خلال يومين أمضيتهما متنقلا بين أروقة ومناقشات مؤتمر الشباب بالإسكندرية الأسبوع الماضى، رأيت جهدًا جبارًا وطموحًا لإرساء دعائم صناعة الأمل، وهى صناعة ثقيلة لو تدركون قدر ضروراتها الآنية وأثرها المفصلى مستقبلا فى النهوض الاقتصادى والاجتماعى والتكنولوجى والعلمى، وكل ما له صلة قريبة أو بعيدة بمسارات الانجاز والتقدم. وإن كان الخبير الاقتصادى المرموق شريف دلاور، قد قال قوله الحاسم والقاطع أمام المؤتمر بأن نهضتنا الاقتصادية مرهونة باقتفاء آثار ومتطلبات الثورة التكنولوجية المعاصرة، فاننى أعتبر صناعة الأمل جزءا أصيلا مكملا لهذه الثورة التى سيكون الالتزام بها وبشروطها المعبر المؤدى للابداع والانطلاق الذى ننشده، وتعبيد الطريق لإقامة اقتصاد صلب ومتنوع عماده العمل والإنتاج وليس الاستهلاك حتى الرمق الأخير، وأن يصبح للمكون المحلى مكانته واليد الطولى فيه، حتى يتحرر من أسر سعر صرف العملة الأجنبية التى نشترى بها مستلزمات إنتاجنا. صناعة الأمل, التى تمثل طوق نجاتنا الحقيقى، تقوم على ثلاث ركائز، أولاها، الثقة، ثقتنا فى نبل وسلامة المقصد والاتجاه، فما أكثر المشككين فى صدق وجدوى السياسات الاصلاحية التى أعلنتها الدولة، وتكرار القول إن المواطن تحمل بما فيه الكفاية، وأنه لا يحس بعائدها المنتظر، ويحترق بنار الأسعار المنفلتة. يتحدثون بلسانهم المعسول ويغمزون ويلمزون وكأنه كانت هناك بدائل أخرى أخف وطأة ومرارة أمام الدولة للمفاضلة فيما بينها واختيار احلاها، للتغلب على المأزق الاقتصادى والمالى الخطير الذى تواجهه البلاد، ويضغط على مفاصلها ويشل حركتها بشكل شبه كامل، هؤلاء يتكلمون وينتقدون بملء الفم دون طرح البديل العملى القابل للتنفيذ. ليت هؤلاء المشككين المغرضين الذين تتقاذفهم الأهواء والمصالح تستوقفهم الإشارات المتكررة من الرئيس عبد الفتاح السيسى، التى لا يمل فيها من التشديد على استحقاق الشعب المصرى للتقدير والعرفان لصبره وتحمله بشجاعة وبلا كلل آلام وضغوط الإصلاح بمختلف صنوفها، فهو يعلم معدن المصريين وقدرتهم على التمييز بين الحريصين على الوطن ومن يسعون لهدمه وتقطيعه اربا خدمة لأغراض وتوجهات أطراف وجهات خارجية تضمر سوءا لبلدنا. الرئيس يفعل ذلك انطلاقا من ثقته غير المحدودة فى مواطنيه الذين يبادلونه ثقة بثقة، ويعرفون أنه لا يدخر وسعا لحمايتهم من هزات وتوابع الاصلاح. عنصر الثقة ينسحب على شبابنا الذين دللوا عمليا على أنهم ليسوا كسالى ولا جاحدين لفضل الوطن عليهم، ومنهم من ضرب أروع الأمثلة فى العطاء وتجاوز المحن والشدائد بنفس راضية تراعى الظرف العام الذى تمر به بلادنا، وأضحت هذه الأمثلة قدوة ومنارة يهتدى بشعاعها كل الباحثين عن النجاح ومواصفاته، بعدما حولوا حياتهم ومحنهم إلى محطات وعلامات مضيئة لا تملك سوى الانحناء لأصحابها، وتتمنى بينك وبين نفسك أن تصل حكايات كفاحهم ومثابرتهم للبشرية جمعاء. وقد تابعت بنفسى كيف استقبل الحضور دخول الشاب العظيم ياسين الزغبى قاعة مكتبة الإسكندرية، وحرصهم على تحيته فور انتهاء الجلسة، وحينما قبل الرئيس السيسى رأس أيقونة الأمل ياسين فانه كان يبعث بتحية خاصة للشباب من حاملى لواء التحدى، ويؤكد أن شبابنا قادر بلا حدود على فعل الكثير، وتجاوز الصعاب مهما تكن، وأنهم ليسوا جميعا من الناقمين الباحثين عن وسيلة يرحلون بواسطتها من بلادهم الى المجهول، الى حد استعدادهم للموت عطشا وجوعا فى صحراء ليبيا، أو غرقا فى مياه البحر المتوسط بدلا من أن يعرقوا ويعملوا فى مصرنا. كما تابعت عن قرب الأداء الراقى لشباب واعد خلال جلسات المؤتمر، لا يهاب مواجهة كبار المسئولين فى الدولة الذين يعملون ألف حساب لوقوفهم أمامهم، وكانوا حقا نماذج مشرفة يصلح العديد منهم لتولى مناصب قيادية عن جدارة. ثانية الركائز لصناعة الأمل هى المصارحة، فلم تكن هناك محاولات لتجميل تفاصيل الواقع المعاش والايحاء بأن كل شيء جميل وفى أحسن صوره وأحواله، فالوزراء كانوا يقدمون كشف حساب مستوفى الأركان للحاضرين داخل القاعة وخارجها عن الخطط الراهنة والمستقبلية للاقتصاد، والتعليم، والصحة، والعلاقات الخارجية، وكذلك يقومون بتصحيح كثير من المفاهيم والحقائق المغلوطة المتداولة التى ترسم صورة قاتمة لأوضاعنا تشعرك بأنه كتب علينا التعثر الابدى. ومما عرضه الوزراء شعرنا بوجود ضوء فى نهاية النفق، حيث زادت الصادرات بمعدل 23 %، وانخفض عجز الميزان التجارى، وتم توفير 828 ألف فرصة عمل، منذ مطلع العام الحالي، وأن انخفاض النمو السكانى سيوفر للدولة 200 مليار جنيه حتى 2030، وأن 18 مليون شخص يستفيدون من برنامج تكافل وكرامة، وأنه يتم تخصيص 155 مليار جنيه سنويا للمعاشات، وأن التضخم لم يكن غائبا عن الساحة المصرية فى اى وقت من الأوقات، قديما وحديثا، لكننا شعرنا بوطأته، بسبب زيادته 10 % أخيرا. جانب من مبدأ المصارحة تركز على أن استغراقنا فى أحاديث الماضى وليس المستقبل، هو ما يبدد طاقتنا ويشتت تركيزنا فيما لا يفيد، فنحن غارقون فى التصنيفات والاشتباكات والمهاترات غير المجدية، وما إذا كان واجبا تناول دواء الإصلاح اللاذع، أم التريث وتعاطى مزيد من المسكنات والمهدئات، بينما العالم يندفع بأقصى طاقته صوب المستقبل، ولا يحجم عن اتخاذ القرارات الجريئة فى التوقيت المناسب فالتردد يؤخرك سنوات ضوئية عن الآخرين. أما الركيزة الثالثة فهى الوعى بما يحيط بنا ويحاك لنا، فقلة الوعى تتسبب فى خطايا وكوارث قد توردنا التهلكة، ويتبدى ذلك من انخراطنا فى الكلام عن أمور نتجاهل حقائقها وأبعادها، فانطباعاتنا سماعية فى الأغلب الأعم، منها نظامنا التعليمى الذى كتبت مجلدات لا حصر لها عن عيوبه ومقترحات إصلاحه، لكن كم منا يعلم المطلوب انفاقه لتعليم 18 مليون طالب من الابتدائية وصولا إلى المرحلة الجامعية، كلنا يدين الإرهاب وجرائمه البشعة، لكن هل نحن واعون لما تبذله قواتنا المسلحة ومعها عناصر الشرطة من جهد لإحباط عمليات إرهابية والقضاء على الرؤوس الشيطانية المدبرة لها، وقس على ذلك قضايا أخرى عديدة؟. الخلاصة أن مصر بخير ولا خوف عليها بإذن الله، مادام فيها شباب مستعد للعطاء، فهم قوتها وسندها وسيعبرون بها إلى بر الأمان. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;