كتب دكتور سعد الدين ابراهيم مقالا يوم 4 أغسطس الجارى بجريدة « المصرى اليوم « تحت عنوان « من حق الأكراد كما الفلسطينيين أن تكون لهم دولة « . وفِى المقال ذكّرنا دكتور سعد بوعد الدول الكبرى فى نهايات الحرب العالمية الأولى بأن تكون للأكراد دولتهم المستقلة فى الأقاليم التى يتركزون فيها وهى تركيا وإيران والعراق وسوريا، كما ذكٌرنا بوعد بلفور بإقامة وطن لليهود على أرض فلسطين ، موضحا أنه تم الوفاء بالوعد الثانى دون الأول . وبرر المؤلف دعمه استقلال كردستان العراق بخمسة مبررات أساسية هى : تعاطفه إنسانيا وحقوقيا مع شعب أصيل من شعوب المنطقة وليس دخيلا عليها ، ومشاركة الأكراد فى مقاومة غزاة الخارج وطغاة الداخل ، واقتناعه بأن منطقة المشرق لن تستقر إلا إذا أسس الفلسطينيون والأكراد كياناتهم القُطرية المستقلة ، وشجاعة الأكراد التى بفضلها أمّنوا شريطا أرضيا يصل بين مدينة الرقة وساحل البحر المتوسط بما يُمّكنهم من تحقيق حلم الدولة ، وأنه فى ظل غليان المنطقة بفعل الثورات الشعبية أصبح «من المناسب بل من المطلوب ومن المرغوب أن يكون للأكراد دولتهم المستقلة «. حرصت على تقديم ملخص واف لمقال دكتور سعد الدين إبراهيم لأننى افترضت أنه لم يُقْرأ على نطاق واسع وإلا لكان أثار جدلا كبيرا من حوله كما حدث مع المؤتمر الذى دعا له دكتور سعد حول حقوق الأقليات فى الوطن العربى عام 1994 - هذا الجدل الذى انتهى إلى نقل مقر المؤتمر من القاهرة لقبرص . لكنى فى حدود متابعتى للصحف المصرية لم أقرأ ردا واحدا على المقال رغم خطورة الدعوة التى تضمنها والتى تنذر بتفكيك الدول العربية وأكثرها على درجة عالية من التنوع الديموغرافى . مبدئيا أختلف مع كاتب المقال فى أساس المقارنة ، فنحن إزاء حالتين لا علاقة لإحداهما بالأخرى ، الأولى هى حالة تنوع ديموغرافى يمثل الأكراد جزءا منها كما تمثل الأقوام والديانات والمذاهب الأخرى أجزاء منها بنِسَب مختلفة . والثانية هى حالة استعمار استيطانى إحلالى اقتلع السكان الأصليين من أرضهم وديارهم بقوة السلاح . وعلى حين يحتفظ الأكراد بمنصب رئيس الدولة العراقية منذ عام 2006 ويشاركون بفعالية فى الحكومة والبرلمان ويتمتعون دون سواهم حتى الآن بإقليم فيدرالى له صلاحيات بالغة الاتساع قياسا على النماذج الفيدرالية المعروفة ، فإن الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلى يعانون صباح مساء من كل صنوف القمع والتمييز والتنكيل . و ينعكس هذا الاختلاف المبدئى بين وضع الأكراد ووضع الفلسطينيين على موقف القانون الدولى من كل منهم ، فوضع الأكراد يحكمه» إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية أو دينية أو لغوية « الصادر عن الأممالمتحدة عام 1992 ، هذا الإعلان الذى يتضمن مجموعة كبيرة من الحقوق الثقافية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية ليس من بينها حق تقرير المصير للأقليات ، أما وضع الفلسطينيين فتحكمه العشرات من قرارات الأممالمتحدة بإدانة الاستيطان والعنصرية وتقاريرالمقررين الخاصين بمتابعة الأوضاع فى فلسطين فضلا عن الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية وأشهرها رأيها حول جدار الفصل العنصرى عام 2004 . ثم إنه عندما يقول الكاتب إن القوى الكبرى أوفت بوعدها لليهود ولم تف به بالنسبة للأكراد فالأمر يبدو للقارئ كما لو كان فيه إضفاء للشرعية على وعد بلفور -وأظن هذا ليس مقصد دكتور سعد . آتى بعد ذلك للحجج الأخرى التى أوردها الكاتب دفاعا عن الدولة الكردية وهى أن الأكراد شاركوا فى الدفاع عن العروبة والإسلام وخرج منهم قادة عظام أمثال صلاح الدين الأيوبى ، وهذه حجة كنت أظنها مبررا للتعايش وليس للانفصال فالمعارك المشتركة هى التجسيد العملى لمعنى الانتماء للوطن الواحد وليس للقطيعة معه . من جهة ثالثة يعتبر الكاتب أن غليان المنطقة منذ 2010 يفترض إعادة تشكيلها وقيام دولة كردية فى إطار « الشرق الأوسط الكبير « وهو مصطلح له تاريخ سياسى معروف مرتبط بمرحلة بوش الإبن ، ثم أن مراحل الغليان فى تاريخ الأمم لا يناسبها هذا النوع من القرارات الاستراتيچية خاصة أن تلك القرارات محفوفة بمحاذير داخلية وخارجية جمة وأن الخلافات فيما بين الأكراد وبعضهم لا تقل عن خلافاتهم مع بغداد ، والسؤال هو ماذا لو فكرت كل الأقليات فى الدول العربية بمنطق اغتنام ظرف الغليان السياسى الراهن وماذا يتبقى إذن من تلك الدول ؟ والأهم من ذَا الذى يضمن أن يستقر المشرق العربى باستقلال الأكراد ولا يعاد استنساخ تجربة جنوب السودان مجددا؟ من جهة أخيرة فإن من يقرأ مقال دكتور سعد يستخلص أنه لا يتحدث عن دولة كردية فى العراق فقط بل إنها تمتد لسوريا أيضا حيث يتكلم المؤلف عن فتح طريق للبحر المتوسط عبر مدينة الرقة ، فأى واقعية تتميز بها دولة كردستان الكبرى التى تشمل أجزاء من هاتين الدولتين وأين تقف حدودها ياترى ؟ . إن دكتور سعد فى كتابه الشهير « الملل والنحل والأعراق « الذى ألفه عام 1994 اعتبر أن « المواجهة الجادة لمسألة الأقليات « ترتكز على ركائز ثلاث توازن بين حقوق الأغلبية وحقوق الأقليات ، وتلك الركائز هى الفيدرالية والديمقراطية والمجتمع المدنى فماذا دفعه يا تَرى لأن ينبذ الفيدرالية التى نادى بها ويدعو إلى الانفصال الذى هو آخر الدواء ؟ لمزيد من مقالات د.نيفين مسعد;