من يتأمل الفن المصرى والفن الأفريقى سيُدرك التشابه الكبير بسهولة، ومن يطالع مجموعة الصور التى نشرها المفكر السنغالي «شيخ أنتا ديوب» فى كتابه «الأصول الزنجية للحضارة المصرية» ترجمة «حليم طوسون» – دار العالم الثالث– عام1995. وكذلك رسوم الجداريات ، سيتأكد أن روح الفن واحدة. وفي الأساطير تشابهات كثيرة أيضا، في قصة خلق الكون ودور الطبيعة (الشمس والقمر) وخلق الإنسان من طين. كما تسمى عدد كبير من ملوك أفريقيا باسم «آمون» كما أكد «شيخ أنتا ديوب» بقوله: «.. ونلاحظ أنه يوجد حتى أيامنا هذه شعب الآنو فى ساحل العاج الذى يسبق أسماء ملوكه لقب آمون..وهو الإله المصرى الصرف» (ص128، 136). وفي اللغويات نكتشف قرابة اللغة المصرية القديمة واللغات المختلفة لشعوب أفريقيا، وفى السياق ذكر«أنتا ديوب» أنه «بقدر ما توجد صعوبة فى إثبات علاقة بين اللغة المصرية القديمة واللغات الهندو- أوروبية والسامية، بقدر ما يسهل إثبات رابطة الوحدة الوثيقة بين اللغة المصرية القديمة واللغات الزنجية. وقد خطرتْ فى ذهن عالم شاب مُتبحر هو السيد «ن. ريش» فكرة المقارنة بين بعض أصول الكلمات باللغة المصرية القديمة وأصول بعضها الآخر التى لاتزال تستخدمها الشعوب الزنجية فى وسط أفريقيا أو النوبة. وأثبت بلا مشقة كبيرة أنّ هناك تماثلا تامًا بينها». وهذا الرأى أيّدته الباحثة «هومبورجر» التى أكدتْ وجود صلة بين اللغة المصرية القديمة واللغات النجرو- أفريقية فى الفصل الثانى من كتابها «اللغات النجرو- أفريقية»، واهتمتْ بالتأثير المصرى على اللغات الزنجية. ولتأكيد أهمية صلة القرابة بين اللغة المصرية القديمة واللغات الأفريقية، لم يكتف «شيخ أنتا ديوب» بإطلاق العبارات الإنشائية، وإنما بحث ما يربط اللغة المصرية خاصة والأفريقية عامة من خلال علم اللغويات فكتب:«إنّ المقارنة بين اللغات الأفريقية واللغة المصرية القديمة لاتُفضى بنا إلى علاقات غامضة، بل إلى تطابق فى قواعد الصرف والنحوعلى نطاق واسع، بحيث لا يمكن أنْ يكون ذلك مجرد مصادفة»، وضرب بعض الأمثلة مثل التشابه فى استخدام حرف النون فى التعبير عن الماضى وتصريف الأفعال والضمائر، وأنّ حروف الإشارة واحدة فى اللغتيْن، والمبنى للمجهول واحد فى اللغتيْن. ويتم إحلال «اللام» فى لغة «الوُلوف» محل «النون» فى اللغة المصرية القديمة للانتقال من الكلمة المصرية إلى الكلمة فى لغة «الوُلوف» بنفس المعنى: كلمات من اللغة المصرية القديمة والوُلوف ناد= يطلب لاد= يطلب ناه= يخفى، يحمى لاه= يخفى، يحمى وذكر «أنتا ديوب» أنه اعتمد فى دراسته على كتاب عالم اللغويات الكبير «جاردنر» عن النحو الكلاسيكى «المصري» وكذلك كتاب «قواعد النحو المصرية». وقال العالم السنغالى انّ الساميين من اليهود والعرب كانوا يعتبرون المصريين من الزنوج (ص18) وتساءل: «من هو الشعب اليهودى؟ وكيف نشأ؟ وكيف جاء فى التوراة أنّ اللعنة حلّتْ بذرية حام سلف الزنوج والمصريين؟ لقد دخل اليهود الجهلة مصر بعد أنْ طردتهم المجاعة من فلسطين واجتذبتهم تلك الجنة الدنيوية المتمثلة فى وادى النيل.. إنّ الشعب اليهودى المُكوّن من رعاة بلا صناعة ولا تنظيم اجتماعى، ما كان يستشرف أى رد فعل إيجابى إزاء تفوق الشعب المصرى تقنيًا». ورغم خرافة التقسيم بين «سام وحام» والانحياز للأول ضد الثانى، فإنّ حام هذا «يُصبح أبيض كلما جرى البحث عن أصل الحضارة، لأنه موجود فى هذا البلد الذى كان أول بلد متحضر فى العالم» (ص26) وذكر انّ المصريين كانوا يكرهون الرعاة الآسيويين بكل أنواعهم، وكانت لاتعوزهم النعوت المُهينة للإشارة إليهم ويُسمونهم الآسيويين الخسيسين وأطلقوا على الغزاة اسم هكسوس أى «الرعاة» (ص86) وقال أيضا إن التقويم المصرى أقدم تقويم عرفته البشرية بيقين حسابى دقيق، وتساءل فماذا نجد فى بلاد ما بين النهريْن؟ وأجاب «لا شىء يمكن تحديد تاريخه بشكل مؤكد: فقد كان البناء يتم فى بلاد ما بين النهريْن بلبنات نيئة تُجففها الشمس وتحولها الأمطار إلى كتل من الطين». وعن الفرق بين مصر وبابل فى «التدوين» كتب «فى مصر تستند دراسة التاريخ على نطاق واسع، إلى وثائق مُسجّلة مثل حجر «بالرمو» ولوحات «أبيدوس» الملكية وبرديات «تورينو» الملكية. وحوليات «مانيتون». ويُضاف إلى كل تلك الوثائق الصلبة مجموع ما شهد به كتُاب قدامى بدءًا ب «هيرودوت» حتى «ديودور»، وكذا «متون الأهرام» وآلاف الكتابات المنقوشة على الجدران». (ص122، 123). وعن حقيقة أنّ مصر كانت أقدم دولة فى التاريخ القديم قال «أنتا ديوب»: «كانت مصر موحدة فى مملكة واحدة على يد «نعرمر» قبل مولد المسيح ب 3200 سنة. ولن تجد شيئًا مماثلا فى آسيا الغربية». وأشار إلى أنّ الفينيقيين أخذوا اسم إله الحكمة ومخترع الآداب والعلوم «تحوت» ونسبوه إلى أنفسهم باسم «طوط» (ص133) و«كانت مصر مهد الحضارة طوال عشرة آلاف سنة، بينما كانت بقية دول العالم غارقة فى ظلمات الوحشية.. وظلتْ تُلقن لأمد طويل شعوب البحر الأبيض المتوسط (الإغريق والرومان وغيرهم) التنوير الحضارى. وظلتْ طوال التاريخ القديم الأرض الكلاسيكية التى تحج إليها شعوب البحر الأبيض المتوسط، لتنهل منها منابع المعرفة العلمية والدينية والأخلاقية إلخ التى كانت أقدم ما اكتسب البشر من معارف فى تلك المجالات» (ص28).