تتعدد أوجه استهداف مصر ومقاصدها، وأخطرها على الإطلاق تلك المصوبة سهامها المسمومة باتجاه أمنها القومى، والاعتداء على حق المجتمع غير القابل للنزاع فى الردع والزجر بقوة وبتر العضو الفاسد فيه، حتى يتمكن من الاتزان والارتكاز على أقدام ثابتة، وحرمان الأشرار من الجور على الأخيار وفرض منطقهم المعوج الذى يبغى الانحدار بالبلد لقاع سحيق ومدمر يسود من خلاله العنف والتطرف وتزييف الحقائق. بعض هذه المحاولات شديدة الدهاء والمكر، لأنها تقدم للعيان على أنها دفاع عن قيم إنسانية واخلاقية سامية لا يختلف عليها اثنان، وإن تجرأت وعارضتها أو انتقدتها توخيا للمصلحة العامة فستكون فى نظرهم القاصر مناهضا أثيما للديمقراطية وحقوق الإنسان، مثل الموجة الشائعة والمتصاعدة هذه الأيام فى أوساط بعض الناشطين والكتاب المصريين ومنظمات حقوقية عالمية بخصوص الامتناع عن تنفيذ أحكام الاعدام الصادرة بحق متهمين أدانتهم المحاكم المصرية فى قضايا الإرهاب والتحريض على العنف، وتقويض مؤسسات الدولة. القضية تطرح على الرأى العام على أنها مسعى صادق وحسن النيات من جهة الأطراف المتبنية إياها لوقف إزهاق أرواح لا يحق إزهاقها، ولو باسم القانون والقصاص، وليس من قبيل المصادفة ذلك التوافق بل قل التماثل فى اللغة والحجج الواردة فى تقارير منظمات «كهيومان رايتس ووتش» مع ما يردده ويلح عليه ما يطلق عليهم نشطاء حيث وجه بعضهم خطابات لرئيس الجمهورية عبر مقالات نشرتها بعض الصحف الخاصة، ومواقع التواصل الاجتماعى لمطالبته بتفعيل حقه الدستورى لوقف تنفيذ احكام الاعدام، وتذرعوا بأن السلطات المصرية تخطت حدود القصاص إلى الانتقام والقتل العمد للمتورطين فيما سمته بالعنف السياسى. الاتهام جد خطير وغير مسموح السكوت عليه لبرهة واحدة دون الرد عليه وتفنيده التفنيد المستفيض من كل جوانبه وكشف منطلقاته المضلة، لكى يفهم المصريون طبيعة ما يحاك ضدهم وإلى أين يأخذهم، إذا اقتنعوا بالبضاعة الفاسدة المعروضة عليهم واشتروها؟ وانطلاقتنا الصحيحة ستكون من معرفة المبتغى من خلف دعواتهم والذى يتلخص فى اقتصار عقاب الإرهابيين وتجار المخدرات والمغتصبين.. الخ على الحبس فقط، ارتكانا إلى أن عقوبة الاعدام لا تشكل رادعا ضد اقتراف الجرائم.، فهى عديمة الجدوى والمفعول والأفضل منها هو السجن!. ببساطة متناهية نحن مطالبون بتركهم وشأنهم وتمكينهم من قضاء ما تبقى لهم من أعمارهم فى غياهب السجون بهدوء، وأن نرعاهم ونحافظ على حياتهم الغالية مكتفين بحرمانهم من نعمة الحرية غير المقدرة بثمن وعضهم على أصابع الندم وتجنبا لشبهة القتل باسم القانون، ومن يدرى فقد يتطور الأمر لاحقا للدعوة إلى التصالح مع قتلة الأطفال وأفراد الجيش والشرطة، ذاك عبث وتخريب للعقول واستخفاف لا يليق بها لماذا؟ ابتداء لأننا نلمح فسادا وبطلانا فى القياس والاستدلال، فدعاة الإحجام عن تطبيق عقوبة الإعدام يقولون إنها لم تردع الجناة والمجرمين الجدد عن الاتيان بأفعالهم الشريرة المشينة، ويشككون بخبث فى إجراءات محاكمتهم ، وأحدهم كتب متسائلا: هل ردع إعدام سيد قطب من أتوا بعده عن الإرهاب؟ ويجيب بكل براءة بالنفى نعم هى لم تردع كلية من جاءوا بعد سيد قطب إمام التطرف والتكفير ودقق جيدا فى اختيار المثل، لكن هل يعنى هذا أن احرم المجتمع من سوط الردع، ثم لنواجه الواقع الملموس بأنه لا يوجد ردع مطلق وإنما جزئى، وفى أقل التقديرات، سيحول الردع الجزئى بين البعض وبين الجريمة، حتى لو كان هذا البعض نفرا يعدون على أصابع اليد، فالردع موجود بنسبة معقولة ولا غنى عنه، وإلا سنصبح فى فوضى عارمة لا تبقى ولا تذر، وبكل تأكيد لو كان السابقون ادركوا الردع المطلق لكنا نحيا ونتقلب على ارائك المدينة الفاضلة، ولخلصنا كوكب الأرض من الشر ومكائد إبليس اللعين. ثم لماذا لا يسأل دعاة الرأفة والحنان مع الإرهابيين وداعميهم أنفسهم سؤالا واحدا هل يصح التعاطى بشفقة ولين مع إرهابى وغد فجر دور العبادة، واحل دماء أناس لا جريرة ولا ذنب لهم سوى أنهم كانوا فى طريقهم لاشغالهم، أو لقضاء حوائجهم، أو مع مغتصب انتهك بخسة حيوانية عرض طفلة عمرها أشهر قليلة؟. أهؤلاء يستحقون الحياة، أم معاقبتهم أشد العقاب حفاظا على المجتمع وتماسك بنيانه وثوابته، فالاكتفاء بحبسهم سيكون مشجعا لغيرهم لتكرار جرائمهم القذرة، وهنا ستقل تبعا قدرة المجتمع الردع الحاسم والذى يعد الاعدام احدى أدواته. بخلاف ذلك فان استخدام تعبير مرتكبى العنف السياسى يُوحى بان القصة لا تتجاوز اختلافات ومعارك لا تهدأ بين طرفين يتصارعان على كرسى السلطة وانهما متساويان ويقفان رأسا برأس، وأن الاقوى فيهما يستغل عضلاته للانتقام من الآخر، وانهما يتبادلان اللكمات والصفعات، وتلك هى الخدعة الكبرى التى نربأ بكم من السقوط فى براثنها، خصوصا ما يرتبط منها بوصف الارهابيين بأنهم مثل اسرى الحرب من الاعداء الذين لا يصح قتلهم، فهم أبناؤنا ومواطنون مصريون، وواجبهم علينا أن نقرص آذانهم وحسب دون أن نسيل دما. كلا وألف كلا فالصراع لم يكن ابدا ولا يزال على مقعد الحكم بقدر ما كان على قلب وروح الهوية المصرية التى يراد لها ارتداء ثوب الطاعة العمياء لمرشد الجماعة الإرهابية، ولأمراء الجماعات المتطرفة المنفلتة على كل المستويات والذين يشدونا للوراء، وتخاصم روحهم الحداثة والعصرنة، وتحركهم أياد كارهة للحياة ويتوهمون خطأ أنهم يخدمون الدين الإسلامى خدمة العمر، ويعلون من شأنه، برغم أن القتلة المؤجرين يسددون الطعنات المتتالية له وفى الصميم، ولننظر إلى المخازى التى يرتكبها عناصر تنظيم داعش الإرهابى واحدثها كان تدميره مئذنة مسجد النورى فى مدينة الموصل العراقية، المئذنة التى صمدت لأزيد من 800 عام ولم يستطع المغول المساس بها إلى أن هدمها من ينطقون الشهادتين فى العشر الأواخر من رمضان الكريم الذى ودعناه أمس الأول. أنتم ياسادة بطرحكم هذا توصلون رسالة للإرهابيين بالتمادى فى القتل على أن يكون قتلا هادئا تفاديا للجلبة والازعاج، وأن يفعلوا ما بدا لهم، وتعطلون فى الوقت ذاته آليات العقاب المجتمعية، وتستخفون بأحزان وأوجاع الآلاف من ضحايا الإرهاب الذين لا ينتظرون سوى العدل ومجازاة المجرمين بسيف القانون البتار. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقى