تعقد فى الصين الشهر المقبل قمة وكانت مجموعة البريكس التى تضم الصين و روسيا و الهند و البرازيلوجنوب أفريقيا. الذى يهمنا فى هذا الخبر هو أن مصر مدعوة للمشاركة كضيف فى القمة، والذى قد يهمنا بشكل أكبر هو أن هذه المشاركة قد تكون بداية جهد منظم و فعال يؤدى لانضمام مصرإلى هذا التجمع. الفكرة ليست جديدة، وكانت هناك مساع رسمية سابقة لطلب الانضمام للبريكس، ولكن هذه الجهود لم تكن جادة بالشكل الكافى، وبالتالى لم يحظ الطلب المصرى بالاهتمام من البريكس. أزعم أن الوضع اليوم مختلف، فالبريكس تمر بظروف مختلفة وكذلك مصر، وهناك فرصة لإقناع دول هذه المجموعة بأهمية انضمام مصر إليها. ولكن قبل الإجابة عن سؤالى لماذا البريكس ؟ و لماذا مصر؟ أود أن أطرح ثلاث ملاحظات كمدخل لهذا الموضوع. الأولى هى أن مصر تحتاج مراجعة أولوياتها فى السياسة الخارجية، والخروج من دوائر الحركة التقليدية التى نسبح فى فلكها منذ أكثر من ستين عاما، والتى نص عليها كتاب «فلسفة الثورة» فالعالم أصبح أكثر تعقيدا، والدوائر الكبرى انقسمت وأصبح داخلها دوائر فرعية تبدو أكثر أهمية من الدائرة الكبيرة. على سبيل المثال داخل دائرة البحر المتوسط هناك دائرة فرعية وهى شرق المتوسط التى أصبحت أكثر أهمية لنا من الدائرة المتوسطية الكبرى بعد اكتشافات الغاز الضخمة فيها. هناك أيضا دوائر جديدة تقوم على أساس اقتصادى وليس جغرافيا، مثل دول «الاقتصاديات الناشئة» والتى تتيح لمصر أفاقا واسعة للتعاون معها، و منها تجمع البريكس. الملاحظة الثانية هى أن دخول مصر فى التزامات تعاقدية للتعاون الدولى يسهم فى دعم عملية الإصلاح فى البلاد، على سبيل المثال أسهمت اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبى فى دفع الإصلاح فى مصر للأمام، ليس فقط من خلال المساعدات المالية و الفنية، و لكن أيضا من خلال أن هذه الاتفاقيات و الشراكات يترتب عليها التزامات دولية للإصلاح ليس من السهل الفكاك منها، عكس الالتزامات الداخلية التى يمكن تجاهلها أو تأجيلها. ومن ثم فإن دخول مصر فى شراكات دولية جديدة مثل تجمع البريكس سوف يجدد و يدعم الالتزام بخطط الإصلاح فى البلاد. الملاحظة الثالثة هى أننا إذا أردنا أن نكون من الكبار فعلينا أن نتبنى أفكارا كبيرة، و الانضمام للبريكس يمكن أن يكون أحد هذه الأفكار. ولكن لماذا البريكس ؟ بالرغم من أن البريكس يضم خمس دول فقط، فإن هذه الدول مجتمعة تمثل 30% من حجم الاقتصاد الكلى للعالم، و 43% من سكان العالم، و 26% من مساحة العالم. البريكس التى ظهرت للوجود عام 2009، وبعد الأزمة المالية التى اجتاحت العالم فى 2007/2008. سعت منذ البداية لتقديم رؤية بديلة للتعاون الاقتصادى و للمنظمات الدولية التى يسيطر عليها الغرب و على رأسها البنك الدولى و صندوق النقد، خاصة أن بعض دول البريكس مثل الصين و جدت أن هذه المنظمات لا تتيح لها دورا فى صناعة القرار يتناسب مع حجمها الاقتصادى المتنامى، ومن ثم أسهمت فى إنشاء تجمعات ومؤسسات بديلة مثل البريكس و البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية و مبادرة طريق الحرير. البريكس طرحت نفسها ليس فقط كتجمع اقتصادى، ولكن أيضا كتجمع سياسى يعبر عن حقائق جيوبوليتيكية جديدة فى العالم، على رأسها رفض فكرة الأحادية القطبية وهيمنة الرؤية الأمريكية على العالم. دول البريكس تبنت العديد من المبادرات لدعم التعاون فيما بينها فى المجالات المختلفة، منها تأسيس بنك للتنمية برأسمال 100 مليار دولار لتمويل مشاريع التنمية فى الدول الأعضاء. البريكس تحولت أيضا الى إطار لتبادل الخبرات و تعلم التجارب الناجحة، و قد شاهدت وزير التجارة و الصناعة فى جنوب أفريقيا يتحدث فى برنامج تليفزيونى عن أن بلاده تعلمت كثيرا من الدول الأخرى داخل البريكس، فتعلمت من تجربة بنك التنمية الاقتصادية و الاجتماعية فى البرازيل، ومن تجارب المشاريع الصغيرة فى الهند، ومن تجربة المناطق الصناعية فى الصين. وأنها تعاونت مع هذه الدول لتكرار تجارب النجاح فى جنوب إفريقيا. باختصار البريكس تتيح فرصا هائلة للتنمية فى الدول الأعضاء. و لكن لماذا مصر؟ مصر تتمتع بعلاقات متميزة و غير مسبوقة مع الثلاث الكبار بالبريكس و هم الصين و الهند و روسيا، و يمكن أن تستفيد مصر من هذه العلاقات فى دعم طلب الانضمام. مصر أيضا لها مكانتها الإستراتيجية المهمة فى الشرق الأوسط و العالم العربى و شمال إفريقيا، وهى نقطة جذب للبريكس كتجمع سياسى. مصر تملك أيضا إمكانات اقتصادية هائلة، وقد انتزعت من جنوب إفريقيا لقب ثانى أكبر اقتصاد فى إفريقيا (بعد نيجيريا) فى العام الماضى، وبالرغم من أن جنوب إفريقيا قد استعادت اللقب مرة أخرى، فإن دراسة حديثة لصندوق النقد الدولى صدرت الشهر الماضى، أشارت الى أن المستقبل فى مصلحة مصر مقارنة بجنوب إفريقيا التى تعانى العديد من الأزمات الاقتصادية و السياسية الممتدة، وأنه مع الارتفاع المطرد فى معدلات النمو الاقتصادى بمصر عكس جنوب افريقيا. فمن المتوقع بحلول عام 2022 أن يصبح حجم الناتج الاقتصاد الكلى بمصر 416 مليار دولار، فى حين سيبلغ 380 مليار دولار لجنوب افريقيا. يضاف لذلك أن دولا أخرى بالبريكس مثل البرازيلوروسيا تعانى من نمو اقتصادى سلبى، ومن ثم قد تكون هناك رغبة فى ضم اقتصاديات ناشئة جديدة لهذا التجمع. وختاما فإن انضمام مصر للبريكس ليس حلما بعيد المنال، وهناك فرصة لتحقيق ذلك بداية من المشاركة فى القمة المقبلة بالصين، ولكن ما نيل المطالب بالتمنى، ومن ثم علينا البناء على هذه المشاركة ببلورة رؤية، وتبنى سياسات جادة لتحقيق هذا الهدف. لمزيد من مقالات د. محمد كمال