ليست مناسبة للفتنة, وليست فرصة للوقيعة, وليست ساحة مفتوحة لحماقة المطالبة بانقلاب. فالثورة المصرية ثورة شعبية حقيقية بكافة المعايير العلمية للمصطلح. والثورة الحقيقية ليست مجرد تغيير أشخاص, وإنما هي تغيير شامل للنظام السياسي بكل آلياته الدستورية والقانونية والمؤسسية. وبالتالي فإن اختيار التوقيت المناسب لتنفيذ حكم للمحكمة الدستورية العليا آلية مشروعة من آليات المرحلة الانتقالية التي تمهد لبناء نظام سياسي مختلف عن النظام الذي قامت ضده الثورة. ولاشك أن قرار المحكمة بحل المجلس في توقيت حرج لمسار الثورة المصرية, والذي تمت صياغته في شكل حكم قضائي غير قابل للطعن أو النقض يشكل نقطة فارقة في تاريخ هذه المحكمة. وتبدو أهمية هذا القرار فيما يحتويه من فرق بين التكلفة وبين العائد. فقد بلغت التكلفة الحكومية المباشرة للانتخابات نحو ملياري جنيه بخلاف ما أنفقه المرشحون علي دعايتهم وقدره بعض الخبراء بنحو18 مليار جنيه, وما تكلفه كل من شارك بصوته وجهده ووقته في تلك الانتخابات في بلد يئن تحت وطأة الديون. بينما تحقق عائد نظري عن تساو دقيق لفرص مرشحين لم يطالب به أحدهم بدلا من تساو تقريبي للفرص لم يعترض عليه مجملهم. كما تأتي أهمية القرار أيضا بما تمثله المحكمة من قيمة علمية بلغت بها قبل صدور الحكم المرتبة الثالثة دوليا. وتساءل الشعب بعد كل ما تكلفه: هل رفع الحكم محكمته الدستورية العليا إلي المرتبة الثانية أو الأولي أم انخفض بها إلي مرتبة أدني؟ كما رصد الناس تقويم فقهاء القانون لأداء تلك الهيئة من أعضاء المحكمة: هل ساهموا في رفع قيمتها كمؤسسة ناهضة أم ساهموا في الهبوط بها ضمن حركة القصور الذاتي للانحدار العام لمؤسسات النظام الذي قامت ضده الثورة. من المؤكد أن القرار حالة دراسية في التشريع والاقتصاد والسياسة والاجتماع والإدارة. فقد يفسر فقهاء القانون السبب المنطقي لتحصين أحكام المحكمة ضد الطعن أو النقض بأن أحكامها تختص بمدي توافق القوانين المعمول بها مع مبادئ دستور يستهدف المصلحة العامة, وأن النص علي كيفية تنفيذ الحكم وعلي من ينفذونه ومن يتضررون منه ومنهم الشعب قد يخرج به من نطاق تحصين الأحكام. بيد أن عليهم أن يقدموا تفسيرا لحجية أحكام دستورية سريعة في فترة مؤقتة يغيب فيها الدستور. وقد يشرح علماء الشريعة أن أي تناقض يبدو بين نص وبين مصلحة يرجع إلي خطأ ما في الفهم أوالقياس أوالتطبيق. والأصل في الدستور والقانون ألا يتعارض مع المصلحة العامة. أما من منظور صنع القرار فيمكن تعريف ثلاثة بدائل أولية: الأول الحكم بدستورية القانون في ظروف الثورة, والثاني الحكم ببطلان انتخابات الثلث المطعون عليه, والثالث الحكم ببطلان الانتخابات برمتها لتبادل التأثير الذي يبدو طفيفا جدا بين الثلث المطعون عليه وبين الثلثين الباقيين اللذين لم يتضرر منهما أحد. وفي كل واحد من البدائل الثلاثة هناك ثلاثة بدائل فرعية متعلقة بالتوقيت: الأول أن يصدر الحكم فورا, والثاني أن يصدر الحكم بعد تمحيصه جيدا مع كل المشاركين والمتأثرين به, والثالث أن يصدر الحكم بعد وضع دستور كامل يمكن تأسيس الحكم عليه. وهذا التقسيم في شكله المرسوم يمثل شجرة القرار التي تتكون من ثلاثة أفرع ابتدائية تتفرع إلي تسعة ثانوية. وعلي كل فرع من الفروع يمكن تحديد التداعيات الكاملة الممتدة علي جوانب التكلفة والعائد متضمنا المخاطر بتقديرات كمية دقيقة تحقق القرار الأمثل. وهناك أسلوبان نمطيان لقياس جودة القرار: الأول يقيس جودة القرار بمدي الالتزام بدقة الأسلوب المتبع في اتخاذه, والثاني يتناول التداعيات الفعلية للقرار كمقياس للجودة. ويمكن الربط بين الأسلوبين بافتراض أن الأسلوب المتبع يجب أن يشتمل بالضرورة علي توقع دقيق لتداعياته. وبهذا المفهوم يكون مقياس جودة القرار في تداعياته الفعلية. وبدراسة تفصيلية لنموذج تقويم جودة القرار محل المناقشة يظهر أن أفضل البدائل هو البديل الثاني الخاص بحكم بطلان انتخابات الثلث المطعون عليه, مع بديله الفرعي الثالث وهو أن يصدر الحكم بعد وضع دستور كامل يمكن تأسيس الحكم عليه. المزيد من مقالات محمد مجدى قابيل