تثير تطورات المشهد السياسي الحالي في زيمبابوي الاهتمام والارتباك في آن واحد. فمن المثير للاهتمام، تشكيل أحزاب المعارضة فى البلاد ائتلافا كبيرا يهدف إلى تحدي الرئيس روبرت موجابي، أقدم رئيس دولة فى العالم، في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى العام المقبل، بهدف إنهاء قبضته المستمرة منذ ثلاثة عقود على السلطة في البلاد. وعلى الرغم من فشل مورجان تشانجيراي، زعيم المعارضة الرئيسي فى زيمبابوى، ثلاث مرات في الوصول إلى مقعد الرئاسة، فإنه يحاول الآن للمرة الرابعة مجددا بالاتفاق مع حلفائه السابقين من المعارضين على ميثاق انتخابي يقضي بموجبه على تقديم مرشحين للبرلمان تحت لواء تحالف حركة التغيير الديمقراطي للوقوف صفا واحدا أمام الرئيس موجابي، حيث تمثل حركة التغيير الديمقراطي بزعامة تشانجيراي التهديد الرئيسي لموجابي منذ تشكيلها عام 1999، لكن الانقسامات التي تعرضت لها في 2005 و2014 أدت إلى إضعافها. وفي هذا السياق، يقول موقع «بولا وايو 24» الزيمبابوي إن أحزاب المعارضة في زيمبابوي تصطاد الآن فى الماء العكر، ويرى أن تحديها لموجابي لن يحقق أي تغيير. في الواقع، يقول محللون إنه حتى ولو تشكل ائتلاف المعارضة، فسوف يلقى هزيمة شنعاء من قبل القوى التقليدية المسيطرة على الحزب الحاكم ، نظرا لأن أحزاب المعارضة ينقصها الوعي الكافي والخبرة السياسية، ولم تتخذ في حقيقة الأمر الاستعدادت اللازمة لخوض الانتخابات التى لا يزال موعد إعلانها من صلاحيات الرئيس موجابي، يؤكد هذا ما كشفته شبكة «أفروباروميتير» البحثية عبر استطلاع أخير للرأى عن الشعبية الكبيرة التي يحصل عليها حزب «زانو- بي إف» بقيادة موجابي، في حين لم يحصل أى من ممثلي المعارضة على أى دعم. وأكدت»أفروباروميتير» أيضا أن انتخابات 2018 هي بالفعل في «جيب» الحزب الحاكم،على حد وصفها، داعية شركاء التحالف من أحزاب المعارضة فى زيمبابوي إلى التركيز على انتخابات عام 2023! وفي هذا الصدد، يرى ديوا مافيهينجا مدير منظمة حقوق الإنسان فى جنوب أفريقيا أن تحالف المعارضة لا يكفي لمواجهة الحزب الحاكم، فجميع مؤسسات الدولة بما فيها هيئة إدارة الانتخابات ليست مستقلة، بل «مسيسة»، لذا، فلابد من إحداث إصلاح داخل هذه المؤسسات وتحريرها من هيمنة الحكومة حتى يتم إجراء انتخابات نزيهة. ومع ذلك هناك وجهة نظر أخرى تقول إن الحزب الحاكم الآن، ورغم قدرته على الحفاظ على سلطاته، أصبح أكثر هشاشة إداريا من أى وقت مضى، ولم يعد قادرا على مواجهة أى تحديات تواجهها زيمبابوى، بينما الفرصة الحقيقية الآن تأتى أمام السياسيين الأصغر سنا والأكثر حيوية ووعيا بالتحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الملحة التى تواجهها البلاد فى الوقت الراهن. وهذا الرأي نفسه يذهب إلى أن موجابي - 93 عاما - لم يعد قادرا على إدارة البلاد، فبعد أن أجرى في بداية حكمه إصلاحات عديدة في البلاد ظهرت آثارها فى عام 1994 تمتع فيها شعب زيمبابوي بخيرات بلاده، انقلب الوضع تدريجيا مع بدء إجراءات عام 1999 التي أثارت موجة غضب في الداخل والخارج ضد موجابي، ونعني هنا عندما سحبت الحكومة الأراضي من السكان ذوي الأصول الأوروبية لتوزيعها على السكان الأفارقة الأصليين، الذين كانوا لا يمكلون خبرات كافية في كيفية الاستفادة من هذه الأراضى الزراعية، مما تسبب فى انتكاسة حقيقية في الإنتاج الزراعي، وبعد أن كانت زيمبابوي من الدول المصدرة للعديد من المنتجات الغذائية، أصبحت تعاني من المجاعة وتفشي سوء التغذية فيها، وتحول الشعب الزيمبابوي إلى أحد أفقر شعوب العالم، كما هوى اقتصاد زيمبابوي إلى الحضيض مسجلا أرقاما قياسية نادرة، بشكل يصعب معه النهوض مجدداً، فضلاً عن انتشار البطالة، وتفشي الأمراض أبرزها الإيدز والكوليرا. كل هذا كلام معقول سياسيا، ولكن الأمر المثير للارتباك في المشهد الزيمبابوي، طلب سيدة زيمبابوي الأولى جريس موجابى من زوجها الإعلان عن خليفة له، وذلك لأول مرة منذ توليه مقاليد الحكم عام 1987! فعلى الرغم من أن وسائل الإعلام المحلية اعتبرت دعوة جريس محاولة لإنهاء الانقسامات حول قيادة الحزب الحاكم فى المستقبل، فإن التكهنات تشير إلى أن جريس - 52 عاما - التى تتولى منصب أمينة الشئون النسائية فى الحزب الحاكم منذ عام 2014 تعتبر خليفة محتملا لموجابي، حيث ألمحت فى بعض التصريحات عن رغبتها فى تولى هذه المهمة. إذن، لا أحد يعرف حتى الآن المصير المحتوم الذى ينتظره شعب زيمبابوي : فهل سيظل موجابي في المشهد، دون أي جديد؟ أم ستخلفه زوجته؟ أم يخلفه نائبه؟ أم يستطيع تحالف المعارضة الجديد تغيير دفة الأمور؟ المؤكد أن الشهرين المقبلين سيكونان حاسمين لمستقبل زيمبابوي السياسي، ولمصير موجابي، أحد أكثر الرؤساء الأفارقة إثارة للجدل.