لا تزال الأزمة القطرية تراوح مكانها بعد مرور أكثر من شهر على قرار الدول الأربع السعودية ومصر والإمارات والبحرين اتخاذ إجراءات مقاطعة اقتصادية وسياسية ضد النظام القطرى ردا على دعمه للإرهاب وتدخله فى شئون هذه الدول وتقويض أمنها واستقرارها, ورفضه الاستجابة للمطالب الثلاثة عشر التى قدمتها الرباعية والتى توافقت مع وثائق اتفاقيتى الرياض 2013 و2014 التى تم نشرها, وأظهرت إخلال قطر بالتزاماتها الدولية وأكدت حق الدول الأربع فى اتخاذ ما تراه مناسبا من إجراءات لردع النظام القطرى. وفى الوقت الذى أظهرت فيه الدول الأربع رشادة واضحة فى إدارة الأزمة عبر منح قطر الفرصة للتراجع عن موقفها, وحفاظا على مصالح الشعب القطرى ولم تتخذ إجراءات تصعيدية فورية عقب الرد السلبى القطرى على مطالبهاد فقد استمر النظام القطرى فى انتهاج سياسة التحدى وتدويل الأزمة واللعب على مزاعم المظلومية, والرهان على عامل الوقت والمماطلة والاعتماد على دعم بعض الدول الإقليمية مثل تركياوقطر وتوظيف التباين فى المواقف الدولية من الأزمة مما يعنى عدم رغبة حقيقية فى حل الأزمة سلميا. الدور الخارجى فى الأزمة القطرية زاد من تعقيدها, فهو يسير فى الاتجاه الذى يطيل من أمد الأزمة وليس فى الاتجاه الصحيح الذى يضغط على قطر باعتبار أن الكرة فى ملعبها وأن رفع المقاطعة مرتبط بموقفها والتغيير الحقيقى فى سياساتها الداعمة للإرهاب والاستجابة للمطالب المشروعة وتنفيذ اتفاقيتى الرياض. فقد تدخلت الولاياتالمتحدة وألمانيا وبريطانيا على خط الأزمة تحت مظلة التسوية السلمية لها عبر الحوار والتفاوض, لكن مواقفها اتسمت بالتناقض والازدواجية بما يحقق لها مصالحها السياسية والاقتصادية فى المنطقة, وهو ما بدا فى تصريحات وزراء خارجيتها, حيث كان القاسم المشترك فى مضمونها رفض ما سمته قطر بإجراءات الحصار والدعوة إلى التفاوض, وهو ما يعنى انحيازا مبطنا للموقف القطرى. فالدول الثلاث وإن كان من مصلحتها تحقيق الأمن والاستقرار فى منطقة الخليج نظرا لتشابك مصالحها الاقتصادية والنفطية والعسكرية معها, إلا أن لعبة المصالح وتوازنات السياسة تحكم مواقفها من إدارة الأزمة, عبر تعدد وتغير الخطاب السياسى لأطراف الأزمة, لتحقيق التوازن بين حفظ مصالحها وعدم خسارة أى من أطراف الأزمة. خبرة أزمات المنطقة دائما ما تؤكد أن الدور الخارجى غالبا ما يكون سلبيا ولا يسهم فى حلها بل على العكس يزيد من تعقيدها وتشابكها وهو ما بدا فى الأزمات المستعرة فى العراق وسوريا واليمن وليبيا, ولذلك فإن حل الأزمة القطرية فى الرياض وليس فى العواصمالغربية التى يجوبها وزير الخارجية القطرى محمد بن عبد الرحمن, والتى تمارس سياسة الأدوار المتعددة وفقا لاعتبارات المصالح. ولذا فإن الدور الخارجى وإن أسهم فى عدم تصعيد الأزمة واشتعالها, فإنه أنه لن يسهم فى حلها على الأقل فى المدى القصير. بحسابات التكلفة والمنفعة فإن من مصلحة النظام القطرى أن يتم حل الأزمة داخل البيت الخليجى والعربى فى إطار الوساطة الكويتية ووفقا للأعراف الخليجية حيث يكون حل الأزمات التى تندلع ما بين الحين والآخر فى الإطار الخليجى, وأن تنحاز قطر لخيار الرشادة والاستجابة لمطالب الدول الأربع وتوقف دعمها للإرهاب وأن تكون عضوا نافعا فى الجسد الخليجى والعربى. لأن تكلفة خيار التحدى والمراوغة ستكون عالية جدا لقطر سواء على المستوى الاقتصادى حيث أدت العقوبات بالفعل إلى ترنح الاقتصاد القطرى وخسارته مليارات الدولار والذى تمثل فى تراجع البورصة وارتفاع تكلفة التأمين على الدين القطرى وهروب الاستثمارات الأجنبية وتراجع فرص قطر فى تنظيم كأس العالم وتوقف الشركات المساهمة فى بناء الإنشاءات الرياضية, كذلك التأثير سلبا على مستقبل مجلس التعاون الخليجى, الذى يعد أنجح التكتلات الاقتصادية العربية والإقليمية, خاصة فى ظل الإجراءات التصعيدية المتوقعة من جانب الدول الأربع فى حالة استمرار الدوحة فى سياسة التحدى, وهو حق مشروع لها فى ظل الدفاع الشرعى ضد الممارسات العدوانية القطرية ضدها, ومنها تعليق عضويتها فى المجلس. كذلك على المستوى السياسى والمتمثل فى انكشاف نظام الدوحة كداعم وممول للإرهاب وارتباطه بإيران بما يزيد من عزلته دوليا فى ظل التوجه العالمى الآن فى محاربة الإرهاب واتخاذ إجراءات صارمة ضد الدول التى تقوم بتمويله, وهو ما ظهر فى قمة العشرين الأخيرة بألمانيا وقبلها القمة الأمريكية الإسلامية التى عقدت فى الرياض فى شهر مايو الماضى. بحسابات المكسب والخسارة, فليس من مصلحة قطر أن تخسر أشقاءها الخليجيين والعرب حتى وإن كسبت تعاطف الدول الكبرى والذى يخضع لحسابات براجماتية, فمن مصلحتها أن تكون فى وضع طبيعى فى محيطها الحيوى وتشابكاتها السياسية والاقتصادية والتجارية معه خاصة أن قطر ليست دولة عظمى مؤثرة فى النظام الدولى وهى لن تستطيع تحمل تكلفة خيار التحدى, كما أن الدول الكبرى التى تجمعها مصالح ضخمة مع الدول الأربع لن تضحى بها مقابل الانحياز لقطر وستضطر فى نهاية المطاف إلى التضحية بقطر, ولذلك فمن الرشادة أن يستغل النظام القطرى الفرصة قبل فوات الأوان. لمزيد من مقالات د.أحمد سيد أحمد