضح أن الجمع بين هاتين البقعتين المباركتين في رحلة الإسراء والمعراج هو تأكيد علي حرمتهما, وعلي شدة الترابط بينهما, وشاءت إرادة الله أن ينبه المسلمين إلي أن حرمة المسجد الأقصي مستمدة من حرمة الكعبة المشرفة حتي يكون في ذلك استنهاض لهمم المسلمين بضرورة المحافظة علي هاتين البلدتين المحرمتين من دنس الكفار والمشركين عبر كل زمان ومكان, والعمل من أجل حمايتهما من عدوان المعتدين إلي يوم الدين. (3) تعاظم المسافات التي قطعها رسول الله- صلي الله عليه وسلم- بشكل يفوق كل تصورات العقل البشري مما يشير إلي أن الله تعالي قد طوي له المكان, وأوقف له الزمن, وهذا ما لا تستطيعه إلا قدرة رب العالمين وتعاظم القوة اللازمة للانفلات من جاذبية الأرض, والعروج برسول الله صلي الله عليه وسلم دون أية واسطة مادية أو أية حماية من المخاطر الشديدة التي يتعرض لها رواد الفضاء في زماننا الراهن مما يؤكد ضخامة معجزة الإسراء والمعراج والتكريم الذي ناله المصطفي صلي الله عليه وسلم بتحقيقها له. (4) إن في بعث كل من الأنبياء والمرسلين, وأصحاب المرائي التي شاهدها رسول الله لدليل آخر علي طلاقة القدرة الإلهية الحاكمة لهذا الكون. المزيد من مقالات د. زغلول النجار