ملامح تحسين أحوال أئمة الأوقاف المعينين في عهد الرئيس السيسي    بسبب سياسة الهجرة.. بدء عزل وزير الأمن الداخلي الأمريكي    العراق يتسلم قطعة أثرية تعود للعصر السومري من متحف المتروبوليتان بنيويورك الأمريكية    مصرع مبيض محارة انهارت عليه حفرة أثرية بسوهاج    ارتفاع كبير في درجات الحرارة وتدهور الرؤية الأفقية.. الأرصاد تصدر تحذيرا عاجلًا    الفنان أحمد ماهر ينهار باكيًا على الهواء مع لميس الحديدي.. اعرف السبب    هند عاكف ل صدى البلد: شيرين سيف النصر كانت محبوبة من الكل    في مشروع القانون الذي أقره " النواب " .. تعرف علي تفاصيل حقوق كبار السن فى الرعاية حتى بحالات حدوث كارثة طبيعية    حزب الله اللبناني يوقع قتلى وجرحى باستهداف آلية إسرائيلية على الحدود (تفاصيل)    تحذير عاجل من الأرصاد بشأن طقس الساعات المقبلة.. أحمد موسى: الكهرباء والدقيق محور حديث الشارع المصري| أخبار التوك شو    القسام تعلن قنص جندي إسرائيلي ببيت حانون    ريمونتادا باريس سان جيرمان أمام برشلونة بدورى الأبطال على تليفزيون اليوم السابع    أول رد من نادي الزمالك على عقوبات رابطة الأندية بعد فوزه على الأهلي| اعرف الحكاية    على مسئولية شبانة، مروان عطية لن يسافر مع الأهلي في رحلة الكونغو    تذبذب أسعار الذهب اليوم.. وهذه قيمة عيار 21 الان    هتركب عربية.. أرخص 5 سيارات تحت ال 50 ألف جنيه بسوق المستعمل    عشرات المحاضر والمخلفات.. المحافظ يقود حملة مسائية لإزالة التعديات ومستوى النظافة بشبرا    السجن المؤبد لعاطلين والمشدد 15 سنة لآخرين بتهمة سرقة توك توك بالإكراه فى سوهاج    وزير المالية: القطاع الخاص يجب أن يقود 70% على الأقل من الاقتصاد المصري    القمص بطرس بسطوروس يهنئ رئيس مدينة دسوق بكفر الشيخ بعيد الفطر المبارك|صور    غادة عبدالرازق: نجاح مسلسل صيد العقارب كسر «نحس» نجاحات كبيرة أردت تجاوزها    مستشار بمركز الأهرام للدرسات السياسية: العالم يعيش مرحلة من السيولة    مدير مركز «استدامة» للتدريب بكفر الشيخ يحصل على الماجستير في إدارة الأعمال|صور    حدث بالفن | إقامة عزاء شيرين سيف النصر ومعلومات جديدة عن فيلم "السرب" ومحمد رمضان "يحلق ذقنه" داخل ا    وليد فواز: استمتع بأدوار الشر وسعيد بردود الأفعال على شخصيتي سالم ورباح    غادة عبد الرازق: أخويا كان سبب في موت أبويا وأهلي قالولي هتفضحينا بسبب التمثيل (فيديو)    أبرز أدعية شفاء المريض.. تعرف عليها    فتاوى تشغل الأذهان.. حكم الدعاء الجماعي عقب الصلاة.. هل تجوز سجدة التلاوة في الصلاة السرية؟ دار الإفتاء تجيب    سفارة اليونان بالقاهرة تحتفل بالعيد الوطني وسط حضور دبلوماسي كبير    مواصفات وسعر سيارة إم جي ZS موديل 2024 الجديدة كليًا    نشرة «المصري اليوم» من الإسكندرية: مقترح ببيع الفينو بالكيلو.. و11 غطاسًا يواصلون البحث عن جثمان غريق الساحل الشمالي    ننشر جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني لجميع المراحل في بني سويف    حجازي يوجه بتشكيل لجنة للتحقيق في ترويج إحدى المدارس الدولية لقيم وأخلاقيات مرفوضة    نوران جوهر تتوج بلقب «بلاك بول» للإسكواش    النيابة العامة تنشر فيديو مرافعتها في قضية حبيبة الشماع (فيديو)    بالفيديو.. خالد الجندي: الأئمة والعلماء بذلوا مجهودا كبيرًا من أجل الدعوة في رمضان    إحالة 5 من العاملين بوحدة تزمنت الصحية في بني سويف للتحقيق لتغيبهم عن العمل    لجنة متابعة إجراءات عوامل الأمن والسلامة لحمامات السباحة تزور نادي كفر الشيخ الرياضي    "من 4 إلى 9 سنين".. تعرف على سن التقدم للمدارس اليابانية والشروط الواجب توافرها (تفاصيل)    محافظ دمياط تناقش استعدادات مدينة رأس البر لاستقبال شم النسيم وموسم صيف 2024    وزارة النقل العراقية توضح حقيقة فيديو الكلاب الشاردة في مطار بغداد الدولي    هانى سرى الدين: نحتاج وضع خطة ترويجية لتحسين المنتج العقاري ليكون قابلًا للتصدير    روشتة صحية لمواجهة رياح الخماسين غدا.. وهؤلاء ممنوعون من الخروج للشارع    خبير تغذية يحذر من هذه العادات: تزيد الوزن "فيديو"    شولتس يعلن اتفاقه مع شي على التنسيق بشأن مؤتمر السلام الخاص بأوكرانيا    بالشيكولاتة.. رئيس جامعة الأزهر يحفز العاملين بعد عودتهم من إجازة العيد.. صور    إصابة فني تكييف إثر سقوطه من علو بالعجوزة    ضبط 7300 عبوة ألعاب نارية في الفيوم    فوز العهد اللبناني على النهضة العماني بذهاب نهائي كأس الاتحاد الآسيوي    فانتازي يلا كورة.. دفاع إيفرتون يتسلح بجوديسون بارك في الجولة المزدوجة    بعد تحذيرات العاصفة الترابية..دعاء الرياح والعواصف    بعد انتهاء إجازة العيد.. مواعيد غلق المحلات والمطاعم والكافيهات 2024    وزير التعليم: مد سن الخدمة للمُعلمين| خاص    ناقد رياضي يوضح أسباب هزيمة النادي الأهلى أمام الزمالك في مباراة القمة    بعد التحذير الرسمي من المضادات الحيوية.. ما مخاطر «الجائحة الصامتة»؟    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحبيبة .. هي كل أقوالي أمام الإله
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 07 - 2017

لوحات يوسف فرنسيس معظمها لجميلات تبدو الواحدة منهن شفافة كأنها نهر أنوثة يحترف نقاء غير مألوف في الواقع . ويوسف لسنوات طويلة لعب دور الحارس لباب قلبي ، يؤنسني بعلاجي من تمردي الشاهق ، وهو لا ينسى أبدا كيف أخذته من
يده في ابريل 1963 كي نلتقي بيوسف السباعي العضو المنتدب لروز اليوسف ومعي افكار لمائة تحقيق صحفي من باريس وسوف يقوم يوسف فرنسيس برسمهم جميعا ، ولن ناخذ إلا تذاكر السفر بالباخرة وببدل سفر ضئيل ، فضحك يوسف السباعي وهو يركز عيونه في عيوني « أعلم أن فتاة قلبك المتوجة تدرس هناك وأنت تريد أن تلحق بها وأنا لا أستطيع أن أكتب طلبا لجمال عبد الناصر ليسمح لك بالسفر لمجرد أنك عاشق ، وأنت تعلم أنه لا يوجد سفر إلى الخارج للصحفيين إلا بإستئذان جمال عبد الناصر ؛ فخروج أي مواطن من المطار أو اي ميناء لابد للجهة التي سمحت بالسفر ان تخطر مكتب الرئيس « فالبلد يبني نفسه وليس لدينا ترف إهدار المال لمن يرغبون في السفر».
وطبعا حاول يوسف فرنسيس أن يرفع من قيمة ما سوف نعود به من الرحلة الباريسية دون جدوى . وقد جرى كل ذلك وفي جيبه عرض قد جاءه من الأهرام كي يلتحق به رساما .
وطبعا لم يعد أمامي سوى أن أطلب السفر على نفقتي الخاصة وأنا المديون لشوشتي بعدة مئات من الجنيهات تساوي في أيامنا هذه آلافا مؤلفة . وقد وافق إحسان عبد القدوس على سفري على نفقتي ومنحي تذكرة على المركب سوريا بشرط أن يخصم ثمنها من مرتبي المنهك. وسافرت إلى باريس لأكتب من هناك ليوسف فرنسيس «من المدينة التي تحبها أغيظك بالحياة فيها لشهور «فأرسل لي كلمات: على هضبة المونمارتر يوجد منزل عاش فيه جوجان وفان جوخ ، قبل لي أعتابه»، فقررت إغاظته برسالة عاجلة أقول فيها «يعيش في هذا المنزل وفي غرفة البواب كلود إستييه رئيس تحرير جريدة الليبراسيون وهو من أقطاب اليسار الجديد الذي يرفض التبعية للحزب الشيوعي وناصر تحرير الجزائر، وقابلت هناك كريستين سكرتيرة تحرير الجريدة وهي تريد أن تعلمني الفرنسية بشرط أن أعلمها العربية وبحث لي السفير جمال منصور قبل أن يغادر منصبه كقائم بالأعمال في باريس ، بحث لي الرجل عن عمل وتحدث مع أنطوان أشهر مدير تحرير للإذاعات العربية براديو باريس كي ألخص كتابا عربيا كل أسبوع لقاء خمسمائة فرنك ، وهي تكفي الفندق والمأكل والفسحة وتذاكر المسرح ، تصور ماذا خشرت بعدم مجيئك معي « . ولم يرد يوسف على رسائلي الإستفزازية ، فقط علمت أن الأستاذ محمد حسنين هيكل أرسله إلى فينسيا المدينة التي أحبها وحلم بها وهو جالس على شجرة في المطرية أمام منزل عمته التي رعته منذ الطفولة . وهي الشجرة التي كان يصعد إليها ليرسم كل شيء حوله ، وتأسره دائما في أي فتاة ملامح الملاك ، فقد رآى أن كل أنوثة هي ملاك سماوي مهمته هداية البشر إلى حقائق الحياة في هذا العالم . وما أن نزل من تلك الشجرة حتى وجد نفسه متفوقا في الثانوية العامة بما يسمح له بالإلتحاق بكلية الفنون الجميلة ليجد هناك الفنان بيكار الذي ينافس رسوم يوسف بملائكة انثوية ؛ ومن الفنون الجميلة إلى لقاء إثنين مهمتهما في الحياة إهداء أي موهوب فكرة عما يصلح له ؛ هما الفنان حسن فؤاد مكتشف صلاح جاهين وحجازي الرسام وعشرات غيرهما من الموهوبين؛ والثاني هو الفنان عبد الغني ابو العنين مصمم الشكل الفني لمجلة روز اليوسف فضلا عن تاسيسه لفرقة الفنون الشعبية التي اسسها د. ثروت عكاشة ومن اجلها دار على كل محافظات مصر وريفها كي يستوحي تصميم الملابس والرقصات، وهو فنان يعرف كيف يقتنص روح من يرسمه . ولذلك تبدو اللوحة التي رسمها لجمال عبد الناصر هي موجز لشخصية هذا الزعيم بما له من قوة تخفي ضعفه الشديد امام بؤس البسطاء الذين عاش ومات حالما بان يوفر لهم حياة لائقة .ولما كانت مجلة صباح الخير على وشك الصدور ؛ أرسل حسن فؤاد له رجاء بأن يعود إلى القاهرة قاطعا منحة التفوق المقررة له من كلية الفنون ومدتها عامان في الأقصر حيث يدرس الفنان قصة ما تفعله الشمس حين يطل على معبد الدير البحري ؛ فالنور هناك يعزف لحنا سماويا يتصاعد مع لحظات النهار منذ بزوغ الشمس وحتى غروبها ؛ وكأن المعماري الذي ابدعه قد روى مشاعره عن سيدة قلبه المتوجة حتشبسوت ، تلك الفرعونية التي قررت ان تجلس على عرش أبيها لتكون اول إمرأة تحكم مصر، وكان سندها في كل خطواتها هو ذلك المعماري العاشق لنوبي « سننموت «؛وهو من قبل إخفاء تفاصيل قصة حبهما العارم ، وقبل فكرتها بان تذيع حلما مفاده ان رع الأله قد عانق والدتها لتحمل فيها ولتكون إبنة مباشرة للسماء . وطبعا كانت تختلي كل ليل في احضان سننموت وتنكر ذلك في النهار ولما كان سننموت يرهق العاملين في الحفر والنحت على الحجر ، لذلك تجسسوا على تجربته مع حتشبسوت ؛ ورسموا مشاهد عناق شديد الوضوح لسننموت وحتشبسوت على جدران بعض المقابر ، وهناك صور لهذا العناق الكاشف بين الإثنين موجود في احد الكتب الصادرة عن مكتبة المتحف البريطاني كوثيقة من وثائق تصوير العناق بين الرجل والمرأة عبر التاريخ .
ومن يزور الأقصر ويتأمل معبد الدير البحري سيرى ان النور في كل لحظة يكشف تفاصيل معينة في جدار المعبد ، وكأن سننموت قد قال الكلمة التي لا راد لها « حبيبتي حتشبسوت : انت كل اقوالي امام الإله «. ورغم ان شقيق حتشبسوت تآمر عليها بالإتفاق مع الكهنة ؛ فإضطرت إلى إخفاء سننموت من العالم ولا يعرف له أحد قبرا ، وشاء شقيقها ان يذيقها نفس مصير حبيبها سننموت فقام برشوة الكهنة ليعزلها عن العرش ويصعد هو ليخفيها هي ومقبرتها ، لكن يبقى معبد الدير البحري مخلدا لحكايتها ، فكيف يرسم النور قصة حب من الفجر إلى الليل ، وكيف يكون ضوء القمر أسطورة موسيقية ترتل عزف سننموت بكلمته التي لا تموت : حبيبتي : أنت كل اقوالى أمام الإله . وطبعا كان عشق يوسف فرنسيس للاقصر يتوازى مع عشقه لما ابدعه شكسبير في رائعته « هاملت « فرسم حبية هاملت «أوفيليا». وكنت مذهولا بكلم النقاء النابع من جزع شجرة يطل منها نوب الحب العالي من ملامح أوفيليا. وكتب لي أثناء وجودي في باريس بجملة وحيدة «من ستهبها ايامك هي كاوفليا التي رسمتها، فلا تدعها تبتعد عنك: وأرسلت له قولي «كريستين سكرتيرة تحرير الإكسبريس تنظر إلى الرجل الشرقي بعيون من تريد إيقاظ الجارية المخطوفة من وسط اوربا إلى قصر السلطان، ولما كنت إبن رجل نشأ في الريف لذلك لا اصلح لدور السلطان, وقد اعلنت لها ذلك وهي تقدم لي عرضا للتدريب مع كلود إستييه في جريدة الليراسيون ، إلا أنني قررت الإكتفاء بدور المراقب فليس لي طاقة أو قبول لتعلم اللغة الفرنسية ، فأنا من جيل قضى عضو مجلس قيادة الثورة المسئول عن التعليم « كمال الدين حسين على أي فرصة لتعلم اللغة لأنه خفض عدد حصصها وأبعد الكفاءات عن تدريسها ؛ فصارت اللغات الأجنبية مجرد حشو فارغ المعنى . ولم يعد هناك من يتقنها إلا من يدرسون في مدارس أجنبية . وكان أول إفتقاد لتعلم اللغة أثناء دراستنا للفلسفة بآداب الإٌسكندرية ، فحين كان يطلب منا الدكتور قراءة نص باللغة الأجنبية نبدو كالبلهاء في السباحة ومطلوب منهم أن يعبروا بحر المانش ، وكنا نلجأ لمن درس اللغة الأجنبية في المدارس الأجنبية كي يشرحوا لنا النصوص المطلوب قراءتها باللغة الأجنيية ثم فاجأنا الأستاذ الدكتور نجيب بلدي استاذ الفلسفة الحديثة بأغرب طلب يطلبه أستاذ جامعي، فقد قال أن منشورا قد وصله من رئيس المجلس الأعلى للجامعات بمنع تدريس الفلسفة المعاصرة لأنها تحض على الفسق والفجور . وأقترح د. نجيب أن يختار طلبة كل سنة دراسة ثلاثة من الطلبة كي يزوروه في بيته ويشرح لهم الفلسفة الحديثة ، فمن سنة أولى ثلاث طلبة ومن سنة ثانية ثلاثة أخرين ومن سنة ثالثة ثلاثة، وأيضا من طلبة الليسانس ثلاثة، ويصبح عدد الطلبة إثنى عشر طالبا، وأردف الأستاذ «إثنى عشر طالبا لدراسة الفلسفة الحديثة وعليهم مهمة توصيل المعلومات لبقية الزملاء؛ ولأن العدد وهو أثنا عشر طالبا كعدد الحواريين الذين التفوا حول السيد المسيح ، لذلك تمنى د. نجيب بلدي ألا يكون بينهم يهوذا الذي يبلغ السلطات عنه . وفعلنا ما طلبه منا د. نجيب بلدي لنفاجأ بعد نهاية العام برحيله من آداب الإسكندرية إلى آداب الدار البيضاء بالمغرب ؛ ولنعرف بعد ذلك بعامين بحادث سقوط سيارته ومعه افراد اسرته ليموتوا جميعا اثناء اجازة صيفية اراد ان يقضيها في اسبانيا وسقط من طريق جبل مرتفع ، وعندما وصلني الخبر تذكرت قوله عن ألبير كامي الروائي الفرنسي والفيلسوف بأن الحياة عبث يدور بين شروق الشمس وغروبها ، وأن سارتر كان يرفض هذا الرأي ويرى أن الحياة قائمة على الإختيار وأن الساعات والأيام هي أحجار غير مرئية عليها أن ننحت عليها بالإختيار ما نرغب في ان نكونه. واشتد الخلاف بين ألبير كامي وجان بول سارتر بسبب حرب تحرير الجزائر ، فألبير كامي كان يرى أن بقاء الجزائر فرنسية يضمن له زيارة عائلة أمه ، فهو جزائري المولد والنشأة ، بينما جان بول سارتر كان يرى أن كلمة «فرنسا» تحولت من إسم لبلد إلى إسم لمرض نفسي بسبب إستعمارها لبلدان المغرب العربي وكثير من بلدان افريقيا ، وهو من تحمس لإستقلال الجزائر بعد رؤية ومناقشة الطبيب النفسي فرانز فانون إبن جزر المارتنيك وهي جزر فرنسية ، وكان فرانز فانون هو الأول في مدرسة الطب لباريسية فضلا عن تفوقه غير العادي في دراسة الأمراض النفسية ، وبعد أن تخرج إختارت له زوارة الصحة الفرنسية العمل كطبيب مقيم بمستشفى الأمراض العصبية بالجزائر . وهناك لاحظ أن المرضى بسبب التعذيب يفوق حصر اعدادهم وتوقف عند زيادة أعداد الجنود والضباط الفرنسيين الذين يشكون الارق والكوابيس ويطلبون من الزوجات ضربهم ، بمعنى ان الرجل من هؤلاء يعجز عن ممارسة العناق ما لم تعذبه شريكته في التجربة . وتوصل فرانز فانون بأن السبب في ذلك هو قيام الجنود والضباط الفرنسيين بتعذيب المواطنين من الثوار الجزائريين ، فترك فارنز فانون المستشفى والعمل بوزارة الصحة الفرنسية كاتبا ان يرفض الحياة في جنسية تذيق بعض البشر العذاب. وصار عضوا بجبهة التحرير الجزائرية وأسندوا له مهمة فضح أعمال الفرنسيين الوحشية ، ونال شهرة غير مسبوقة كأول فرنسي يلقي بالجنسية الفرنسية في سلة المهملات فكتب سارتر عنه أن فرانز فانون هو من إكتشف أن كلمة «فرنسا» ليست إسما لبلد بل هي إسم لمرض نفسي. وكتب الرجل عدة كتب محدودة أهمها «معذبو الأرض» وهو نقد غير مسبوق لأفكار الأستعمار ونقد حقيقي لفكرة الحزب الواحد عندما يحكم بلدا وهو الكتاب الهام الذي اهديته لمحمد زغلول كامل مدير الخدمة السري بجهاز المخابرات والذي إستبعده صلاح نصر لأنه كان يرغب في تعديل الكثير من سلوك صلاح نصر نفسه ، الذي توهم ان جمال عبد الناصر إختاره لهذا المنصب كي يراقب صلاح نصر. وكان ذلك غير حقيقي ولأن محمد زغلول كامل صار صديقي بعد عودتي من باريس وعلمه بأني رفضت تناول اي مكافأة من ضابط المخابرات محمد شكري حافظ الذي كان يحدد لي مواعيد مع كبار المفكرين الفرنسيين ومنحني طالب الدكتوراه علي السمان كي يكون مترجما لتلك اللقاءات . وعرفت ان جمال عبد الناصر الحق محمد زغلول كامل بهيئة مكتبه بعد ان اصر صلاح نصر على ضرورة التخلص من زغلول كامل . وهو واحد من قلة كانت ترفض التعذيب ويرى ان العلم قد توصل إلى أساليب جديدة تجبر أي إنسان على الإعتراف بكل ما يعرف وكل ما مر به . وكان زغلول كامل يوافقنى على أن التعذيب يخصم من رجولة من يقوم به . وكنا دائما ندعو بالرحمة لفرانز فانون الذي قدم لنا نقدا لتنظيم الإتحاد القومي ثم الإتحاد الإشتراكي ، فقد كان تكوين كل من الإتحادين يوجزهما ان العضو بأي منهما يكتفي بالطموح لدور التابع فيحتقر ألم من هم اقل منه مكانة ويلعب دور الخانع امام من يعلونه في المكانة . ولا مانع من ممارسة الفساد بكل أشكاله من سرقة الفلاحين عبر وضع تكلفة غير معقولة او مقبولة لما تقدمه الجمعية التعاونية بالقرية من خدمات . ولا مانع من الصراخ والهتاف بأسم الثورة في أي مناسبة من المناسبات العامة ، بشرط إستفادة ما من تنظيم مظاهرات الولاء .
وأثق أن راي زغلول كامل كان له التقدير والإحترام عند جمال عبد الناصر لا لان زغلول هو واحد من أصغر الضباط الأحرار عمرا ، ولا لأنه رفض محاولة تجنيد الإخوان له فيما قبل الثورة وفيما بعدها ، ولكن لأنه لم يكن يهاب أي كائن من كان ، ويقول رأيه في أي أمر بشجاعة وعدم تردد .
وكان لفرانز فانون مكانة القداسة عند زغلول كامل وكثير الأسى عندما عرف انه مات بسرطان الدم وحمل الثوار الجزائرون جثمانه عبر الحدود التونسيةً كي يوارى في ارض الجزائر التي اختارها وطنا . ولم تكن باريس لتغفر له تنكره للجنسية الفرنسية فخرجت كثير من المقالات تقلل من شأنه العلمي لكن جان بول سارتر كان لهم بالمرصاد . وقد إندهشت عندما قالت لي كريستين سكرتيرة تحرير مجلة الإكسبريس «هل تحب فرانز فانون ؟» فأجبتها «ومن في بلدان العالم الثالث يستطيع كراهية رجل القى بجنسية بلد الثورة الفرنسية في صندوق زبالة التاريخ لانها تستبيح لنفسها سرقة اوطان غيرها» قالت كريستين : هو يشبه سننموت النوبي القديم الذي وهبته حتشبسوت قلبها ؛ولعل سننموت هو أول أسود في التاريخ تعطيه إمرأة بيضاء قلبها وجسدها وكل كيانها لكنها لم تعلن عشقها له فكان مصيره الإختفاء من صفحات التاريح لتلحق هي به أيضا في مسلسل الإختفاء .
أقول لكريستين : هل حتشبسوت وإختياراتها هي السبب في عشق الفرتسيات لتجربة عشق الأفريقي الأسود ؟ تجيب كريستين : لابد انك زرت الأقصر وشاهدت تراتيل النور على هذا المكان ، هذا ما فعله عشق سننموت لحتشبسوت ؛ وأي إمرأة بيضاء تحلم بأن يسطع النور بكل تموجاته في جسدها وروحها ومن هنا جاء عشق المرأة البيضاء للرجل الأسود ، هكذا أفكر وغالبا ما يتهمني بعض ممن يعرفونني بأني مجنونة لأن مثل تلك الأفكار تدور في رأسي .
أقول: ولعل تلك الأفكار قد إستقرت عند من يعشقون حضارة الفراعنة من ابناء بلدكم وإن كنت أكره تمثالا موجودا في قلب الحي اللاتيني لرأس فرعون مصري وشامبليون يدوسه بقدمه لمجرد أنه قام بتفكيك اللغة المصرية القديمة .
تقول كريستين : ولماذا لا تفسر الأمر تفسيرا مختلفا ؟ تفسير يبدأ من إتهام شامبليون بانه عشق فرنسية بيضاء فتركته إلى عشق مصري اسمر ؟ أقول: أنا لا أعرف هذه القصة ولكني إخترعتها الأن كراهية لغرور شامبليون سواء هو أو المثال الذي نحت هذا التمثال الذي يتجاهل أن حضارة قراءة النور ، حضارة قدماء المصريين هي التي علمتنا تنوع إيحاءات النور في الوجدان الإنساني .
قلت لكريستين : لو كان عندي قدرة على إختيار حياة باريسية لاخترتها كي أدخل في نقاش لا ينتهي معك .
قالت ضاحكة : صدقني انت تصلح ان تكون كل أقوالي أمام الخالق في يوم نهاية العالم الحالي وبدء الحياة في العالم الأخر .
أقول : لكن قلبي كما تعلمين يرتب أقواله أمام الخالق مع دارسة للدكتوراه في بلدكم . وعندما أفكر في تغيير أقوالي أمام الخالق الأكرم سأختار واحدة تتطابق مع قدرات أمي .
...........
وكان لابد من العودة سريعا إلى القاهرة لأن خبرا بدا كانه معروف كل من يمسك قلما وورقة في باريس ، الخبر وهو أن إسرائيل والولايات المتحدة تعتزم تأتيب جمال عبد الناصر بعد أن درست نقاط الضعف في نظامه وساعدها إتساع وتعدد جبهات القتال التي يخوض فيها معاركه ، وعلى مكتب زغلول كامل الذي صار يعمل بمكتب جمال عبد الناصر وضعت ما اعرف فقال جادا» الرئيس يعرف اكثر منك ولكن ماذا عن اللاهين في بقية الأجهزة ؟
أقول : كلنا نحتاج إلى إعادة صياغة أقوالنا امام الله بتعديل سلوكنا .
قال زغلول كامل : لقد اثر في وجهة نظرك قول يوسف فرنسيس لك قبل السفر بأن سننموت صار كل أقوال حتشبسوت أمام الأله .
أقول سأزور يوسف فرنسيس لأعلن له نهاية تجربتي العاطفية التي تريد ان تكلفني عناء الحياة كزوج الهانم . ولن استطيع .
...........
في نادي التوفيقية كان اللقاء مع يوسف فرنسيس وكان معه الهدية وهي لوحة اوفيليا التي قرر إهداءها لي . وراقب عيوني التي تعلقت بفتاة تريد الحوار معه ، فكانت الفتاة هي من إختارها قلبي لأعيد صياغة اقوالي أمام الأله الواحد ولتستمر اقوالنا قرابة الخمسين عاما هي عمر زواجي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.