◙ 80 أثرا فى حالة جيدة .. و16 تحاصرها المبانى الخرسانية البدائية
حى الغورية...مدخل خاص للقاهرة التراثية يعرفه تمام المعرفة رواد الأزهر الشريف والقادمون من مسجد الإمام الحسين رضى الله عنه، فهو يحتل مساحة واضحة على امتداد البصر بكل محاله وأسواقه اللافتة للنظر. هو حى مهنته التجارة التى تزدهر فى وقت المناسبات والأعياد، وأهم مشاهده مدرسة ومسجد الغورى آخر السلاطين المماليك الذى ينسب إليه الحي، ويعتبره أهل مصر سيد البنائين بشهادة المؤرخين وعلى رأسهم ابن اياس الذى شبهه بخمارويه بن أحمد بن طولون. اخترنا أن نصل إليه عبر أزقة وشوارع القاهرة الداخلية، بداية من باب زويلة الذى لا تزال تذكره المحروسة بواقعة شهيرة وهى شنق طومانباى آخر حاكم مملوكى لبر مصر منذ خمسمائة عام بالتمام والكمال، وقد كان قبلها معروفا بكونه واحدا من الأبواب الثمانية التى بناها جوهر الصقلى فى أسوار القاهرة بغرض ارستقراطى والعهدة على د. عبد الرحمن فهمى أستاذ الآثار الاسلامية- فالمطلوب هو منع عامة الشعب من الاتصال بالقصور الملكية. والغريب أن الناس لم يعودوا يدخلون من أحد بابى زويلة، فترك دون استعمال حتى سد حين استقر أمرهم على المرور من باب واحد. والسبب كما يقول المؤرخ القلقشندى فى موسوعته ان المعز الذى بنيت له القاهرة دخلها عند وصوله قادما من المغرب من ناحية القوس الموجود الآن، فازدحم الناس فيه واشتهرت بينهم مقولة ان من دخل منه لم تقض له حاجة. تغيرت حال هذه الآثار أما أحوال الناس فتدلنا عليها تلك المحال التجارية التى تعبر عن حركة السوق فى مصر ، فالغورية منطقة تعبر بصدق عن أحوال البلد ونبض الشارع ، و أما السياحة والتجارة فيمكننا هنا أن نراهما بوضوح. يتحدث رضا فؤاد حنفى صاحب محل بيع شموع عن حرص أهالى المنطقة واصحاب المحال على الحفاظ على المبانى الأثرية بمنطقة الغورية وتقديم المساعدة بأى شكل يحقق ذلك الهدف ، فيمكن لاهالى كل منطقة أثرية عمل جمعية أو رابطة لجمع التبرعات وتنظيم المساعدات،ثم التنسيق مع الجهات المعنية للاستفادة منها. كما يمكن التعاقد مع شركات نظافة خاصة لازالة القمامة والتعديات ،وبذلك نتعامل مع الأمر بشكل موضوعى وعملى لان حل مشكلاتنا يحتاج إلى تضافر جهود المواطنين مع الحكومة. ويرى محمد بائع قماش خيامية ان الشارع من أجمل شوارع القاهرة ويستحق الرعاية والاهتمام ، وهذا دور وزارتى الاوقاف والآثار. ويؤكد خميس محمد الصغير صاحب محل تجهيز عرائس انه يعمل بالمنطقة منذ 40 عاما وشهد فترات ازدهارها ، ولكن المنطقة تغيرت ملامحها وعاداتها مع دخول الغرباء والملاك الجدد ، ويتمنى عودة السياحة لأنها تجعل بلادنا أجمل ، ويدعو الله ان يحفظ مصر وتعم المحبة بين أهلها . ويبادرنا فتحى خليل البردينى صاحب محل مصوغات بقوله لقد جمعت لفظ الجلالة الله بألف شكل مما ينم عن إعجازه ، وانا من مواليد المنطقة وعمرى 80 عاما ، وكل شبر فى الشارع يفوح منه عبق تاريخى فهو شاهد على عدة عصور مرت بمصر وشكلت تاريخه. لكن هل يمكن لهذه الآثار التى تبدأ بباب زويلة مرورا بسبيل نفيسة البيضاء ومحمد على وحارة خوش قدم والتى تزيد على 16 أثرا أن تتنازل عن مكانتها وسط الكثير من المبانى الخرسانية البدائية التى توجد بينها مقالب عشوائية للقمامة؟ يقول طلعت محرم مدير عام ترميم شمال القاهرة: ان كل هذه الآثار توجد فى مساحة لا تتجاوز المائة متر ومنها أيضا جامع الصالح طلائع وزاوية فرج بن برقوق وسقيفة رضوان. ومثل هذه الآثار المتميزة لديها قائمة من التحديات، فالقاهرة التاريخية بشكل عام تعد من أصعب الأماكن التى يمكن الوصول إليها عبر المواصلات خاصة للقادم من شارع القلعة أو بورسعيد. الآثار لا تحتاج فقط إلى رعاية وحماية، بل إلى نظرة أخرى تتجاوز من خلالها الاحساس بالاشفاق إلى مرحلة الاستفادة من هذه الكنوز التى لا يوجد فى العالم مثيل لها ، فلابد أن تعود هذه الأماكن مركزا ثقافيا وسياحيا يشعر الناس بوجودها ليحافظوا عليها ، والأفضل الاستفادة منها بعد الترميم كما هى الحال فى بيت السنارى فى السيدة زينب. فالسائح يأتى إلى هذا المكان ولا يجد دليلا أو خريطة أثرية متكاملة ومتاحة تشرح له أهمية الأثر وتاريخه، كما لا يجد خدمات ومطاعم على مستوى جيد حتى يستريح بعد جولته ، رغم أن بعض الخانات تشبه الفنادق ولدينا فى سقيفة رضوان ما يقارب المائتى حجرة تؤهلها للتحول إلى فندق سياحى على النمط المصري. وهذا لا يعنى التخلى عن الأثر بل استخدامه بشكل صحيح وسليم مع مراقبة حالته بقصد الحفاظ عليه. فالأثر لو رمم وترك دون الاستخدام الصحيح يتعرض للاهمال، ولدينا نحو 80 أثرا فى حالة جيدة فى منطقة الغوري. ويضيف: كما يجب على كل شاغل أثر وعقار مميز أن يصونه حتى ولو لم يكن مالكه. ولدينا تجربة جيدة خاصة بسقف بيبرس الخياط الذى شارك السكان فى ترميمه. ومن الممكن أن يكون هناك صندوق للمساعدة فى ترميم الآثار، ومن المفيد أيضا لبعض الجهات الشاغلة للآثار كالوزارات التى تسكن القصور والمساجد أن تتعاون للابقاء على الأثر فى حالة جيدة حتى يتم تسليمه للأجيال القادمة كما تسلمناه نحن ممن سبقونا. فلا يجدى ترك الأثر نهبا للاهمال والتلوث لأن هذا يؤدى إلى تدهور حالته حتى بعد ترميمه.وهناك صناعات ونشاطات تجارية يمكن أن ترتفع بالمنطقة ومنها الصناعات التراثية والتقليدية مثل شغل الخيامية ، فى حين أن وجود ورش عشوائية يمكن أن يتسبب فى اندلاع حرائق، وقد حدث هذا من قبل، كما أن محاولة الاطفاء وسط هذا الزحام، أو عدم القدرة على وصول سيارات الاطفاء من الداخل قد يسبب مشكلة يصعب حلها. وتقترح صفاء خلف مدير منطقة بالمؤيد شيخ وضع هذه المبانى الأثرية على أولوية ميزانية الترميم وأن يكون هناك تعاون أفضل مع الجهات التنفيذية ، فعند مخاطبتنا لرئاسة حى وسط القاهرة من اجل تنظيف الاماكن الأثرية، لم نتلق أى استجابة بالرغم من كثرة المخاطبات الكتابية والاتصالات والمقابلات، وجهودنا فردية فى مواجهة التعديات خاصة ان الشكوى التى تقدم بشكل محاضر رسمية للشرطة تلزمنا بتحديد اسماء المتعدين وذلك من الصعوبة بمكان أولا لتعرضنا للتهديد والبلطجة من جانب المعتدين ،وثانيا لاننا فى كثير من الاحيان لانعرف اسماءهم . وفى النهاية يرى د. عزت صليب مدير عام ترميم آثار ومتاحف القاهرة الكبرى أن أفضل الحلول التى يمكن ان تقدم للآثار الآن الحل الشعبي، وهو ما يعنى أن يتكاتف المصريون من أجل إنقاذ الآثار وهو دور مهم أيضا للمجتمع المدني. فهذا أفضل الحلول لإنقاذ الآثار التى يمكن أن تنتظر وقتا حتى تحصل على فرصتها فى الترميم والصيانة. وهناك جمعيات بالفعل تهتم بالتراث تقدمت بطلب ترميم لأحد المنشآت وهو حل عملي. ويمكن ان يكون عاملا ومحفزا للناس فى الحفاظ على آثارهم التى تضمها منطقتهم . كما أن هذه الآثار يمكن بالفعل توظيفها فى مجال الخدمات الثقافية و العلمية حين تصبح مؤهلة للمشاركة بدلا من تركها بعد الترميم.