كعادة البرامج الحوارية قد يَخرجُ الضيف منها بقول كل ما يرغب.. وقد ينتهي به الحال إلى حبس بعض أفكاره نتيجة ضيق الوقت.. أما كاتب هذ السطور فلم يسعفه الوقت فى قول يراه مهما.. ولكن لا بأس وقد منحنا الله مساحة أخرى للقول والكتابة وإخراج بعضًا مما يجول فى الخاطر. فقد كنت ضيفا على إذاعة صوت العرب فى أحد برامجها.. نتحدث عن الثانوية العامة.. وكيف أن وصول الطالب إلي مجموع معين ليس بداية العالم ولا نهايته. هناك من يعتبر وصوله إلى مجموع كبير أو إلى إحدى كليات القمة هدفاً فى حد ذاته.. وهذا أمر لا جدال عليه ويحسب لكل شخص يسعى فى ذلك.. لكنني اختلف قليلا مع مقولة أنه بذلك المجموع وتحقيقه ذلك الهدف قد أصبح الطالب ناجحًا فى حياته العامة. فكلنا أو معظمنا يعرف الحكمة الشهيرة "الوصول إلى القمة صعب، لكن الحفاظ عليها هو الأصعب".. وهذا ما أبحث عنه واختلف عليه.. فأرغب فى النجاح والتميز والبقاء على القمة لفترة معقولة من الزمن. ولذلك أرغب فى الإشارة إلى نوعين من النجاح.. نجاح الاجتهاد ونجاح إدارك لحظة النور. الأول وهو نجاح الاجتهاد والتعلم من الفشل.. والمعنى أن تكون مدركًا للهدف الذى تسعي إليه وتعمل عليه ليلًا ونهارًا، كما فعل أديسون فى اختراعاته الشهيرة فقد جرب كثيرًا وكثيرًا حتي وصل إلى ما يرغب وما جعله فخورًا ناجحًا.. حتي أطلق حكمته الشهيرة" أنا لم أفشل، بل وجدت 10,000 طريقة لا يمكن للمصباح العمل بها." وفي اليابان احتفل العلماء بالفشل العظيم عندما اطلقوا سفينة فضاء فاتخذت مدارا حول الأرض, وفجأة سكتت السفينة كأنها ماتت.. لا ترد علي الإشارات الأرضية واللاسلكية. ويري علماء اليابان أنه لا عيب في التجربة، فى الفشل، فبالتأكيد هيئة الفضاء الأمريكية "ناسا"، وهيئة الفضاء الروسية "روسو كوزموس"، وهيئة الفضاء الأوروبية" آيسا" كانت لهم جميعا تجارب فاشلة فى البدايات, فالفشل لايوقف النجاح مع الإصرار والدأب والصبر.. ولا يجعل النفس تكف عن المحاولة, فلولا الفشل وإعادة المحاولة بعد الأخرى لما ظهر النجاح. والمعني أن نحاول ونحاول حتي لو لم يكن هناك أي أمل في النجاح.. فسوف يجيء النجاح من تلقاء نفسه.. فلا يضيع جهد مجتهد في أي مجال! أما النجاح الثاني الذى أرغب فى التأكيد عليه وهو نجاح إدراك لحظة النور الذى يشرق في حياتك دون أن تعلم، ويغير مجرى حياتك للأبد.. وهو ما أعطي عليه مثالاً ب"سلمان خان" صاحب قناة "خان أكاديمي" على اليوتيوب وليس سلمان خان الممثل الهندس الشهير.. والأكاديمية منظمة غير ربحية تهدف لنشر العلم الأكاديمي للعالم مجانا. وقصة سلمان بدأت عندما أخذ أقاربه فكرة عنه أنه بارع فى شرح مادة الرياضيات بطريقة سهلة وبسيطة.. وفى إحدى المرات طلبت منه ابنه عمه "نادية" أن يشرح لها المادة.. ولكن كان هناك عائقًا أمامهما وهو أنها تعيش فى ولاية بعيدة عنه فهى فى نيو أورليانز وهو فى بوسطن.. فاستخدم وقتها برنامجا على موقع ياهو ليشرح لها.. وبعد عدة شهور تحسن مستواها بشكل واضح.. فطلب عدد من الأقارب والأصدقاء تكرار نفس التجربة مع أبنائهم مثلما فعل مع "نادية". هنا قرر سلمان خان أن ينشأ قناة على موقع "يوتيوب" فى 16 نوفمبر 2006.. ليراها من طلبوا منه الشرح، ولسهولة وسلاسة شرحه ارتفعت المشاهدات على قناته بطريقة ملفتة، ومن ثم لاقت فيديوهاته شعبية كبيرة وسط الأمريكان. وبعد مرور نحو ثلاثة أعوام وبعد تلقى ملايين التعليقات الإيجابية والتشجعيات من التلاميذ والطلاب والمعلمين وشهادات التقدير من الجمعيات والمنظمات والمؤسسات.. قرر فى أواخر عام 2009 الاستقالة من عمله في مجال التمويل والاقتصاد، والتفرغ بشكل كامل لتطوير قناته على يوتيوب لتكون أكثر تنوعا، ليشرح فيها عدة مواد ولا يقتصر على الرياضيات فقط فأضاف إليها اللغة الإنجليزية والتاريخ. وفي مارس 2011 حققت فيديوهاته ودروسه أكثر من 45 مليون مشاهدة.. وتم استخدام فيديوهات قناته عبر "يوتيوب" لتعليم ملايين الطلاب في مناطق معزولة من أفريقيا وآسيا. والمعني أن سلمان عندما سنحت له الفرصة بأن يكون صاحب مبادرة عالمية اقتنصها واستقال من وظيفته التى كان ناجحا فيها.. لقد أدرك سلمان شعاع النور الذى قد يغير حياته إلى الأفضل لذلك لم يتردد فى السير خلفه. ورغم أن الإنسان نادرًا ما يكون منصفًا لنفسه ولذاته.. إلا أن سلمان كان واحدًا من هؤلاء القادرين على تمييز الضوء الخافت فى نهاية النفق أو حتي الضوء الساطع وسط نهار العمل.. فتحول سلمان إلى طاقة نور للعالم أجمع.. لأن لديه كل أدوات النجاح ولكنه كان لا يدري! [email protected] لمزيد من مقالات أحمد سعيد طنطاوى;