من قلب المؤامرة ولدت جماعة الإخوان المسلمين، وتضمن نشيدها، فليعد للدين مجده، أو نرق فيها الدماء. وهكذا أعلنت بوضوح أنها تسعي إلي السلطة وإلا فالبديل إسالة الدماء. ومنذ عام 1928 وهي تعمل بكل قواها من أجل الوصول إلي السلطة، وبدون خجل أو حياء تعاونت مع قوي أجنبية ومخابراتية من أجل تحقيق هذا الهدف. وفعلا وبعد أكثر من 80 عاما، احتلت الجماعة مقاعد السلطة في مصر عام 2012. وتصور قادتها أنهم باقون ومستقرون علي قمة السلطة لأكثر من 500 عام. وعندما عادوا إلي المسرح السياسي بقرار من الرئيس السادات، بدأوا الصدام باغتياله كمقدمة للانقلاب علي السلطة، وارتكبوا مجزرة بأسيوط راح ضحيتها العشرات من الضباط والجنود، ولم يتمكنوا من وضع انقلابهم موضع التنفيذ، ولكن تعرضت مصر لأسوأ موجة إرهابية علي أيدي الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد استمرت حتي عام 1997. وانتهي الصدام مع السلطة هذه المرة بعد أن تمكنت الدولة من كسر العمود الفقري لهاتين الجماعتين، وبدأت خدعة المراجعات التي وجدت من يصدقها رغم أن طارق الزمر القيادي الإرهابي قد علق قائلا إنها مراجعات لا تراجعات. والجماعة التي تصورت أنها باقية علي مقاعد السلطة لمدة 500 عام، اختارت هذه المرة أن تصطدم بالشعب، اصطدم الإخوان بالقضاء والقضاة، وبالإعلام والإعلاميين، وبالشرطة حيث قتلوا المئات من رجالها عمدا وثأرا وأحرقوا مئات المنشآت وبالأزهر ورجاله وبما بقي من الحزب الوطني ومؤسساته ورجاله وبرجال الأعمال. المهم أنهم بعد عام، واجهوا ثورة شعبية هائلة، أدت في النهاية إلي الإطاحة بهم من مقاعد السلطة. ومن هنا بدأوا الصدام للقضاء علي الدولة المصرية لا النظام الحاكم لقد واجهوا الإقصاء لا من مقاعد السلطة فقط، بل ومن الشارع المصري وكل المسرح السياسي بعد أن انكشف عنهم الغطاء وتحطمت أسطورة المظلومية التي عاشوا تحت مظلتها طويلا. إن الإقصاء عن السلطة وحده موجع إلي نهاية مشوار الوجع ولكن الإقصاء من المسرح السياسي المصري وهذا الحضور القوي الذي تمتعوا به خاصة في سنوات حكم حسني مبارك الأخيرة، فهو المحنة الحقيقية التي يئنون وينزفون دما تحت وطأتها. وهم في صدامهم الحالي مع الدولة، يخوضون صدام وجود، لا مجرد صراع إرادات أو أهداف، لذا يخوضونه بكل الشراسة الممكنة والمتاحة إلي آخر حدود المتاح. ولا يمكن لعاقل أو مراقب أن يتوقع انتهاء هذا الصراع خلال الفترة القريبة المقبلة. إن صراع الوجود دائما ما يستمر طويلا طالما توافرت الإمكانات التي تسمح له بالاستمرار. ومع ذلك يمكن ملاحظة تراجع أهداف الإخوان، لقد طالبوا عندما تمت إزاحتهم، وفي ظل تحديهم واعتصامهم في ميداني رابعة ونهضة مصر بعودتهم وعودة مرسي وانسحاب القوات المسلحة. وظلت هذه الأهداف القصوي تنحسر إلي أن انحصرت أخيرا في مجرد العودة إلي المسرح السياسي كقوة تركز علي العمل الدعوي بشكل أساسي. إن مثل هذا الهدف هو الحقيقة التي يعملون من أجلها حاليا، ويكتلون قوي كثيرة وراء هذا المطلب. وبالطبع هم يدركون أن مثل هذه العودة تمثل نقطة بداية جديدة يمكن الانطلاق منها مرة أخري للوثوب علي السلطة ولو بعد سنوات أو عقود من الزمن. أما بالنسبة للسلطة فهي لن تتحقق من الوصول إلي نقطة نهاية لهذا الصراع إلا إذا تمكنت من كسر العمود الفقري لهذه القوي الإرهابية، أو إذا نجحت في بلوغهم مرحلة اليأس، أو بهما معا. وعلي امتداد السنوات الماضية وبمتابعة نجاح السلطة في إدارة هذا الصراع بشكل جاد وعملي وعلمي وسياسي وعسكري، يمكن تبين أن نتيجة هذا الصدام لن تختلف عن صدامات الإخوان السابقة مع أهل الحكم في مصر. لمزيد من مقالات عبده مباشر;