شهدت مدينة الأسكندرية عروس المتوسط ومكتبتها العريقة المؤتمر الرابع للشباب بعد شرم الشيخ واسوان والإسماعيلية وافتتح الرئيس عبد الفتاح السيسى المؤتمر وشارك فيه وأجاب عن تساؤلات كثيرة طرحها الشباب اتسمت بالموضوعية والجرأة وكان الرئيس حريصا على أن يكون واضحا وهو يتناول الكثير من القضايا التى تشغل الشارع المصرى فى فترة من اصعب الفترات التى عشناها فى تاريخنا المعاصر..فى تقديرى ان هذا المؤتمر هو الأفضل فى هذه المبادرة التى بدأت تأخذ شكلا أكثر واقعية ومصداقية لابد ان نعترف أن الحكومة ممثلة فى السادة الوزراء قد استعدت لهذا المؤتمر وقدمت ملفات كثيرة حول ما يجرى من انجازات فى أكثر من مجال إبتداء بالإسكان والمدن الجديدة والصناعات الصغيرة والمعاشات والطبقات الفقيرة والإحتياطى النقدى والعجز فى الميزانية والتعليم والصحة وان غابت الثقافة لأسباب لا يعلمها احد وكأنها لم تعد ضمن اهتمامات الدولة أمام الأعباء والأزمات الأخرى كما غابت معظم المؤسسات الدينية.. عندى ملاحظة أولية وهى صورة الحكومة ممثلة فى رئيسها المهندس شريف إسماعيل والسادة الوزراء أين كانت كل هذه الطلاقة والإقناع والأرقام الدقيقة والمستقبل المفروش بالورود فى لقاءات كل هؤلاء امام الإعلام هل من الضرورى أن يكون هذا الآداء الجيد والمميز امام الرئيس ولماذا لا يكون فى كل الأوقات لتوضيح الحقائق امام الشعب وإعادة الأمل للناس فى مستقبل افضل هل هو تقصير من الحكومة ام إهمال من الإعلام توقفت عند ثلاث قضايا تحدث عنها الرئيس وهو يجيب عن تساؤلات الشباب كانت قضية الإرهاب من اهم القضايا بجوانبها الأمنية والفكرية وان اعترف الرئيس بأن فكر الإرهاب سوف يحتاج وقتا طويلا لإقتلاع جذوره قد يستغرق سنوات واننا حتى الأن لم نبدأ هذه المعركة وأن ما يجرى فى سيناء يحقق انتصارات كبيرة خاصة فى الأسابيع الأخيرة.. ولعل هذا يعيدنا الى ضرورة ان تتحول المواجهة مع الإرهاب الى مواجهة عامة تشمل كل مؤسسات الدولة تعليما وثقافة وإعلاما وفكرا واننا مازلنا نعتمد على الجانب الأمنى ممثلا فى الجيش والشرطة وان مؤسسات الدولة حتى الأن لم تضع اقدامها على الطريق الصحيح فى مواجهة الإرهاب الظاهرة والأسباب وان فكر الإرهاب يمتد بجذوره الى سنوات بعيدة وان تراجع دور مصر الثقافى داخليا وعربيا كان من الأسباب التى شجعت على ظهور هذه المحنة.. لا نستطيع ابدا ان نتجاهل نظام التعليم ومدارس التلقين وثقافة التيك اواى واهمال دور المؤسسات الدينية فى ترشيد الناس وبناء العقول ان مواجهة الإرهاب المسلح بالقوة امر مشروع ويمثل حماية للمجتمعات من هذه الظواهر الخبيثة ولكن علينا ان نبحث عن الأسباب فى غياب الفكر المستنير والحوار الجاد وفتح أبواب الإجتهاد دون مصادرة أو منع. وان ازمنة التخلف الفكرى والثقافى هى التى شجعت على هذه الكارثة ولابد من حلول فكرية وثقافية مع المواجهات الأمنية وهذا يبدأ بالتعليم والمسجد والكنيسة وينتهى عند الأسرة المصرية..ان الإرهاب لم يمنع الدولة المصرية من ان تمضى فى رحلة إعادة البناء امام مجتمع خسر الكثير من مقوماته وثوابته الإنسانية فى غياب العدالة وانتشار الفساد والإنقسام الطبقى شديد الشراسة والذى وصل بنا الى ما نحن فيه.. توقفت فى حوارات المؤتمر حول قضية مهمة وهى الزيادة السكانية وهى من اخطر القضايا التى تضع عقبات كثيرة أمام التنمية فى مصر بكل جوانبها..وقد شرح د.وزير الصحة أحمد عماد الدين مخاطر هذه الأزمة وأن اى زيادة فى السكان تأكل اى معدلات للنمو الإقتصادى وإذا كنا نحتاج عددا من المساكن سنويا فإن نسبة المواليد تحتاج اضعاف ما نبنى من المدارس والمستشفيات..ولابد ان نعترف ان الظاهرة خطيرة ولكن من الأمانة ان نرجع الأشياء لأسبابها فقد أهملت الدولة هذه الأزمة سنوات طويلة وتركت سكان العشوائيات يعيشون فى جحورهم ويلقون الملايين من الأطفال كل عام الى الشوارع دون دعم أو تعليم او رعاية..لقد وضعت الدولة برامج هزيلة للتوعية بقضية الزيادة السكانية فى الإعلام والدعاية والصحة والتعليم واكتفت بشعارات رنانة فى حين غاب دور المسجد والأسرة والتوعية الحقيقية..وإذا كنا نضع أيدينا على الزيادة السكانية كسبب من اسباب الأزمة الإقتصادية إلا اننا لا ينبغى ان نتجاهل سببا آخر أهم وأخطر وهو غياب العدالة..فى أزمنة مضت حين قسمت الدولة المجتمع الى من يملكون كل شئ ومن لا يملكون اى شئ فقد اهدرت حقوق الملايين من أجل مجموعة من البشر نهبوا كل شئ..لو ان موارد الوطن تم توزيعها على الجميع ما كنا اليوم نتحدث عن الزيادة السكانية.. إذا كان سكان العشوائيات الأن يبحثون عن ملجأ وملاذ فإن لهؤلاء حقوقا فى عنق مسئولين لم يعدلوا بين شعبهم ان أكبر جريمة فى حق المصريين ان توزيع ثروات مصر وهى كثيرة لم يكن عادلا فى ظل حكومات عملت لحساب فئة من الناس دون مراعاة لحقوق شعب يعانى.. كانت قضية الأسعار من اهم القضايا التى حدث حولها نقاش طويل رغم ان الرئيس السيسى كان دائما يتحدث عن تقديره لدور الشعب المصرى فى تحمل إجراءات الإصلاحات الإقتصادية والحديث عن قضية الأسعار يمكن ان يطول لأنها كانت قرارات علوية لم يناقشها أحد ولم تكن هناك بدائل مطروحة غير ما قررته الحكومة إبتداء بتخفيض سعر صرف الجنيه أمام الدولار وانتهاء بموجة رفع اسعار السلع والخدمات..لقد تحملت الطبقات الفقيرة اعباء القرارات الإقتصادية وهنا كان ينبغى ان تطرح الحكومة اكثر من بديل ولديها ابواب كثيرة ابتداء بالطبقات القادرة وانتهاء بما لها من ديون فى صورة ضرائب متأخرة وهى تقترب من 40مليار جنيه ومعها أموال الصناديق الخاصة التى لا يستطيع احد ان يقترب منها..ان الرئيس السيسى يعد الشعب بمستقبل اكثر كفاية ورخاء خاصة ان هناك بشائر كثيرة فى الغاز والبترول والزراعة والمزارع السمكية والصادرات والإحتياطى .. لقد أكد الرئيس ان هذه القرارات كان ينبغى ان تتخذها حكومات سابقة فقد تأخرت كثيرا والحقيقة ان هذه الحكومات تأخرت فى اشياء كثيرة إذا كان ولابد من الحساب. أن الشعب يتساءل إذا كان من الضرورى ان نشكر الشعب على موقفه وهو لا يملك إلا القليل فأين الحساب لمن أخذوا كل شئ وهم يملكون الكثير ان العدالة هنا ضرورة واجبة. لاشك أن المؤتمر طرح قضايا كثيرة واستمع المسئولون الى موضوعات كثيرة تدور فى الشارع المصرى خاصة ان الحكومة تتأخر كثيرا فى توضيح الحقائق للشعب وتأتى مرة واحدة لتدفع كل هذه الأعداد من الملفات فى يومين..ان الحكومة مطالبة بأن تقدم للإعلام كل ما لديها بكل المصداقية والشفافية وبدلا من ان نسمع كل هؤلاء الوزراء فى عدة جلسات ينبغى ان نراهم على الشاشات يوضحون الحقائق والإنجازات بالصوت والصورة هناك تقصير شديد فى تقديم الحقائق للشعب خاصة الإنجازات التى تتم خاصة ان البعض يشكك فيها والمطلوب ان يعلم المواطن نتائج كل هذه القرارات. هناك قضايا مهمة غابت عن المؤتمر كان ينبغى ان يكون لها مكان.. هناك تغيرات غريبة تحدث فى الساحة الإعلامية مؤسسات جديدة وملايين يتم انفاقها لا احد يعلم مصادرها واسماء غريبة تظهر فجأة وأسماء أخرى تختفى وهناك كائن يعانى اسمه تلفزيون الدولة قابع فى قلب مايسبيرو لا أحد يفكر فيه..مازال موقف الدولة من الإعلام غامضا ومترددا ولا أحد يعرف ماذا هناك . الغريب فى الأمر انه رغم كل الإجراءات التى حدثت فى الإعلام فإن النتائج لم تظهر والدليل ما شاهدناه فى المؤتمر من حقائق لا يعرفها احد وكان الأولى بالإعلام أن ينقل هذه الصور يضاف لغياب قضايا الإعلام ان الثقافة لم يكن لها صوت وان المؤسسات الدينية لم يسمعها احد.. غابت قضية الفساد وهى أخطر ما واجه مصر فى السنوات العجاف ومازالت جذوره تمتد فى مفاصل الدولة المصرية..ان الرقابة الإدارية تقوم بدور كبير ورئيس الجهاز اللواء محمد عرفان يكشف كل يوم كارثة, ولكن يبدو ان العبء ثقيل والمسئولية ضخمة ومازالت فلول الفساد تعشش فى اركان هذا المجتمع..وإذا كنا نتحدث عن الإرهاب والزيادة السكانية ومعاناة الناس مع الأسعار فإن الفساد هو الأب الشرعى لكل هذه الظواهر المرضية الخبيثة, والغريب فى الأمر أن الدولة تحاول أن تقطع رؤوس الفساد القديم ولا ادرى لديها الكثير من الخجل وهذا يشجع على ظهور رؤوس واوكار جديدة..والقضية تتطلب شيئا من الحسم يشبه قرارات الحكومة فى رفع الأسعار والقرارات الإقتصادية الصارمة..إن أوكار الفساد تحتاج الى يد حديدية تخلص البلاد من هذا العار. رغم قانون المصالحات المالية مع رموز العهد البائد مازالت العدالة بطيئة وهناك قضايا كثيرة دخلت الثلاجات وهناك تسويات لا تتناسب مع المال الضائع فى سراديب العهود السابقة ولعل هذا ما يجعل الناس تتساءل لماذا يتحمل الشعب وحده اعباء المرحلة وإعادة بناء مصر واين الذين نهبوا اموال هذا الشعب حتى وصلت به الأحوال الى هذه الصورة المؤسفة إذا كان الشعب يتحمل بصبر قرارات الحكومة فإن عليها ان تفتش فى جيوب كثيرة لم تصل اليها بعد.. لقد طرح مؤتمر الشباب وفى حضور الرئيس قضايا كثيرة على درجة من الأهمية ولكن بقيت هموم الشباب أكبر بكثير من هذا الحشد ابتداء بقرارات العفو عن المسجونين وانتهاء بمشاركة حقيقية للشباب فى العمل السياسى, لقد طلب الرئيس من الحكومة أن تمد جسورا للحوار مع الشباب وفى تقديرى ان جميع مؤسسات الدولة الحكومية والمدنية مطالبة بأن تقوم بهذا الدور بما فى ذلك الأحزاب والنخبة والجامعات والمؤسسات الثقافية وقبل هذا كله كنت أتمنى لو شاركت فى المؤتمر أصوات معارضة حتى تكتمل الصورة وتحمل بشائر مستقبل أكثر حرية وأكثر عدالة ورخاء لكل المصريين..الشباب هم مستقبل مصر بعد زمن قصير..ولابد ان يأخذوا فرصتهم كاملة . ..ويبقى الشعر مُتْ صَامِداً واتْرُكْ عُيُونَ القُدسِ تبْكِي فَوقَ قبرِكَ ألفَ عَامْ قد يَسقطُ الزمَنُ الردِيُء ويطلعُ الفرسانُ من هذا الحطَامْ قدْ ينتهي صخبُ المزاد وتكشِفُ الأيامُ أقنعةَ السلامْ إنْ نامتِ الدنيَا وضاعَ الحقُّ في هذا الركامْ فلديْك شعبُ لن يضلّ..ولنْ ينامْ مُتْ صامداً واتركْ نداءَ الصبحِ يسري هادراً وسَط الجْماجمِ والعظامْ اترك لهم عبثَ الموائدِ والجرائدِ والمشاهدِ والكلامْ أتركْ لهمْ شبقَ الفسادِ ونشوةَ الكُهانِ بالمالِ الحرامْ أطلقْ خُيولكَ منْ قيُودِ الأسْرِ مِن صَمتِ المآذنِ والكنائِسِ والخيَامْ إن الشُّعوبَ وإنْ تمادَي الظلمُ سوف تدقُّ أعناقَ السماسِرةَ العِظامْ إنَّ الشعوبَ وإنْ توارتْ في زمانِ القهرِ سوفَ تُطل من عليائِهَا ويعودُ في يدهَا الزمامْ فارفعْ جبينَكَ نحوَ ضوءِ الشمْسِ إنَّ الصبحَ آتٍ لنْ يطول بنا الظلامْ مُتْ صامداً مُتْ فوقَ هذِي الأرضِ لا ترحَلْ وإنْ صلبوكَ فيها كالمسيحْ فغداً سينبتُ ألفُ صبحٍ فِي ثَري الوْطنِ الذبيحْ وغداً يُطلُ الفجرُ نُوراً من مآذننا يَصيحْ وغداً يكونُ الثأرُ مِن كهان هذا العصرِ والزمنِ القبيحْ فأنثرْ رُفاتكَ فوق هذي الأرضِ تنفضْ حُزنَها ويطلَّ من أشلائهَا الحلمُ الجريحْ وأطلقْ نشيدكَ في الدروبِ لعلهُ يوماً يعيدُ النبضَ للجسدِ الكسيحْ مُتْ صامداً ماذا تُريدُ الآن من هذي الحياهْ؟ مجدٌ وسلطانِ وتيجانٌ وجاهْ ماذا تقولُ وأنت تكبرُ كلما لاحتْ أمام القدسِ أطواق النجاهْ ماذا تقولُ وأنتَ ترفعُ أمة سقطتْ وضاعتْ تحت أقدامِ الطغاهْ ماذا تقولُ وأنت تبقَي في ضميرِ الناسِ حيّا كلمَا نادي المؤذنُ للصلاة ماذا تقولُ وأنتَ أقوي من زمانكَ أنت أكبرُ من جراحكَ أنت معجزةُ الإلهْ أيُّ الوجوهِ سيذكرُ التاريخُ جلادٌ حقيرٌ أمْ شهيد عطرَ الدنيَا ثراهْ؟ فرقٌ كبيرٌ بينَ من سلبَ الحياةَ من الشُعوبِ ومَنْ أعَادَ لها الحَياهْ مُتْ صامِداً والعنْ زمانَ العجزِ والمجدِ المدُنسِ تحت أقدامِ الغزاهْ فلكلَّ طاغيةٍ مدًي ولكل ظلمٍ منتهاه
من قصيدة «الى آخر شهداء الإنتفاضة» سنة 2003 [email protected] لمزيد من مقالات فاروق جويدة;