تطورت نظرة المصريين الى الديمقراطية عبر سنوات طويلة استغرقت القرن العشرين كله واختلفت النظرة اليها بين ديمقراطية برجوازية وديمقراطية اشتراكية وديمقراطية المشاركة شعبية ولم تعد الديمقراطية الآن فى نظر المصريين مرتبطة بهذه الشعارات، كما انها لم تعد قاصرة على تأمين الحريات المدنية والسياسية بل اكتسبت ابعادا جديدة سواء كانت ابعادا اجتماعية او اقتصادية، كما انها ايضا تجاوزت البرلمانية التمثيلية الى صور من الديمقراطية المباشرة فى توسيع نطاق المشاركة الشعبية لكل فئات الشعب. وهناك اتفاق بين العديد من القوى الاجتماعية والسياسية فى مصر على الصيغة الديمقراطية التى نسعى اليها الآن والتى يمكن تلخيصها فى المقومات الاساسية التالية التى تتجاوز الصيغة الضيقة للديمقراطية باعتبارها ضمانا للحريات السياسية والمدنية فقط وتشمل كما أوضحنا من قبل أبعادا سياسية واجتماعية واقتصادية. ويشترط لتحقيق هذه الصيغة الديمقراطية توافر المقومات الأساسية التالية: إقرار الحقوق والحريات السياسية والمدنية. والاعتراف بالتعددية السياسية فى المجتمع بكل ما يترتب عليه من نتائج. وإقرار مبدأ سيادة القانون، ودولة المؤسسات، واستقلال السلطة القضائية. وتداول السلطة من خلال انتخابات دورية حرة تجسد نتائجها إرادة الناخبين. وقد أثبتت التجربة أن تطوير مفهوم سليم للديمقراطية يتطلب بالإضافة إلى هذه المقومات التأكيد على الحقائق التالية: ولا تتحقق الديمقراطية السياسية ما لم تتحقق الديمقراطية فى المجالين الاقتصادى والاجتماعى أيضاً، وذلك أن الحقوق السياسية المتساوية لا يمكن أن تؤدى وحدها إلى تمتع الأفراد بقوى سياسية متساوية مادام هؤلاء الأفراد غير متمتعين بحقوق وقوى اقتصادية متكافئة. علاوة على أهمية تجاوز البرلمانية التمثيلية إلى صور من الديمقراطية المباشرة لتوسيع نطاق المشاركة الشعبية لكل فئات الشعب، وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال تشكيل مجالس لإدارة وحدات الخدمات يشارك فيها المستفيدون من هذه الخدمات، ومجالس لإدارة وحدات الإنتاج يشارك فيها ممثلون للعاملين فيها. ولا يمكن السير بنجاح على طريق التطور الديمقراطى بدون النجاح فى تحقيق تطور ثقافى يدعو إلى قيم تخدم هذا التطور الديمقراطى، وبصفة خاصة قيم التسامح والحوار واحترام الآخر والتنافس السلمى والتعاون. إذا كانت الرأسمالية هى الحامل الاجتماعى للديمقراطية فى المراكز الرأسمالية المتقدمة نظراً لظروف أوروبا وأمريكا فى القرنين التاسع عشر والعشرين فإن الحامل الاجتماعى للديمقراطية فى المجتمعات المعاصرة سيكون تحالفا شعبيا واسعا يضم الفئات الوسطى والفئات العاملة والفلاحين بالإضافة إلى قطاع من الرأسمالية المحلية ترتبط مصالحها بدعم الاستقلال الوطنى لبلادها. مع مراعاة أهمية قيام حكم محلى ديمقراطى حقيقى يقوم على انتخاب المجالس المحلية ورؤسائها على كل المستويات، وإعطاء هذه المجالس صلاحيات فعلية فى إصدار القرار وفى تنفيذه وتدبير الموارد المالية المحلية وتحديد أولويات انفاقها على الخدمات المحلية والمرافق العامة. وحرية وتعددية وسائل الاعلام، فمن حق المواطن أن يعرف حقائق الأمور وأن يتابع اختلاف الآراء حول القضايا المختلفة باعتبار حرية تدفق المعلومات من مصادر متعددة شرطا أساسيا لكى يشارك المواطنون فعلاً فى صنع القرارات والاختيار من بين البدائل المطروحة عليهم. وتبنى مفهوم جديد للتنمية يقوم على التنمية للشعب بالشعب وتوفير ضرورات الحياة للمواطنين والتوزيع العادل لعائد التنمية، وبذلك تجمع بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية. وإذا كانت هذه هى المقومات الأساسية للديمقراطية كما يراها الكثيرون فى الوقت الحالى فإن الحاجة إلى تطوير مفهوم الديمقراطية ستظل قائمة، ولكن يبقى جوهرها واحداً هو أن يشارك الشعب فى اختيار حكامه، وأن يكون له الدور الأساسى فى القرار السياسى وهو ما يتضح جليا من المادة رقم (21) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان التى تنص على أن حق الإنسان فى المشاركة يتم ممارسته من خلال: الحق فى الاشتراك فى إدارة الشئون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً. ولكل شخص نفس الحق الذى لغيره فى تقلد الوظائف العامة فى البلاد. كما أن إرادة الشعب هى مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجرى على أساس الاقتراع السرى وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أى إجراء مماثل يضمن حرية التصويت. ومن المهم هنا ان نؤكد ان فشلنا فى تحقيق تطور ديمقراطى يستجيب لاحتياجات المجتمع المصرى ليس ناتجا فقط عن ضراوة الصراع الطبقى وإصرار أصحاب المصالح على الاستبداد بالسلطة ولكنه يعود أيضا الى فشل القوى السياسية فى بناء تحالف عريض ديمقراطى وتقدمى يلتقى حول الصيغة التى اشرنا الى مقوماتها الأساسية ويحتفظ بقدرته على النضال المشترك من اجل تحقيقها. وهذا هو المطلب الملح والعاجل الآن بالنسبة للقوى السياسية الديمقراطية والتقدمية التى آن الاوان ان تشرع فى بناء تحالفها وتوطيد أركانه من اجل تحقيق هذه الديمقراطية التى نسعى إليها والتى كثيرا ما حلم الشعب المصرى بها. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر;