«مريم».. هى الطالبة الأولى على مستوى الجمهورية فى الثانوية العامة شعبة العلوم بمجموع 99%، التى أعادت إلينا منظومة التعليم إلى سابق عهدها، وأثبتت جدارة ما كان قائما سواء على المستوى التعليمى أو على المستوى الأخلاقي. فمن هى مريم؟ الإجابة الحاسمة: هى ابنة أسرة كادحة فعلا، وأشقاؤها بنات وليس لها شقيق ولد واحد، وبالتالى كانت هى ثمرة التحدى لواقع صعب. وقد أثبتت كما قالت فى البرنامج التليفزيونى مع المذيع معتز الدمرداش، أنها كبنت ستكون ب (100) راجل، كما وعدت والدها يوما ما.. عندما كان يعبر ولو بالصمت عن عدم إنجاب ولد يعينه على الحياة وتربية أشقائه. كما أن «مريم» متفوقة باستمرار طوال دراستها، ومتقبلة واقعها وراضية بما قسمه الله، وتبذل كل الجهد من أجل تغييره للأحسن بسلاح التفوق، كما أنها قالت إنها تريد أن تفعل شيئا للبلد بجد، وليس مجرد كلام، ترد به الدين حيث تعلمت بالمجان فى المدرسة وتكمل بالمجان فى الجامعة، وهو ما يعكس إحساسا بالانتماء والوطنية ووعيا متكاملا بدورها بلاشك ودون مبالغة. كان حديث مريم فى التليفزيون، وفى بعض الصحف، حديثا عذبا، يفيض بالانتماء للأسرة الصغيرة (الأب والأم المكافحين والشقيقات الثلاث) يعكس الحب العميق والترابط الكبير بينهم، وقد كان حديثها تلقائيا وصادقا، وتعبر عن مشاعرها بصدق لا يمكن لأحد أن ينفيه، ويؤكد ذلك بشاشة وجهها وانشراحه. وسبحان الله، لا أجد ذلك فى وجوه لأمثالها أى من فى سنها أو أكبر ومن أسر ميسورة الحال، الأمر الذى يؤكد أن مريم نموذج استثنائى ربانى أراد الله سبحانه وتعالى أن يذكرنا به لعلنا نستفيد منه ويصبح معيارا للتقدم فى العملية التعليمية إن أردنا أن نخرج الأمة من أزمتها. فالتعليم عندى هو أمن قومي، وكتبت ذلك فى مقال شهير بالأهرام وكنت أول من تحدث فى ذلك فى الثمانينيات، فإن تعاملنا مع التعليم على هذا الأساس، فإن التقدم هو النتيجة أو المحصلة للدولة كلها، هل نسينا ما حدث فى أمريكا عندما صدر تقرير التعليم بعنوان: «أمة فى خطر»، وطالب بإعادة النظر فى البناء والمضمون التعليمى وإلا فان الكارثة هى الحصاد. وهنا أقول بوضوح وحسم ما يلي: 1 إن التعليم قد تعرض لعملية تفكيك وانهيار بعد انتصار أكتوبر 1973 وبطريقة ممنهجة، حتى صارت حالة التعليم فى منتهى السوء،، وتستلزم إرادة شاملة لتغييرها بجد. 2 إن التعليم لا ينفصل عن التربية، بأى حال، ونموذج «مريم» يعبر عن تلازم التفوق مع الأخلاق، وترجمت ذلك فى ارتباطها بالأسرة وحب الوطن، والقناعة والرضا، وعدم رفض واقعها بل التعايش معه والسعى لتغييره. 3 إن التغيير يبدأ من المرحلة الابتدائية، ورياض الأطفال لإعداد إنسان مصرى جديد، تكون «المدرسة والمدرس» هما أساس ارتباط التلميذ بالمكان والمدرسين، ومعهما مناهج جديدة وطرق تعليم جديدة تواكب العصر، ومضامين تبعث على التفكير لا التلقين والحفظ، ولذلك فان بداية الإصلاح من مرحلة الثانوية، هى بداية فاشلة ولا تؤدى إلى نتائج حقيقية، وهى فى تقديرى مجرد تغيير نوع الطلاء، لكن الحوائط نفسها والأساس لم تتغير. 4 ضرورة تحديدالهدف من العملية التعليمية بوضوح، وهو إيجاد مجتمع التقدم والديمقراطية، وهو ما تجب ترجمته فى كل شيء المناهج والإدارة والمدرس القدوة.. ألخ، وليس الهدف مجرد منح شهادات تعليمية كما هو حادث الآن. 5 ستظل الثانوية العامة نظاما وهميا، ما لم يحضر الطالب إلى المدرسة طوال العام كما هو حادث الآن، وأن المدرسة البديلة هى الدروس الخصوصية. فمعيار التغيير الحقيقى إنهاء أسطورة الدروس الخصوصية تماما، وعودة الطالب للمدرسة كأساس لدخول الامتحانات. أى أن إعادة الاعتبار للمدرسة والمدرس ومضمون العملية التعليمية هى البداية الحقيقية. والموضوع يطول شرحه، وأردت لفت الأنظار على خلفية الطالبة المتفوقة «مريم»، كنموذج لاستحضار نظام تعليمى وأخلاقي، يرقى بالأمة ويخرجها من عثراتها، والله المستعان. لمزيد من مقالات د.جمال زهران