على الأرجح، سيركز الإعلام الغربى المعادى لمصر خلال الفترة المقبلة على التدخل فى الشأن المصرى من باب «شعبية الرئيس».تناولت وسائل إعلام غربية مرموقة القرارات الاقتصادية الأخيرة «المؤلمة»، التى كان أبرزها قرار زيادة أسعار الوقود، من زاوية واحدة، وهى أن هذه القرارات من شأنها التأثير على شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي، أو أن هذه القرارات أضرت بشعبيته بالفعل، وبخاصة بعد القرار الخاص بجزيرتى تيران وصنافير، غير أن ما لا يعرفه ولا يفهمه الإعلام الغربى أن قضية «الشعبية» هذه كانت ولا تزال آخر ما يفكر فيه الرئيس، بدليل أنه كان قادرا على اتخاذ الكثير من المسكنات والحلول التى ترضى جميع الأطراف إذا كان بالفعل يريد الحفاظ على شعبيته. وخلال الشهر الماضي، أفرطت وكالتا «رويترز» و»أسوشيتدبرس» للأنباء فى استعراض ردود الفعل السلبية لقرارات زيادة أسعار الوقود فى مصر، وترجيحهما مساهمة هذه القرارات فى تراجع شعبية الرئيس. وقالت رويترز فى تقرير بثته يوم 29 يونيو إن الزيادات فى أسعار الوقود «تفوق ما توقعه الكثير من المواطنين الذين يعانون من تكاليف المعيشة المرتفعة، فضلا عن أنها تمثل اختبارا لشعبية الرئيس»، فى حين ذكرت فى سياق آخر من التقرير نفسه أن «إجراءات التقشف تحمل المخاطر فى وقت يعمل فيه معدل التضخم واتفاق مثير للجدل تم التنازل بموجبه عن جزيرتى تيران وصنافير السعودية على تآكل شعبية السيسي»، فى إشارة إلى الألفاظ التى يستخدمها المعارضون لوصف اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية! واستخدمت رويترز فى سياق تقريرها يوم 24 يونيو وصف «التنازل» فى كل تقاريرها عن قضية تيران وصنافير، بصورة شديدة الاستفزاز، ولا تتناسب تماما مع المسمى القانونى للاتفاقية، ومع مبدأ الحياد فى عرض القضايا المثيرة للجدل. وفى التقرير نفسه، ذكرت الوكالة أن «المظاهرات التى اندلعت فى العام الماضى احتجاجا على التنازل عن السيادة على الجزيرتين هى علامة من العلامات الأولى على أن السيسى لم يعد يتمتع بالدعم الواسع الذى سمح له باعتقال الآلاف من الخصوم بعد استيلائه على السلطة»، وهى عبارة تستحق أن تمثل جريمة مهنية حقيقية، ليس فقط بسبب الإصرار على استخدام لفظ «التنازل»، وإنما أيضا للجزم بأن شعبية السيسى تراجعت دون أن يستند ذلك إلى أرقام أو استطلاعات واضحة، وكذلك الإصرار على القول إن الآلاف الذين تم اعتقالهم هم من «الخصوم»، وليست لهم علاقة بالإرهاب وحمل السلاح وقتل عسكريين ومدنيين، وأخيرا، الإصرار على عبارة الاستيلاء على السلطة، رغم أن وصول السيسى إلى السلطة لم يحدث إلى عبر انتخابات رئاسية أتيحت فيها فرصة المشاركة للجميع، ولم يغب عنها سوى من قاطعها بإرادته. وتحدثت وكالة أسوشيتدبرس فى الاتجاه نفسه، فقالت فى تقرير لها يوم 29 يونيو إن أسعار الوقود الآخذة فى الارتفاع من المرجح أن تزيد من معدل التضخم المرتفع بالفعل وتفاقم من مشاعر الاستياء التى تنتاب أفراد الشعب المصرى حيال سياسات التقشف التى بدأها الرئيس السيسي، وهو أمر طبيعى أن تقابل إجراءات التقشف بالاستياء فى أى دولة من دول العالم بطبيعة الحال، ولكنها الرغبة من الوكالة فى التركيز على فكرة «تراجع الشعبية». وسارت على النهج نفسه هيئة الإذاعة البريطانية التى اهتمت بالحديث عن موجات الاستياء وتراجع الشعبية من خلال تركيزها على «بيع» الجزيرتين للسعودية ورفع أسعار الوقود فى تقارير بثتها بتواريخ 25 و29 يونيو، مصحوبة بتقرير مستقل يوم 29 يونيو عبر برنامجها «بتوقيت مصر» الذى تحدث فيه أحد المعارضين المصريين عن «تدنى أوضاع البلاد بصورة أسوأ مما كانت عليه الأحوال قبل 25 يناير 2011». أما «سى إن إن» فكانت أكثر سرعة فى الحركة، إذ بثت خبرا بتاريخ 30 يونيو بعنوان «فى ظل ارتفاع الأسعار .. ما رأى سكان مصر فى رواتبهم الحالية»؟ حول نتائج استطلاع للرأى أجراه موقع على الإنترنت بشأن مدى رضا المصريين عن رواتبهم، حيث أجمع 47% من المشاركين فى الاستطلاع على ارتفاع نفقات معيشتهم بنسبة تزيد على 51% فى ظل تزايد أسعار السلع والخدمات من كافة الأنواع خلال عام 2017. كما بثت يوم 28 يونيو تصريحات لخبير اقتصادى يشكك فيه أصلا فى جدوى إجراءات الحماية الاجتماعية التى اتخذتها الحكومة أخيرا. وعلى الرغم من أن هناك حالة من الاستياء الشعبى تجاه زيادة أسعار الوقود، فإن هذا لا يبرر على الإطلاق أى محاولة لفرض فكرة «تراجع شعبية الرئيس» على الرأى العام لمجرد انطباعات أو وجهات نظر أو توجهات لأفراد معينين، بدليل أن أكثرية «المستاءين» من هذه القرارات يدركون قبل غيرهم أنه لم يكن هناك بديل عن هذه القرارات، وأنها قرارات «تأخرت كثيرا»، ويحسب للرئيس شجاعته فى اتخاذها الآن رغم تأثيرها المرير عليهم. وعلى الرغم من أن هناك حالة من الجدل أثارتها قضية تيران وصنافير، إلا أن هذا لم يكن مبررا أيضا أن تصر وسائل إعلام مرموقة على عرض وجهة نظر واحدة بكل مفرداتها و»تطاولها»، دون التنويه ولو بكلمة عن وجهة النظر الرسمية والقانونية تجاه هذا الموضوع، والتى ثبتت صحتها فى نهاية الأمر، فضلا عن حقيقة «ثقة» المصريين فى قائدهم بصفة عامة. وعلى الأرجح، ستكون لعبة «شعبية الرئيس» هدفا رئيسيا لوسائل الإعلام الأجنبية المعادية لمصر من الآن وحتى موعد فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة.